غانم قاسم فرج الجبوري
(1969ـ 2007)
هو الشيخ غانم قاسم فرج العبد الله الجبوري ، ولد في 15 / 1 / 1969، في مدينة الموصل وكان أصغر من أختيه ، توفي أبوه وهو صغير ، قامت أمه على تربيته وتنشئته نشأة إسلامية ، قامت بإدخاله المدرسة الابتدائي في حي الكرامة ، وبعد أن أكمل دراسته فيها ثُمَّ المتوسطة في سنة 1985، ثُمَّ أكمل دراسته الإعدادية في إعدادية الدراسات الإسلامية سنة 1988 ، التحق في معهد إعداد الأئمة والخطباء في بغداد سنة 1989 ومدة الدراسة فيه ثلاث سنوات ، وبعد التخرج منه في سنة 1992. لم يستطع ممارسة الخطابة وذلك لمنع السلطات له ، بحجة أن لديه توجهات معادية للنظام
وبعد أن حول المعهد إلى كلية الإمام الأعظم ، أكمل سنته الرابعة فيه وتخرج منها سنة 2001 .
التحق بدراسة الماجستير سنة 2004 وأكملها سنة 2007، حصل على شهادة الماجستير بتقدير إمتياز في أصول الفقه عن رسالته الموسومة الإمام الزركشي ومنهجه في كتابه البحر المحيط وتمت المناقشة في كلية الإمام الأعظم ببغداد وتألفت لجنة المناقشة من الدكتور مزاحم الداموك مشرفاً، والدكتور محمود رجب النعيمي رئيساً والدكتور عبد المنعم الهيتي عضواً والدكتور مفلح عبد الواحد عضواً.
من مشايخه رحمه الله :
درس على يد العديد من علماء هذه المدينة وغيرها منهم :
· أحمد حسن الطه .
· أكرم سعدي رحمه الله .
· الشيخ إبراهيم النعمة .
· الشيخ أحمد تتر البيسري رحمه الله.
· الشيخ ذنون البدراني رحمه الله.
· الشيخ صالح خليل حمودي.
· الشيخ محمود مصطفى اليوسفي .
· عبدالله عمر الكردشيري .
· عبدالملك السعدي .
· محمد محروس المدرس رحمه الله.
إجازته العلمية :
حصل على الإجازة العلمية من قبل الشيخ الدكتور صالح خليل حمودي ولقبه شيخه بلقب ( زين الدين ) ، في يوم السبت 3 رمضان 1428هـ الموافق 15/9/2007 ، في حفل أقامته رابطة علماء العراق /فرع الموصل بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك وبمناسبة منح الإجازة العلمية لطلبة العلم كلاً من الشيخ محمد إبراهيم الهسنياني ، والشيخ غانم قاسم فرج الجبوري، والشيخ أحمد هاشم محمد صالح السبعاوي.
وقال في هذه المناسبة :
الحمد لله الذي عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أرشد الجاهلين ، وعلم المتعلمين ، وقاد سفينة العالم الحائرة إلى شواطيء الأمان والنجاة القائل:( من يرد الله به خيرةً يفقه بالدين ).
