الجمعة، 8 يونيو 2012

حكايات من القرية الرجل القاسي


الرجل القاسي
في بيت أبيه تعلم القسوة وأخذ الحقوق بالقوة نشأ  وتربى في أحضان أُمه وأبيه رأى أمام عينيه كيف تُـقدم أمه على خيانة أبيه ثم قامت بقتله بوضع السم له في الطعام لتأخذ حبيبها , رأى والده كيف يعاني النزع والألم وكيف كانت روحه  تفيض إلى بارئها بيد زوجته , يسمع ضحكاتها وهي في أحضان معشوقها بعد أن تزوجته بفترة قصيرة , لكنها لم تهنأ كثيراً بهذا الزواج إذ قتل عند نزوله إلى مدينة الموصل للتبضع فلما بلغها النبأ أخذت تندبه وشقت جيبها ونثرت شعرها , ولطمت خدها , ووضعت السمود ـ سماد الموقد ـ على رأسها , أخذت ملابسه ووضعتها على خشبة وجعلت منها فزاعة أمام ناظريها كأنه لم يمت وهي تندبه وتبكي عليه الليالي , ولكنها بعد ثلاث سنوات قامت بوضع السم لنفسها وقتلت نفسها حزناً وأسىً على فراقه ومن أجله تجاوزت كل المحرمات وتعرضت للأقاويل وها هي الآن تفقده بين ليلة وضحاها بقيّ وحيداً لا أم ولا أب له , نشأ في بيت عمه والحقد يملأُ قلبه على كل امرأة في الكون وعلى كل إنسان كان لما يسمع من كلام يؤذيه عن أفعال أُمه دون أن يؤهبه به أو بمشاعره , لذلك لم يعد يحترم إنساناً ولا تأخذه الرأفة والرحمة بأي إنسان أو حيوان رجل أصبح قلبه أسود مرباد , تزوج أبنة عمه , أخذ يقسو عليها لأن صورة أُمه ماثلة أمام عينيه تتجسد في كل امرأة يعرفها , من رآها أشفق على حالها كأنها أسيرة في بيته , كان يوسعها ضرباً لم يبرح يومًا من الأيام إلا وضربها , أنجبت له ولداً واحداً .
كانت لديه سيارة يعتز بها كثيراً  إذا مَرَّ بأهل القرية لا يسلم على أحد منهم , ولا يحمِل معه أحداً في سيارته برغم قلة سيارات القرية آنذاك , فلما كان يعاتب على ذلك ويقال له يكون جوابه : لماذا لا تسلم أنت عليَّ ؟ , فهو هاديء الطبع في الطريق ومع الناس ولا يختلط بهم ولا يتكلم مع أحد ولا يجلس مع أحد انعزل  ولا يشارك في أي مناسبة من مناسبات القرية .
شديد قاسٍ , ولا يتحمل أي تصرف من عائلته , في أحد الأيام أخذ ديك عنده يصيح قام إلى هذا الديك وأمسكه واوسعه ضرباً ولم يفلت من يده إلى أن قضى عليه ، وكانت  حجته في ذلك أنه أزعجه من نومه .
لا يدع أحداً يقود سيارته , حتى ولده الوحيد, وفي أحد الأيام وهو يقود سيارته بعد أن كبر سنّه وقل بصره , اصطدم بسيارة أخرى فتحطمت سيارته أمام ناظريه ، كان معتداً كثيراً بهذه السيارة بعد هذا الحادث أصبحت كأنها كومة من حديد, فقد عقله لفترة من الزمن لا يعرف هل هو الحزن على سيارته أم على ما أصاب قدميه من عطب ,وكسرت عظامه وأصيب عدة إصابات في أجزاء متفرقة من جسمه , أُدخل المستشفى ولم يكمل علاجه  لأنه لا يستطيع المكث فيه , حمل إلى بيته وكان يحتاج إلى أكثر من عملية جراحية ولكنها لم تُجْرَ له .
ها هو يصبح تحت رحمة الزوجة وولدها وأحفاده الذين ورثوا القسوة منه , وتعلموا عدم الرحمة على يديه لم يشتروا له  كرسياً متحركاً يوضع عليه إذا دخل الحمام يدخل يزحف على مؤخرته وإذا أراد أن يخرج أمام داره يخرج زحفاً على مخرته , في أحد الأيام سمع صوتاً خارج الدار وأمام داره متجر لبيع البضائع ، زحف إلى سلم الدار فارتقى إلى السطح وأخذ يصرخ بأعلى صوته ما هذه الحياة الكئيبة البائسة إني لا أُريدها , سانتحر ...... هرع إليه شباب القرية وأنزلوه من فوق سطح الدار , وها هو يحصد ما زرعت يداه من قسوة وجحود وعدم مبالاة بمشاعر المقربين به ليكتوي بنارها ويصطلي بلهيبها ، ولما حضرته الوفاة لم يبك عليه أحد ولم أرَ أحدا يترحم عليه في مجلس العزاء الذي أقيم من قبل أقربائه رغماً عن انف ابنه وزوجته وأحفاده .