أما بعد : فإن أنفس ما تنفق فيه الأعمار وتقضى فيه الأوقات وتبذل فيه الهمم وبه يتوصل إلى أقصى الغايات طلب العلم ، الذي رفع الوضيع إلى أعلى الدرجات )يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (, فكفاهم فخراً إن الله أشهدهم على وحدانيته قال تعالى )شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( فكان الفخر لهذه الأمة ولعلمائها والرفعة لعظمائها والفضل لدعاتها ولله در القائل:
ماالفخر إلا لأهل العلم إنهم | | على الهدى لمن استهدى أدلاء |
وقدر كل إمرئ ما كان يحسنه | | والجاهلون لأهل العلم أعداء |
ففز بعلم تعش حياً به أبداً | | الناس موتى و أهل العلم أحياء |
بل كانت أول كلمة في هذا الدين )اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ( فيدل ذلك على أن هذا الدين دين علم ومعرفه جاء ليكرم العلماء ، ويعلم الجهلاء حتى اقسم الباري تعالى بأداة العلم ووسيلته فقال: )ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ( ، فهل يبقي للجهل مكان في أمة قال كتابها )هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( وقال )وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ( وقال )بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ( ، فكان العلماء هم الناس الحقيقيون كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله حين سئل من الناس ، قال العلماء ، قيل ومن الملوك ؟ قال الزهاد ، قيل: فمن السفلة ؟ قال : الذين يأخذون الدنيا بالدين ، وقد أوصى لقمان الحكيم ابنه يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله سبحانه وتعالى يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيى الأرض بوابل السماء ، وهكذا أيها السادة كان العلم ومسيرته في مدينتنا الفاضلة ، من هذا المنطلق كان لنا شرف خدمة هذا الدين مع إخوان وشرف تعلمه والسير في ركاب أهله فمن فضل الله عليَّ وله الفضل في أول الأمر وآخره إني تلقيت هذا العلم عن مشايخ أجلاء وعلماء فضلاء كانت لهم عليَّ أيادٍ بيضاء في تربيتي وتعليمي وأخص بالذكر منهم :
أولاً : الشيخ العلامة احمد الحسن الطه حيث قرأت عليه من متن الغاية والتقريب في الفقه الشافعي والورقات وشرحها للمحلي بالأصول، وشرح الرحبية في الفرائض .
ثانياً : ثُمَّ واصلت مع شيخنا عبد الملك السعدي حفظه الله فقرأت عليه شرح النسفية له، وشرح البيقونية لسراج الدين في المصطلح ,والجزء الأول من ميزان الأصول ( بتحقيقه ) في أصول الحنفية ، وأغلب قطر الندى ، والاختيار إلا قليل منه في فقه الحنفية .
ثالثاً : الشيخ المحدث صبحي السامرائي حفظه الله حيث قرأت عليه علم المصطلح وقد أجازاني بإجازة عامة بالكتب السنن الستة ، وبما يروى عن مشايخه ، مع كتب المصطلح .
رابعاً : الشيخ محمد محروس المدرس رحمه اله حيث قرأت عليه شيء من الاختيار ، وكشف الأسرار شرح أصول البزدوي للنسفي .
أما مشايخي في الموصل الحدباء فهم كالآتي :
أولاً : الشيخ الأستاذ العلامة ملا أحمد تتر رحمه الله حيث قرأت عليه متن العزي في التصريف ومتن ايساغوجي وشرحه مغني الطلاب في المنطق، والوضع والاستعارة لأبي مكرن الرستمي ، وفي النحو شرح العوامل المسمى بالشرح الثاني ، وشرح الأنموذج للزمخشري بشرح عبدالغني الاردبيلي ، ، وفي العقيدة جوهرة التوحيد للباجوري ، وفي الفقه المنهاج للإمام النووي رحمه الله .
ثانياً : الأستاذ النحوي الشيخ العالم الشيخ محمود مصطفى رشيد اليوسفي أبو نجيب حفظه الله حيث قرأت عليه علوم الالة : متن البناء والعزي وشرحه للتفتزاني والآجرومية وشذور الذهب وابن عقيل وشرح الباقية المسمى ملا جامي في علم النحو.
أما الفقه فقد قرأت عليه الروضة الندية ، وأما الحديث فقد قرأت عليه بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني ، والجزء الأول من سبل السلام ، والمجلد الأول من كتاب التاج .
وأما في التفسير فقد قرأت عليه تفسير الجلالين بحاشية الصاوي إلى سورة يونس، وتفسير البيضاوي إلى صدر سورة النساء .
وأما في العقيدة فقد قرأت عليه المجلد الأول من شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي .
ثالثاً : ملا أكرم سعدي ـ رحمه الله ـ حيث قرأت عليه الجزء الأول من ابن عقيل .
رابعاً : الشيخ الدكتور صالح خليل حمودي حفظه الله قرأت عليه طرفاً من علم التفسير والفقه والأصول .
كما حضرت دروس شيخنا العلامة ذنون البدراني رحمه الله والتي كان يلقيها على بعض طلبة العلم .