حكايات من القرية : الرجل البكاء


الرجل البكاء
مات زوجها وهي لازالت شابة ترك لها من الأولاد ابنتين وولداً واحداً صغير السن كانت تحمله على ظهرها في ذهابها إلى الحقل وفي عودته منه حتى بعد أن أصبح بعمر ثلاث سنين ,أدخلته الكتاب عند ملا القرية الحاج حسين رحمه الله ليتلقى المبادئ الأولية في قراءة القرآن الكريم فلما ختمه عمّت الفرحة أرجاء القرية وفرحت النسوة لفرحها وقامت بذبح خروف لتولم عليه وتدعو الكثيرين من أبناء القرية من وجهائها وعوامها ولما بلغ الست سنوات أدخلته المدرسة ليتفوق بها وينجح الأول على طلابها ولكنه لم يكمل دراسته المتوسطة وذلك لخوفها عليه في ذهابه وإيابه إلى المتوسطة في مركز الناحية .
غرست في قلبه حب الإسلام وحب الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأطهار ، وحب أولياء الله فتمسك بالشرع لتقوم بتوجيهه ورعايته وكانت تخاف عليه حتى من الريح الهابة فهو النور الذي تبصر به والهواء الذي تستنشقه وهو الأمل الذي من أجله تعيش وزوجته بسن مبكرة جداً لينجب ولداً بكراً وعدداً من البنات ثم زوجته الثانية والثالثة لينجب أكثر من عشرة أولاد وتسع بنات ، كانت لديه مكتبة إسلامية عامرة في حين قلما تجد في القرية كتاباً ، فتح الله عليه ليكثر خيره وليعم ويصبح لديه سيارة وجرار زراعي ، فقد ولده الأكبر في الحرب العراقية الإيرانية فأصابه انهيار كبير أخذ لايحس بالسعادة ترى عينيه تسكبان الدمع حزناً وأسى على هذا الشاب الصغير من رآهما ظن انه أخوه الأصغر وليس ابنه .
كان في أول دخوله البيت لا يدخل على زوجته ولا يُـقبل ولداً  حتى يُـقبل رأسها ويحظى بدعائها، تأخذ بسيل من القبلات على خديه وجبينه وكذلك يفعل في حال خروجه من البيت إلى المدينة أو إلى الحقل أو إلى شأن من شؤونه ليحظى بدعائها ورضاها كبر سنها ورق عظمها وأصبحت عاجزة عن السير على قدميها ليقوم بحملها بين يديه يدخلها إلى داخل الغرفة ليضعها على فراشها ولا ينام في بيته حتى يودعها كأنه مفارق لها ليشتهر بين الناس باسمها وليسمى فلان ابن فلانة .
في أيام الصيف يقوم بحملها على ظهره والصعود بها إلى سطح الدار في الليل وفي الصباح يقوم بإنزالها  وإذا أرادت أن تذهب للحمام يقوم بحملها إليه ليقوم باستحمامها وتمشيط شعرها وكان يطعمها الطعام بيده ولما كبر سنها يقوم بإطعامها البسكويت في البيت بدلاً عن الخبر .
أسس مسجداً قرب بيته خارج القرية سماه باسمه واسم أمه تقديراً منه واعتزازاً بهذه الأم التي أشرفت على تربيته رعايته حق رعاية وحافظت عليه وعلى ذريته , ولم تدخر يوماً دعاءً له وهي تناجي ربّها أن يرزقه الذرية الطيبة الكثيرة .
دخل المسجد لصلاة الفجر وبعد الصلاة انصرف أحد أولاده وكان يرعى الغنم فقال  له : لا تنصرف فلما أكمل الأذكار ، قال : هل تحب أن يعتدي عليك أحد  أو أن يأخذ مالك أو غنمك ؟ قال : لا ، قال:  لماذا ترعى في زرع غيرك الم تقرأ قول الله تعالى:  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)).
غرست في قلبه احترام الآخرين فحطي به وهو في سن صغيرة أصبح من وجهاء القرية وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره ويحسب من شيوخها وكبرائها من الذي جعله يتبوأ هذه المكانة انها أمه التي أحسنت تربيته ؟
امتاز الحاج برقة القلب ما ذكر اسم أمه  أمامه أو تحدث هو عن تربيتها له إلا انسكبت الدموع من عينه وعلا نشيجه وكأنه فقدها لتوه .



المرأة الصابرة


المرأة الصابرة
كثيرة هي الزيجات في القرى والأرياف التي تظلم فيها البنت فلا تستطيع أن تبدي رأياً  في اختيار زوجها , أو أن تكون بديلة لأخيها , فتاة في مقتبل عمرها جميلة , تتمتع بقوام جميل وبنية قوية, قام أبوها بتبديلها زوجة لابنه في قرية أُخرى (قريتنا) في بيت مكون من الزوج وأُمه وثلاث من الأخوات اللاتي يتحكمن في إدارة المنزل, كانت في هذا البيت كالأسيرة , لا تستطيع أن تأكل إلا بإذن أو تنام إلا بإذن , كانت تلاقي منهن أشدّ المعاناة والقسوة والغلظة في التعامل أو الاستهانة بكل مشاعرها .
 كانت تستيقظ مع بزوغ الفجر تذهب إلى الحقل لتعمل فيه إلى المساء ثم تعود لتقضي كل أعمال المنزل ولا تستطيع النوم إلا في ساعة متأخرة ويكون جزاؤها بعد كل هذا العناء الضرب والإهانة من قبل الزوج لأنه يسمع كل ما تتكلم به أخواته ويلبي ما يطلبنه منه , فتقوم بحمل بعض ملابسها لتخرج إلى خارج القرية غاضبة هاربة ثم تعود إليه من جديد مخافة أن تلاقي الإهانة من أخيها , أو أن تطلق زوجة أخيها بجريرتها , لا تجد لها في هذا البيت نصيراً أو مؤازراً سوى العم الذي لايؤبه له في هذا البيت التي تسلطت النساء فيه على الرجال , تحملت كل ظلم الحموات , قام بهجرها وتركها في غرفة طينية ضيقة تكاد تسقط على رأسها بعد أن سحب منها أبنائها الثلاثة , عانت من الحياة وشظف العيش لا معيل لها ، أخذت تعمل في حقول القرية بأُجرة كي تعتاش منها فتلقى بعض الصدقات من قبل أهل القرية , لأنها كانت ترقي الأطفال والنساء .
 أخذ الأبناء يكبرون بعيداً عنها , ولكنهم أمام ناظريها , وهي ترقبهم عن كثب , ولكنها لا تستطيع أن تضم أحدهم إلى صدرها , فإذا ما مرض أحدهم هرعت إليه لتحفف من آلامه ومعاناته , وتضمد له جراحه , هي الوحدة القاسية تتقلب في الليل على فراشها وهي تبكي , على ظلم الزوج , وعدم مبالات الأب والأخ على بعد الأبناء عنها , تبيع البيض أو عجل لديها لتجمع النقود وتقوم بتخبئتها  في سقف الغرفة أو في إحدى الوسائد وربما تنسى أين وضعته , فلما كبر الأبناء أخذوا يترددون عليها خلسة عن أعين عماتهم وأبيهم , فتشتري لهم الملابس في الخفاء , أو تعطيهم بعض المبالغ النقدية ولاتعمل لنفسها أكلة لذيذة إلا ودعتهم إليها, أُم تحبُ أبنائها وزوجها كذلك  رغم ظلمه لها ، لا ترضى أن يتكلم عليهم أحد أمامها , عانت من الفاقة والعوز والحرمان والمرض برغم وجودهم .
لم تعد تستطيع السير بقامة منتصبة أنحنى ظهرها من العمل وحمل الأثقال على رأسها فضلاً عن هموم وأحزان ، ملابسها رثة مهلهلة ، شمر ثوبها من الخلف وانطوى والتف عدة لفات لكثرة ما استعمل .
في أحد الأيام قام زوجها بضربها بلبنة طين على رأسها كسر لها جمجمتها ، وكأنه يريد أن يعيقها عن العمل في حقول القرية ، لم تستطع حمل شيء على رأسها بعد هذه الحادثة وفي أيام الشتاء الباردة كان يؤلمها جداً.

أين مالها من إرث أبيها ؟ لم تحصل منه على شيء , وفي أحد الأيام طلبت إدارة المدرسة من ابنها الأصغر مبلغاً من المال أسوة بأقرانه , لأنهم قاموا بإنشاء صف جديد في المدرسة , ولكن أباه رفض إعطاءه وقال له : دع المدرسة , هرع إلى أُمه لتقوم بإعطائه إيّاه وحثته على عدم ترك دراسته , والتمسك بها ومواصلة دراسته ووعدته انها ستقدم له كل معونة يحتاجها ، حمل الولد أغراضه وحاجياته وكتبه وحطّ رحاله عند أُمه , حاول الأب أن يعيده إلى بيته ولكن الابن رفض وبعد مناشدة منها لبعض الوجهاء للتدخل , رضخ الأب لمطلبها وترك الولد عندها نتيجة ضغط الوجهاء .
مرض الابن الأوسط الذي كان يرعى الأغنام لأبيه بمرض التايفوائيد نتيجة تعرضه لأشعة الشمس في فصل الصيف , لم يقم الأب بمعالجته هرعت إليه وحملته إلى المستشفى ليتلقى العلاج فيه ، وبعد أن شافاه الله منه عاد معها إلى بيتها ورفض العودة إلى دار أبيه , وتكرر المشهد من جديد ورضخ الأب لمطلب أهل القرية من جديد , وقامت بتزويجه من ابنت أخيها .
 أما الابن الأكبر فقام أبوه بطرده بعد أن أكمل دراسته الجامعية , لتقوم بجمع رواتبه له دون أن تأخذ منه شيئاً فزوجته وذهب بعيداً عنها من جديد , ليكمل الإبن الأصغر دراسته الجامعية .
أخذت زوجة ابنها وبنت أخيها تقسو عليها كثيراً وكأن قدر هذه المرأة أن يكون الظلم قريناً لها , وكأن حياتها لا تستقيم بدونه وبعد ثلاث سنوات من هذا الظلم , قرر أن يعزل معيشته عنها في بيت آخر .