خامساً: الشيخ الفاضل الجليل عبدالله عمر سلطان الگردشيري ـ حفظه الله ـ حيث قرأت عليه ربع كتاب جمع الجوامع في الأصول .
ونحن بإذن الله تعالى على الدرب ماضون وفي طريق أهل العلم سائرون وبسيرة الأخيار مهتدون .
وختاماً: أساله تعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ماينفعنا وأن يسدل الخير والثواب لكل من علمنا ومن له حق علينا ، أساله الرحمة والمغفرة والرضوان لي ولكم إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير هو نعم المولى ونعم النصير وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين وبارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تلاميذه :
لقد درّس ـ رحمه الله ـ فترة طويلة من الزمن في جامع الكرامة حيث كان يلقي دروسه اليومية مابين المغرب والعشاء رغم المضايقات التي كان يعاني منها من قبل السلطات الأمنية والحزبية آنذاك وبقي مستمراً بالتدريس ولم توقفه عن أداء رسالته ، له وكانت دروسه تتوزع بين الفقه والعقيدة والنحو وكتب الدعوة ، كما أصبح العديد من طلابه الذين درسوا عليه من المتميزين في الخطابة والإمامة .
بذل الشيخ ـ رحمه الله ـ جهوداً كبيرة في سبيل نشر الدعوة من خلال العلم الشرعي فتتلمذ على يده كثير من طلبة العلم ولاسيما في جامع الكرامة في حي الكرامة .
فإن هؤلاء التلاميذ استوعبوا فكر الشيخ ودعوته وأخذوا يعملون بها ويبثونها إلى الناس ، ولكن يصعب عليَّ أن أشير إلى جميع أولئك التلاميذ ولكن سأذكر بعض من هؤلاء الذين يرتقون المنابر ليواصلوا الدعوة إلى الله وإكمال ما ابتدأه رحمه الله . جاسم عبد شلال النعيمي عمل خطيباً في أكثر من جامع في محافظة نينوى ، والشيخ أحمد عبدالله شامي الحياني ، إمام وخطيب جامع الكرامة . الشيخ أحمد الحديدي ، وبرهان إدريس ، فاروق عبدالحميد ، خالد الصميدعي ( أبو وليد ) ، عبدالرحيم خليل محمد ، فارس ، كاوه محي الدين خليفة ، عبدالسلام ، عدنان عبدالله الجبوري من قرية العباس ناحية النمرود .
وظائفه التي أشغلها :
لقد تقلداً شيخنا مناصب دعوية كثيرة معظمها حسبة لله وكان لها الفائدة الكبيرة لأهل الموصل منها :
· عمل خطيباً جامع الكرامة .
· عمل خطيباً جامع الكوير الكبير في ناحية الكوير .
· عمل خطيباً جامع أبي حنيفة في حي النور .
· عمل خطيباً الجامع الكبير في ناحية النمرود
· عمل خطيباً جامع الهدى في حي القدس الى أن استشهد.
· عمل إماماً لمسجد الأحمدية في منطقة شارع النجفي الى أن استشهد رحمه الله :
· كان له برنامج إذاعي في إذاعة النور من دار السلام في مدينة الموصل في كل يوم أربعاء ، يجيب من خلاله على أسئلة السادة المستمعين .
· وكان له برنامج في تلفزيون الحدباء في الموصل ، يجيب من خلاله على أسئلة السادة المشاهدين .
· عضو في رابطة علماء العراق /فرع الموصل
· عضو رابطة طلبة العلوم الشرعية .
· عضو هيئة علماء المسلمين .
· مدرساً في ثانوية سعد بن معاذ الدينية في جامع الشيخكي حي القادسية .
· كان عضواً في هيئة الإفتاء التابعة لرابطة علماء العراق / فرع الموصل.
· عضو في مشروع الأضاحي في جامع الكرامة وغيرها من المشاريع
· كان الشيخ رحمه الله منتسباً في مديرية الوقف السني / نينوى منذ 27 / 6 / 2004 .
لقد لعب الشيخ دوراً مهما يشهد له المعارف من أهل الموصل في تقديم المساعدات والاغاثات للفقراء والمساكين والأرامل والمهجرين من خلال عمله في المشاريع الإغاثية.