 جاء إلى البيت ليحمل كل الأمتعة ولم يترك لها شيئاً سوى بعض الملابس القديمة ، حمل كل الأجهزة الكهربائية التي اشترتها لها ولأبنائها , حاولت جاهدة أن لا يذهب بعيداً عنها ولكن لا مجيب لها , توسلت به أن يبقي لها بعض الأثاث لأخيه الأصغر ولكنه رفض ذلك , لأنه ورث الظلم عن أبيه وعماته وجدته وخاله , جلست في البيت تبكي على حال هذا الولد والابن الأكبر يهدئ من روعها والأصغر يبكي لبكائها .
 شعرت بضيق في صدرها وكأن سقف الغرفة قد أنطبق على أرضها , وشعرت بعطش شديد , عاد الإبن الأوسط ليقوم بنزع الأسلاك الكهربائية من غرفتها , وهي تنظر إليه ارتفع ضغط الدم الذي كانت تعاني منه مع مرض السكري فأخذت تصرخ  من الألم , عاد إليها الأبناء , قالت : أُريد ماءًا أشرب فلما سقاها الإبن الأكبر فاضت روحها إلى بارئها تعالى ،  انكب عليها الأبناء يبكون عليها بكاءاً شديداً وعلا بكاء النسوة, وبكى عليها جميع أهل القرية .
بعد الوفاة هرع الإبن الأوسط والأصغر لنبش الأغراض وتفتيش الوسائد يبحثون عن مالها وذهبها المخبأ فتقاسموه بينهم أخذ الإبن الأكبر مالها ليقوم بوضعه كصدقة جارية في إحدى المساجد, وفي كل عيد يزور قبرها ويبكي عنده , هل هو الإحساس بالذنب ؟ أم لفقد مؤازراً وسنداً وعونًا , وصدراً حنوناً وقلباً رحيماً ، ماتت أمام ناظريه وفاضت روحها بين يديه وهو يتأمل ما حدث لها ويقول : كيف لي تركتها كل هذه السنوات تقاسي ماتقاسيه , كنت أُتابع أبي وعماتي وزوجته .
عاشت هذه المرأة الصابرة التقية مظلومة من قبل الأب والأخ والزوج وكذلك الأبناء الذين ورثوا الظلم عن أبيهم وتناسوا كل الحقوق المفروضة عليهم تجاه أمهم .


* * *










حكايات من القرية : الابن المنتظر


الابن المنتظر
لايمكن للقوة أن تفرض السيطرة على الآخرين ولا أخذها يمكن الاستيلاء عليه من أرض أن يدوم إلى الأبد ، لان الله سبحانه وتعالى وضع ميزاناً للكون ، ودوام الحال من المحال ، ثلاثة من الأخوة , فرضوا سطوتهم على أبناء عشيرتهم ومن ثم على بعض أبناء القرية الآخرين , واستولوا على أراض كثيرة وكبيرة , ظنّاً منهم أنها ستكون عوناً لأبنائهم وأحفادهم بعدهم والإنسان فطر وجبل على حب الامتداد والبقاء عن الطريق الذرية , قتل الأخ الأكبر وهو يتشاجر مدافعاً عن الأرض وكان أشدهم بأساً وقوة وحمية , توفي الأخوان الباقيان ولكنهما خلفا بنتا لاغير فاستولت على أرض والدها .
كانت جميلة ، متمردة , متكبرة ، لم ترض بما قسم الله لها من مال وأرض ونسب شريف , فأخذت تتطلع للزواج من خارج العشيرة ولكن أفرادها لايرغبون وأرادوا كبح جماحها فلم يستطيعوا كبحها إلا بعد عناء شديد وحوادث ومشاكل وقعت بينهم , وبعد أن كـَثُرت الأقاويل في القرية بعضها مكشوف وأكثرها مختف.
وفي أحد الأيام دخل عليها بعض وجهاء عشيرتها لإرغامها على الزواج من أحدهم , اختلجت عيناها , وهي تدريهما ذات اليمين وذات الشمال وهي متفرسة في وجوه القوم ، ثم أردفت ذلك بنظرة فيها توسل دون ان تستطيع أن تنبس ببنت شفة ولم تستطع أن تتكلم بكلمة واحد وأرغمت وأذعنت لهم . 
فتزوجت أحد أفراد العشيرة البعداء في قرية أخرى , ومنت النفس لعل الله يرزقها بمولود ( ذكر ) تؤول إليه الأرض ,  وتحتمي به من سطوة أفراد العشيرة  , توفي عنها وهي لاتزال في العشرين من عمرها وهو في ريعان الشباب .
بقيت عدة سنوات , دون أن يتقدم إليها أحد برغم أن الجميع يخطب ودها ويطمع في مالها وجمالها معاً , ولكنهم متحفظين مخلفة أن يحدث لمن يتقدم إليها مكروه , قرر ( سعيد ) أن يتقدم للزواج منها , لأنه أحبها وأحبته , ومثل هذا الحب لايخفى إلا فترة قصيرة في مثل هذا المجتمع وشاع الخبر بين أهل القرية وأخذت الأصوات تعلو هنا وهناك محذرة له , ومعوقة , ومبالغة , ومشككة , ولكنه الحب فأراد أن يبين أن ما يقال عنها لا يعدو كونه أكاذيب فتزوجها ولكنه لم يستطيع السيطرة عليها وكبح تمردها ، وكان يقول عنها: إنها نمرة متمردة ، فطلقها بعد فترة قصيرة ، وتزوج من امرأة أخرى كان يقول عنها : إنها قطة أليفة لما رأى من تمرد الزوجة الأولى .