صفاته:
كان ذا قامة معتدلة وبشرة بيضاء جميلة وشعر أسود امتاز بالإلقاء المعبر والمؤثر في النفوس ، فهو خطيب بارع وبليغ العبارة أجودها ، وكان يرتجل خطبه كثيراً ، بهر سامعيه بصوته في الدعاء حيث كان يقصده المصلون من أماكن بعيدة عن الجامع الذي تولى خطابته ليستمعوا إليه وكان يلبس العمامة وفي بعض الأحيان يغطي عماته بكوفية وجبة فارهة تحتها قميص .
عالم فاضل من علماء هذه المدينة العريقة بالعلوم الشرعية وغيرها ، جمع بين غزارة العلم وحفظ الأحاديث والقصص الأخرى والأبيات الشريعة .
كما امتاز بسرعة الحفظ للأحاديث النبوية الشريفة والعديد من الآراء الفقهية ، والقصائد والأراجيز المتضمنة بعضاً من أبواب الفقه والنحو والصرف .
كان ـ رحمه الله ـ ليناً في غير ضعف مهاباً سمحاً كريماً حليماً محبوباً للطالبين والفقراء صبوراً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و كان جريئاً لا يخاف في الله لومت لائم ، وكان يصدح بالحق الذي يعتقده في شجاعة نادرة ومنقطعة النظير وماكان يماري في عرض رأيه أبداً ، يبكي سامعيه ويدعو على من احتل الأرض ودنس العرض وقتل الأبطال ويتم الأطفال وهدم الدور .
وقد أثنى عليه أساتذته كثيراً ومنهم الشيخ أزهر عبد الله عبد الرحمن الحياني قال: تعرفت عليه في الثمانينات حين كان طالباً في الصف الخامس في إعدادية الدراسات الإسلامية وكنت حينها مدرساً فيها لمادتي النحو والبلاغة فوجدته من المتفوقين ومن الطلاب البارزين فيها , وكان في هذا الصف ينظم الشعر فقلت له : هل هذا شعرك قال : نعم , فهو منذ الصغر عرف بالالتزام وحسن العقيدة والغيرة على الدين فوجدت فيه الإخلاص والصدق ووجدته مشروعاً لرجل دعوة ناجح .
وفيما بعد : وجدته خطيباً مفوهاً وذو منطق ومؤثراً في سامعيه من خلال سماعي له في مجالس العزاء وفي المناسبات الدينية فهو وسطي في دعوته ويفهم الإسلام انه منهج حياة متكاملة فضلاً عن اشتغاله في مجلس الفتوى حيث كان أحد الأعضاء البارزين كان صاحب علم رغم صغر سنة كان يبحث عن الدقائق وكأنه قد تجاوز الخمسين من عمره وكان كثيراً ما ينفرد بالفتوى كثيراً كان ـ رحمه الله ـ ذو قابلية على حل المشاكل التي تأتي إلى مجلس الفتوى وكان يتعامل معها بحكمة كبيرة ولاسيما المشاكل التي كانت تقع بين الأزواج والإخوة وأبناء العم والجيران وكأنه ليس شاباً لم يتجاوز (35) سنة وكأنه رجل كبير مصحوب بتجربة كبيرة وخبرة وكان يقيم الحجة على المخالف في القضايا الاجتماعية ولاسيما مسائل الطلاق إذا كان عنده إلمام فيها ، فهو رجل يتمع بالخلق العالي والصدق والأمانة والوفاء والتواضع رغم بروزة وشهرته وصغر سنة فله قلب طيب وروح مرحه ويتمع بالشاشة ويحب النكتة فهو خفيف الظل وكنت ارتاح له كثيراً وأحبة .
فهو أخ عزيز وكريم ورغم الفارق العمري ورغم كونه من طلابي .
وكان في الإعدادية يتمتع بالذكاء والنشاط والحيوية والاندفاع قلماً تجد اندفاعه وغيرته على دينه وأمته .