وها هو حمى المال والخوف على الأرض يسري بين افرد العشيرة ، أرادوا أن يزوجوها من الحاج محمد لما عرفوا من حبه إيَّاها منذ الطفولة ولكنها رفضت ذلك وقررت عدم اتخاذه زوجاً لها مهما حدث لدماثة خُلُقه ، ولكنه قانون العشيرة هذه المرة لابد أن يسري عليها , إنه الخوف والطمع معاً على أرض القبيلة أن تخرج من بين أيديهم إلى غيرهم , وكيف تضيع الأرض وقد نزفوا الدماء من أجلها .
 حاولت أن تتزوج من زوج من خارج العشيرة فمنعت , وزوجت من الحاج محمد رغماً عنها بعد أن قيدوا أيديها وأخذوها إلى دار الحاج محمد عنوة في أول الليل دون أن يكون أي شيء من مراسيم الزواج كانت بعض النسوة على طول الطريق يحاولن ان يلقين نظرة عليها وعلى ما يحدث من نوافذ دورهن وأبوابها وهي ترى هذه الحشود والجموع المدججة بالسلاح كأنهم ينتظرون عدواً أو معركة قادمة مع إحدى القبائل، قالت في نفسها : بل هي معركة معي وان لم أوافق على هذا الزواج سأفقد حياتي ثمناً لرفضي، سأتزوجه فترة من الزمن , ثم سأطلق منه بعد أن أُعييه وأملأ حياته نكداً وسأحيلها إلى جحيم , بعد أن أتجاوز عليه أمام الآخرين أكثر من مرة وسأجعله يفقد هيبته فينتصر لكرامته المهدورة ويطلقني .
ادخلوها إلى بين الحاج محمد وأغلقوا عليها باب إحدى الغرف وعبر النافذة الصغيرة المعلقة في أعلى الجدار أخذت تختلس النظر وترى بعض ما يدور خارج غرفتها من اجتماع العشيرة مع نسائها .
دخلت عليها ثلاث نسوة (خافت منهن ) كانت تظن إنهنَّ جييء بهنَّ لتأديبها فأحست بموجة من الرعب فلما تحدثت النسوة إليها وعرفت أنهنَّ جييء بهنَّ لغرض إقناعها اطمأنت إلى مصيرها وقامت النسوة بتهيئتها لعريسها تمَّ عقد القران دون رضاها ، وكان كثيراً ما يقال عن مثل هذه الزيجات إنها مسألة وقت وسوف ترضى المرأة المغصوبة وترضخ للأمر الواقع .
راح قلب الحاج محمد يدق بعنف كاد يخرج من بين جوانحه كلما تذكر انه لم يعد يفصله عن حبيبته سوى خطوات قليلة ، فرح ملأ القلب حتى كاد أن يقف من جرائه دمعت عيناه وهو يتخيلها عروساً متزينة تَنُثّ شذىً وعطراً , وقف على باب الغرفة تقدم للأمام خطوتين , دفع الباب ليدخل ثم عاد إلى الوراء وانطلق بمخيلته من جديد يحمل بيده عباءته وهو يحترق شوقاً للقاء المنتظر كأنه يريد أن يقتحم حصوناً منيعة ، بل هي أمنع من تلك الحصون كيف سيدخل عليها وقلبها رافض له منذ أكثر من خمسة عشر سنة .
دخل غرفة العرس بعد أن جمع ما تبقى من شجاعة متبعثرة في صدره هنا وهناك وهو يمسح وجهه بكوفيته من آثار العرق ، حدق بها بنظرة عارمة سلم عليها ولكن لامجيب وهو يقول : أخيراً تحقق الحلم وفزت بمن أحب لايهم كم مضى من الزمن ، ولكن المهم  أني فزت بك حدق في عينها فرأى الدموع تنسكب منها بغزارة وبرغم تلك الدموع رآهما أعذب ما يكون وأحلى ما يكون كأنهما بحيرتان عميقتان تفيضان حباً جمّاً، نظر إلى  وجهها وهو يرى الحزن يزيده جمالاً  وعذوبة وحلاوة وخطا نحوها وجلس أمامها كي يستمريء إحساساً لذيذاً أنها أصبحت له بعد كل هذا العناء وهاهو يلقي مراساته بعد صراع طويل مع الموج .
بعد سنتين من زواجها من الحاج محمد أنجبت له ولدا فرحت بعد عناء طويل من أجل إنجابه وزيجات لاقت فيها ما لاقت من الألم ، لعله يكون سنداً لها وعوناً تحتمي به من بطش ذوي القربى من أفراد العشيرة ويكون به خلاصها وكسر قيدها من هذا الزوج الثقيل ، هاهو ابن العشيرة يأتي والأرض لن تخرج منهم إلى غيرهم ، اطمأن أفراد العشيرة ، وسُرّوا كثيراً بقدومه انه الأمل الذي انتظرته أكثر من سبعة عشر عاماً فأخذت بالبكاء والدموع تنسكب من عينيها هل هي دموع الفرح بقدومه ؟ أم دموع الحزن على أمل وحب ضائع  ؟  أم دموع الأسى على فقد الأب والعم ؟ .