كان ـ رحمه الله ـ من الأشياخ والمعدودين الذين يُعول عليهم في الدعوة والعمل لهذا الدين انه كان مشروع متواصل دؤوب لا يعرف الكل ولا الملل ولا التعب . لا يعرف الجلوس ولا الراحة كان دائماً سابقاً في الخير وخدمة الناس وقضاء حوائجهم ، يستقطب الناس بأسلوبه المرح فهو إنسان محبوب مااتصور أحد عرفه إلا وأحبه وتعلق به وتأثر به بأخلاقه ودعوته فموته خسارة للإسلام وللمسلمين ولهذا الدعوة المبارك ولهذا المدينة المعطاء .
لم يستطع الحضور إلى جامع الذي كان يغص بالمصلين إذ كان الفناء الداخلي والسرداب أسفل الجامع ( الذي كان بحجم الجامع ) وباحته واقعة المناسبات وباحتها كل ذلك يُملأ بالمصلين من حي القدس ومن الأحياء المجاورة الأخرى، بسبب حضر التجوال في مدينة الموصل اتصل بي أن أنوب عنه في الخطاب وبعد أن اعتذرت منه أصر إلا أن أنوب عنه ويا لها من مهمة صعبة وأمر عسير لكون لم أتهيأ للخطبة ، فضلاً عن أسلوبه المتميز فشتان مابين الثرى والثريا ، فتوكلت على الله وألقيت الخطبة وكان رضي الناس مقبولاً ولكن خاب أملهم بعدم حضور الشيخ رحمه الله .
وبعد استشهاد ـ رحمه الله ـ رفض العديد من الخطباء ارتقاء المنبر وذلك لسببين الأول : العامل الأمني إذا قتل أكثر من خمسة من علماء المدينة في هذا الشهر المبارك .
والثاني : مخافة الفشل وعدم رضا الناس عنه للفارق بين الاثنين
وبعد إلحاح متولي الجامع وإمامه الشيخ بشار جميل شامي وخادمه السيد يونس عبدالله نجم الحديدي ومصليه قدمت للخاطبة على أن يأتي من ينوب عني ولم يحصل أن تقدم أحد لمدة سنة ، حتى استقرت الأوضاع الأمنية فبدأ العديد من الخطباء يطمح أن يكون خطيباً للجامع المذكور .
الخطبة الأخيرة : تحدث فيها عن معركة بدر بإيجاز ولكنه وقف طويلا عند ثلاثة مسائل مهمة .
الأولى : الإخلاص لله .
والثانية : كتمان السر .
الثالثة : فالنصر معقود الصبر .
مكتبته:
في ظل الحصار الظالم على قطرنا ونتيجة إيقافه عن العمل الخطابي ولم يكن له راتب شهري يتقاضاه من أيَّ مؤسسة أضطر الشيخ رحمه الله تعالى إلى العمل في بيع الكتب في شارع النجفي ليسد حاجته مع عائلته الكبيرة حيث أنه كان حريصاً أن يقدم لأطفال وزوجته وأمه أفضل مايمكن من العيش الطيب فقام في باديء الأمر بالاشتراك مع الشيخ خالد عبدالعزيز في المكتبة النقشبندية يعرض فيها الكتب الدينية والأدبية والتاريخية وباشرا العمل سوية وجلس مع الشيخ خالد عبدالعزيز في هذا المكان وأصبح هذا المكان مرجعاً لطلبة العلم الشرعي من مختلف مشاربهم وذلك لتميزه واعتداله في دعوته وكان يسافر من اجل ذلك إلى مدينة بغداد وغيرها متبضعاً شتى أنواع الكتب القيمة التي يحتاج لها طلبة العلم بالدرجة الأولى ثُمَّ لغيرهم في شتى المواضيع ، وبعد سفر الشيخ خالد عبدالعزيز إلى اليمن في سنة 2000م آلت إليه المكتبة .