زوجته بسن مبكرة قبل أن يساق إلى الخدمة العسكرية الإلزامية لعله ينجب لها ولداً تقر عينها به ، أنجبت زوجته بنتاً ، أحذت تصرخ وتقول يالشؤمي يابني ويالحظي وحظك العاثر ياولدي ، ونثرت شعرها وشقت جيبها ولطمت خدها وكأنها فقدت عزيزاً على قلبها وليس ولادة مولود جديد ، لم يستطع أحد إيقافها أو الاقتراب منها لأن الجميع مدرك ما تعانيه وما عانته طوال السنوات الماضية وماقسته من ظلم وتدخل سافر في شؤونها ، كانت تحرص على أن تنجب ذكرً ولم تنجبه إلا بعد زيجات متعددة ، لذلك كانت تحرص أن ينجب ولدها ذكراً كي يكون عوناً وسنداً له ضد هؤلاء القوم وها هو ولدها ينجب بنتاً ، ولكن الله تعالى لم يرزقه به .
 التحق الولد بالخدمة الإلزامية وسيق إلى جبهات القتال ليفقد في إحدى المعارك في الحرب العراقية الإيرانية وها هي مشكلة الأرض تعود من جديد ، بنت معها تلك الأرض ولا ترغب بأحد من أفراد العشيرة ، وكأن الزمن يعود بدورته من جديد ، وهاهم أفراد العشيرة ينظرون إليها وهي تكبر أمام أنظارهم وهاهي أصبحت شابة ، فاتنة ، جميلة تَـنُثّ عطراً كما كانت جدتها ، تتحداهم بحبها من أحد أبناء القرية ، فأخذوا يعرضون عليها الزواج من شاب تختاره من عشيرتهم ولكنها لا ترغب علها تحظى بمن تحب ، كانوا يظنون أنهم يستطيعون إرغامها كما فعلوا مع جدتها من قبل ، ولكنهم أخطئوا بتصورهم هذا إنها ليست وحيدة كحال جدتها من قبل التي لم تجد لها مؤازراً أو مناصراً ، إن الجدة اليوم معها ، وهي ترى أن الأحداث تعاد من جديد وكأنها هي المقصودة وليست الحفيدة فانتفضت عليهم بما لديها من علاقات ومال الذي استمالت به ذمم بعضهم فوجدت لها ملاذاً ونصيراً فانقسمت العشيرة على نفسها ، وأودعت الضعفاء منهم السجن لترهب الأقوياء والمتـنفذين فيها ، ولم يخرجوا منه إلا بعد أن تعهدوا إمام القضاء أن لا شأن لهم بها ، فزوجتها من حبيبها ، وهكذا ذهبت الأرض إلى هذا الشاب ، ولم يفلح سعي العشيرة على مدى أكثر من خمسين سنة بالحفاظ عليها ، ولم تفلح كل حيلهم وخططهم في منع ضياعها ، ولا حتى إنجاب الولد في الاحتفاظ بها وهاهي الأرض آلت إلى غيرهم إلى رجل لايمت لهم بصلة .
* * *



حكايات من القرية : البحث عن الزوجة المفقودة


البحث عن الزوجة المفقودة
رجل كريم , يتمتع بالوجاهة والنجابة , بيته ومضيقه مأوى للغرباء , ولأهل القرية معاً , تستيقظ زوجته مع بزوغ الفجر وربما من الهزيع الأخير من الليل لتقوم بعلف الأغنام ، وتهيئة المضيف وتنظيفه وإعداد القهوة لاستقبال الضيوف, فقد اعتاد أهل القرية القدوم إليه مع الصباح الباكر , والمكوث إلى قبل الظهر بقليل ثم ينصرفون ليعودوا إليه بعد الظهر إلى قبل المغرب ثم يعودون إليه بعد المغرب إلى منتصف الليل , كانت زوجته الرئة التي يتنفس بها والعين التي يبصر بها والهواء الذي يتنفسه .
أنجب عدداً من الأولاد منها, كانت سمراء , ولكنها كانت تتمتع بجمال الروح وخفتها , ما إن يتكلم معها أحد إلا أحبها تتمتع بابتسامة مشرقة جذابة تُـرى قسوة الحياة على محياها ، نحيلة الجسم ليس فيها من صفات الجمال الكثير ، محبة لزوجها حريصة على رضاه , فإذا انصرف الضيوف من المجلس دخلت عليه  وجلست إلى جنبه ، ووضعت ركبتها على ركبته وهي تسقيه القهوة والشاي وتقوم بلف لفافة من التبغ ، وتسامره فإذا ما دخل عليه ضيف من أبناء القرية قامت بتقديم القهوة له ثم انصرفت إلى شؤون بيتها وأولادها .
 أحبها كثيراً ولم يفكر بالزواج بأخرى, وكان دائماً يقول:  لولا وجودها ما سعدت , ولولا عناءها ما اغتنيت ، إنها تتحرك لحركته وتسكن لسكونه ، سمع صوتاً وبكاءًا من قبل الأبناء , قام يتحامل على نفسه , حتى خرج من مضيفه ومشى يترنح في مشيته ليسقط على الأرض لما رآها ملقاة على الأرض .
ما بك ؟ قالت : اشعر بضيق في صدري ، أخذ يبكي بكاءً شديداً وضمها إلى صدره وقبلها قُبلة امتزجت معها روحه ، وفاضت روحها إلى بارئها وهي بين يديه فسقط مغشياً عليه , فأفاق ووجد نفسه في المستشفى ، حضر مجلس العزاء جاهم الوجه ، شارد الذهن ، لا يستطيع  الكلام ، إنما تتكلم العينان نيابة عنه بذرفهما الدموع المدرارة والنظرة المنكسرة ، دون أن يقف لاستقبال معزيه لان قدميه لا تستطيعان حمله .
 لم يهنأ بحياته كثيراً بعد وفاتها ، مضت على وفاتها خمس سنوات ونتيجة إلحاح الجميع قرر الزواج ، ولكنه لا يرى امرأة تشبهها ، فما زالت الأحزان والهموم تـُنغص عليه حياته حتى أعتبر بيته مكانا للهموم والأحزان ، لا سعادة له في الحياة إن لم يعثر عليها من خلال امرأة أخرى ، فلا يحسد أحداً على غناه ولا فقيراً على فقره ولكنه يحسد كل رجل من أقرانه إن كانت زوجته على قيد الحياة ، فإذا ما رأى صديقاتها بكى حزناً وألماً عليها .
 قام بالزواج من امرأة أخرى أكثر جمالاً وبهاءاً منها ذات وجه أبيض ناصع البياض ، وشعر أسود وعينين واسعتين وقوام رشيق ، لما رآها تمنى أن يكون هذا الجمال من نصيبه ، في ليلة عرسه ، أفاق من الليل فنظر إليها وناداها : (عليّة عليّة ) ـ باسم زوجته السابقة ـ فأفاقت ولما رفعت رأسها من فوق الوسادة وتكلمت معه نفر منها ، وقال لها : من أنت ؟ .قالت : أنا زوجتك الجديدة العروس ، قال : أنا لم أتزوج أحداً أين عليّة ؟ وأخذ به يصرخ بأعلى صوته منادياً عليها (عليّة عليّة ) ، ولكن لا مجيب .
 هرع الأبناء إليه وإذا به واقف واجم في وسط الغرفة كأنه هارب من شيطان ، مابك يا أبتاه ؟ قال : أين أمكم يا أبنائي ، قالوا : ياأبي أُمُنا ماتت منذ خمس سنوات ، لم يستطع الوقوف على قدميه فجثا على ركبتيه وعلا نحيبه وكأنه فقدها اليوم ، وانكب الأبناء عليه وعلت أصواتهم بالبكاء وإذا بليلة العرس قد تحولت إلى مجلس عزاء , فهال الزوجة والعروس المنظر وأرعبها , وفي الصباح وضعها في السيارة مع أمتعتها وغادر بها إلى أهلها ليطلقها بعد أن أدى لها كل الحقوق الشرعية , واعتذر من أهلها .
 أراد الزوج من امرأة ثانية , وقال الأبناء لها : لن تستطيعي الاحتمال وسوف تطلقين في نهاية المطاف , فارتاعت لسماع حديثهم وظنت أن ذلك تنفيراً لها كي لا تتزوج بأبيهم , فإذا غفل وناداها ( عليّة ) لم تستطع الاحتمال وطلبت منه الفراق بعد شهرين من زواجه , أغرق بالديون إنه بحبه هذا تجاوز حدود الجنون وهوس الغرام , قال له الأبناء : يا أبي ما الذي ينغص عليك عيشك , وعن أي سعادة تبحث , وأيّ حب هو بين جنبيك لأمنا ، تذمر أبناؤه منه , لإضاعته الأموال في زيجاته (الأربعة ) وها هم أصبحوا فقراء بعد أن كانوا أغنياء , انه يبحث عن شبه خيال , عن امرأة مفقودة بين ألوف النساء وأنى يجدها في امرأة أخرى , فأخذت قطرات الدمع تنسكب من عينيه قالوا لعلها تريح قلبه وتهدأ نفسه , فقال أنا لا أطلب منكم مالاً , ولا معونة ولا أشكوا إليكم فقراً , ولا عدماً فانا بحمد الله غني , ولكني أشكوا إليكم وحشة قاتلة وحباً ضائعاً وزوجة مفقودة والذي أتمناه أن أجدها ولو تزوجت مئات الزوجات لابد لي من أن أحظى بامرأة تشبهها ألم يقل المثل السائر : إن الله يخلق من الشبه أربعين أنا أبحث عن شبه الروح لاشبه الجسم والوجه والشكل واقبلوا عليه يقبلونه ويعتذرون منه .
مرض وهو على سرير الموت محفوفاً بأولاده ولكن العينان تذرفان الدمع بالبكاء واللسان بلح باسمها (عليّة ) وكل من دخل عليه يعوده أجهش بالبكاء لبكائه حتى فارق الحياة بعد عدة أشهر كان يقول قطع ابهر قلبي وهذا بعد أربع زوجات لم يجد ما كان يبحث عنه بين الناس ولم يجدها حتى رحل.     