كان رحمه الله يتعامل مع طلبة العلم الشرعي بعيداً عن الجانب المادي فإذا جلب بعض الكتب الجديد المهمة والنادرة فيخبئها لهم وعند زيارة طالب العلم له يخرج الكتاب من تحت منضدته ويكون قد وضعه في كيس من البلاستك وكتب عليه سعره ، ويقول له خذ هذا الكتاب المهم الذي سوف تحتاج إليه مستقبلاً ، وكثيراً مانطلع على قوائم شراء الكتب فنجده لم يربح منه أي شيء وإنما باعه بثمنه مع التأخير في سداد الثمن فربما يتأخر أحدنا عن سداد ثمن الكتاب لمدة سنة أو أكثر .
إن عمله في المكتبة كان مجلس إفتاء للعامة من الناس ومجلس علم لطلبة العلم الشرعي ، وكنت أثناء دراستي بعد انتهاء الدوام اجلس عنده كي أستفيد منه من خلال الأسئلة التي تطرح عليه في كل يوم من قبل العام والخاص ، وكان يجيب الناس عن جميع الأسئلة إلا في مسالة واحدة هي الطلاق كان كثيراً ما يُحيل السائل إلى مجلس الإفتاء الذي ينعقد كل يوم سبت في رابطة علماء الموصل .
دعوته :
خرج إلى الدعوة إلى الله في كل مناطق المحافظة فلم يمنعه قرّ ولا حرّ عن أداء مهمته فخرج لإلقاء المحاضرات وتـثقيف الناس وتعليمهم مباديء الإسلام في مدينة الموصل وفي أقضيتها ونواحيها وقراها ، فقد دعوته إلى قرية تل الهوى في ربيعة وقرية نمريك في ناحية فايدة ، وناحية الكوير وناحية قيارة وناحية النمرود وقراها فضلاً عن دروسه في مساجد الموصل ولاسيما في رمضان إذ كان في بعض السنوات يلقي محاضرة في كل مسجد .
وكان له درس أسبوعي في كل يوم ثلاثاء في جامع الشيخكي مع كل من الشيخ خالد عبدالعزيز الكوراني والشيخ حسين علي سليمان السليفاني إلى عام 2003 فتوقف الدرس بسبب الوضع الأمني .
أسهم في تأسيس ثانوية سعد بن معاذ الإسلامية في جامع الشيخكي بالاشتراك مع الشيخ عبدالحميد الشيخكي والشيخ خالد عبدالعزيز الكوراني والشيخ أحمد عبدالله شامي الحياني وكانوا يحاضرون فيها مجاناً وهي الآن من المدارس المتميزة في مدينة الموصل .
شعره
كتب العديد من القصائد الشعرية في مناسبات مختلفة منها في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها ما هو رثاء في العلماء ، ولم أستطع العثور عليها منها هذه القصيدة.
حي الأنام بمولد المختار
حي الأنام بمولد المختار | | الشوق أرقني ودمع جاري |
حي الأنام فما لقب عاشق | | إلا الوصال وطلعة الزوار |
جاء الرسول بمنهج قامت به | | روح الحياة بفيضه المدرار |
الناس قد عبدوا حجارة سيد | | جاف الفلاح عباده الأحجار |
فأتى الرسول بشرعة وعقيدة | | دخل الأنام بها كدفق بحار |
ذاك الرسول وذاك وحي صادق | | فتحطمت بها قوى الأشرار |
يا أيها الناس الذين قد ارتموا | | بين الضلال وفكرة الأحجار |
امضوا بقول: لا اله لنا سوى | | الرحمن معبود مدى الأعمار |
دستورنا القرآن وحي إلهنا | | أنعم به هديا كنور سار |
فيض الهدى غطى الربوع بأسرها | | نورا به قد أصبحت كدرار |
غايتنا الإسلام فيه عزنا | | من دونه ذل أتى بجوار |
عز يعز الله في جنده | | رغم النكال ومقلع الأظفار |
من علم الكلب اللعين بأننا | | يوما خشينا سطوة الصرصار |
الله ينصرنا لرفعة دينه | | بمحمد سرنا لنيل فخار |
فخر وإيمان يتوج أمه | | بمحمد قد كللت بالغار |
الله اكبر يا جحافل كبري | | نلنا المنى بعزيمة الثوار |
الله اكبر ما حيينا ساعة | | وتوحدت أمم على الاحرار |
خضرا مرابعنا غدت بمحمد | | شيم يدل بها على الجزار |
ما أن بدا جنح النهار بطالع | | حتى توجهت اللئام بنار |
تبت يد وقدت لظا بسبيله | | أم الجميل وعصبة الكفار |
ذرهم يخوضوا فالعذاب عذابنا | | فوج تلا فوجا على الآثار |
إن طبلوا للحرب فأثبت صابرا | | فالنصر يأتيكم كوضح نهار |
ماذا أحدثت بعد كل مصيبة | | رزئت بها كل الكعاب بعار |
في القدس حدث فالحديث مسهدي | | عن مشعر باتوا دمى لصغار |
كم حرة هتكت بليل دامس | | أنت فلا سمع أتى بقرار |
أنت فقالوا كالكلاب نباحها | | سبحان ربي قاصم الجبار |
من باع ذمته بفلس موهم | | في سوق روما عشعشوا بخوار |
نادينا معتصما تقول نساؤنا | | ماذا دهاه فلم يجب بقرار |
لتنوء مسلمة بكل فجيعة | | جبل غدا فيها نثار غبار |
حدث فأن القلب أصبح متعبا | | من طول ما عانى من الأخبار |
حدث ففي بعض الحديث بشاشة | | تجلي هموم القلب بعد عثار |
حدث وأوجز وانثني بعد اللقا | | وانظر سمو عقيدتي بفخار |
إسلامنا جسد تشت أمره | | بين ألخنا ومخالب الفجار |
مرت على السودان احلك ظلمة | | ثُمَّالعراق وسائر الأقطار |
قل لي بربك فالمقال يهزني | | والعين دامعة بفيض غزار |
يا ايها العاصي لشرع مُحمَّد | | الطف بنفسك ساعة الاحضار |
الطف بنفسك من لظا وجهنم | | لا تشتري النيران حين تماري |
واسلك سبيل الاتقياء وإنما | | كان التقـى منجا من الأوزار |
ماذا اقول وفي الفؤاد مرارة | | لما تركنا الهدي وضح نهار |
لما تركنا للعلوج اعنة | | صار الشريف يقاس بالأحجار |
اما اللئيم فذاك امسى سيداً | | والعبد صار يقاس بالأزهار |
صدقت مقالة عادل فاروقنا | | قلب القرى بسيادة الاشرار |
ياأهل ودي لا علاج سوى هدى | | لمحمد يجلي صدى الاعمار |
إني اطلت وفي الضلوع مصائب | | ازرت بأحشائي مع الاوتار |
عذراً رسول الله إني متيم | | أضناه طول البعد والأسفار |
صلى عليك الله يا خير الورى | | ما دام ذكرك ساطع الانوار([1]) |
استشهاده:
في التاسعة والنصف من صباح يوم السبت السابع عشر من رمضان عام 1428 هـ الموافق 29 أيلول 2007 ، كان الشيخ على موعد مع الشهادة في مدينة الأنبياء والشهداء (الموصل الحبيبة ) لتصب دماؤه الزكية في نهر دماء الشهداء الذين قتلوا في هذا الشهر المبارك ، ولكي ينيروا درب الهداية والحق للسائرين ، وفي ذكرى معركة بدر الكبرى ، خرج الشيخ رحمه الله كعادته في مثل هذا اليوم للذهاب إلى مجلس الإفتاء في رابطة علماء الموصل وكان مرتديا العمامة البيضاء الذي كان يلبسها في جلسوه في هذا المجلس احتراماً له .
وبعد أن وقف على الشارع العام أمام داره في حي الميثاق لكي يؤجر له سيارة يستقل بها إلى مجلس الإفتاء أطلق عليه النار من قبل أشخاص مجهولين واردوه صريعاً في الحال وكل من مر ورآه اخبرنا أنه كان مبتسماً قابضاً كفه مشيراً بسبابته وكأنه ردد شهادة التوحيد.