  لم أر مثل هذا إلا من الحكايات الشعبية في قصة نمر العدوان الذي تزوج بأربعين امرأة اسمها (وضحة) كي يحضى بزوجته ( وضحة )  ولم يعثر عليها وها نحن اليوم أمام مشهد آخر مشابه له في مجتمعنا.
* * *


حكايات من القرية : شيخ من القرية


شيخ من القرية
اسمر البشرة ممتليء الجسم ذو عينين ثاقبتين كأنه يتطلع إلى مستقبل أفضل من خلالهما ، ذو قلب ساخط على كل القرية ومن فيها ، في مجتمع اعتاد على حب الزعامة والالتفاف حول الزعماء وتمجيدهم وذكر بطولاتهم الصورية ليجدوا لأنفسهم الحماية والقوة ، في مجتمع يسود السواد الأعظم منه الجهل والتخلف والاعتداء على الضعيف ، ولا ينتهي الظالم عن ظلم أخيه حتى يخافه ، نشأ في بيت أبيه الكريم الذي اعتاد على استقبال الضيوف ولم يكن في يوم يتطلع أن يكون زعيماً أو شيخاً لربعة أراد هذا الشاب أن يؤسس لنفسه مجداً في هذا المجتمع ولكنه مجتمع يريد من الزعيم أن يكون كريماً سخياً قوياً ذو بطش وإلا لم يحترمه أبداً ولا يستجيب له ولا تلتزم العشيرة بقراراته التي يتخذها .
رجل ليس له في كل ماذكرنا من نصيب فهو خلاف ذلك ، فقد اعتاد العيش منعزلاً لا يحب مخالطة عامة الناس ، لم نره في يوم من الأيام فتح مضيفه أمام أحد من ضيوفه ولا يستقبل أحداً إلا لحاجة ، ولا يقضي حاجة محتاج من أفراد عشيرته إلا ماندر ، يحب المال كثيراً حريص على جمعه بخيل في إنفاقه إنها الأثرة قبحها الله من صفة مذمومة  ، وضع نصب عينيه أن يتزعم أفراد قبيلته وكان دائماً يقول : لا بُـدَّ لي من النجاح في حياتي ، ولا اسمح لعقبة من العقبات مهما كان شأنها أن تقف في طريقي وسعى لبلوغ غايته بكل الوسائل التي يستطيع تنفيذها .
كان حاد الطبع سريع الغضب شديداً مع عياله وزوجه يتعامل من علو مع الكل وبغلظة متناهية غير مبالٍ بالمشاعر والأحاسيس وكرامة الإنسان فهو كثير الصياح والشجار ، وكانت أسرته تعاني الأمرين من تصرفاته تجاههم وتجاه أفراد العشيرة الذين كرهوه كثيراً ، ومن أفراد أسرته الذين عانوا من ظلمه وبطشه ابن عمه ذلك الأستاذ الجامعي الذي كان يملك قطعة أرض موازية لأرضه التي استولى عليها قبل عشرات السنين ، وضمها إلى أرضه الزراعية ، فالطمع سكن قلبه وخالط فؤاده ، ولم يجرؤ الأستاذ بمطالبته بنصيبه من الأرض كل تلك السنين مخافة بطشه وجبروته ، وان تجر تلك المطالبة بأمور لا يحمد عقباها على الطرفين ،  في أحد الأيام تشاجر مع ابن عمه الذي لم يحسب له يوماً حساباً ، ولم يكن يوماً يخشاه ، حول نصيب كل واحد منهما في الأرض الزراعية ، فنشب الخلاف وتعالت الأصوات ، وقال الشيخ مهدداً ومنذراً إياه : أعدك وعداً صادقا أنَّك ستلقى مني أشد العذاب ، فارتاع لسماع حديثه الارتياع كله ، وأخذ بالتهديد كل مأخذ ، وكان يخاطبه بلهجة الآمر الناهي ، وقال له : إنك لا تستطيع أن تنتزعها من يدي ولا أن تفصلها عن أرضي فإذا ما فعلت فاني أعدك أن قبرك سيكون فيها ، وردّ عليه ( الأستاذ ) بهدوئه المعهود ورجاحة عقله ورزانته : إنك إن استطعت أن توقف الشمس في كبد السماء ، وان تحول بين الأرض ودورتها ، سأتخلى حينها عن نصيبي في الأرض ، ومشى الشيخ في طريقه مشية الرابح النشوان يحدّث نفسه ويقول : أليس من الظلم والغبن الفاحش أن ينتزعها مني ويقل بذلك ملكي في القرية ؟ ،  مما اضطر بعض أعيان القرية إلى التدخل لحل النزاع بطلب من الأستاذ ، وبعد جهود مضنية تمَّ إقناع الشيخ بإعطاء الأستاذ نصيبه من الأرض ، واتفق الطرفان على ذلك لكن ابن عمه الشيخ  بعد أن ذهب إلى داره يبدو أنَّه فكر كثيراً ولعب الشيطان برأسه ، وقال مع