لقى الله وهو صائم واستشهد في يوم معركة بدر ، ثُمَّ قام أحد تلاميذه الشيخ أحمد عبدالله شامي الحياني إمام وخطيب جامع الكرامة بنقله إلى الطب العدلي وهناك تَمَّ غسله وتكفينه ، وتَمَّ نقله إلى داره وأراد أقرباؤه أن ينقلوه مباشرة للدفن فاعترض الكثيرون في حينها إلا أن ينقل إلى جامعه لكي يصلي عليه من في الجامع من مصلية ومحبيه .
جيء به إلى جامع الهدى في حي القدس فعلى نحيب المصلين بالبكاء عليه وهرع الناس إلى الجامع وقد ذهلوا لهذا المصاب الجلل ، فقام الشيخ عبدالمجيد الجبوري أبو خميس رحمه الله الذي استشهد في شهر نيسان 2010 ، بالصلاة عليه ثمَّ ألقى كلمة تأبينية في وداعه وحمل على الأكتاف ونقل إلى قرية العباس في ناحية النمرود ودفن في قريته وبين أقربائه ، وعمل له مجلس العزاء في القرية المذكورة، وقد رثاه شيخه محمود مصطفى رشيد اليوسفي ( شيخه ) بقصيدة شعرية في 19 رمضان 1428هـ /1/10/2007 .
الله يعلم كم في القلب من نار | | |
| ولو من العينِ دمعي غيرُ مدرارِ | |
نارٌ تأججُ في الأحشاء قد تركتْ | | |
| في لهيبا كصوتِ الرعدِ هدَّار | |
من هَولِ ما اليوم في أقطارنا نجدُ | | |
| من اغتيال رجلِ العلم بالنارِ | |
كأن مصداقَ ما قال النبيُ به | | |
| من قبض أهل العلوم دون إنذارِ | |
يُطبَّقُ اليومَ في هذي البلادِ وقد | | |
| جرى بأيدي لئيم الطبع غدَّار | |
لهفي ـ أبا زينبٍ ـ والبينُ يُؤلِمُنا | | |
| عليك في القلب يَربُو أيَّ إعصارِ | |
قد كنتَ خير صديق يستنارُ به | | |
| وكنتَ سهماً كريماً غير خوَّار | |
فَبِاعِتباطك عنَّا ياأخا كرمٍ | | |
| تركتنا بين مَهمُومٍ ومُحتارِ | |
هي المقاديرُ تأتي لا مَردَّ لها | | |
| ولا تعالجنا إلا بمِقدارِ | |
كيف اصطبارُ رفاقٍ كنت بَهْجَتَهُمْ | | |
| همْ بعدَكَ اليومَ في همٍّ وأكدارِ | |
يا نجمةً أفلتْ فينا وقد ترَكتْ | | |
| عُيون منْ حولَهُ مِنْ دُون إبْصارِ | |
يا وردةً قُطِفَتْ فينا وقد ترَكتْ | | |
| رياضَ مَنْ عَرَفُوهُ دُونَ أزهارِ | |
سلوا المنابِرَ كمْ تبكي لغَيْبَتِهِ | | |
| إذ كان يُوصي على الأيتامِ والجَارِ | |
ويظلَّ يَصْدَعُ بالحقِّ المبين على | | |
| رؤوسهم بلسانٍ منهُ بتَّارِ | |
ولمْ يَخَفْ لومةً في الله إذ فَزَعَتْ | | |
| منها القلوبُ وما في الخوفِ مِن عارِ | |
أو اسألوا مُجر التَدْريس كمْ لبسَتْ | | |
| حُزناً عليه وارْخَتْ سُودَ أستارِ | |
نوائبُ الدَهْرِ لا تُبقى على أحَدٍ | | |
| فهذه الدارُ ما للناس بالدارِ | |
كذا المصائبُ تأتي غيرَ طالبة | | |
| إذنا ولا أيُّنَا فيها بِمُخْتَارِ | |
أصَابَكَ اللهُ عن صَحْبٍ رَضَوْا خُلُقاً | | |
| منك وذِكراً بِجَنَّاتٍ وأنهارِ | |
أخُوكُمُ ـ يا رِفَاقي ـ اليوم في شُغُلٍ | | |
| مُنَعّمَاً في جنانٍ ذاتِ أشجارِ | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق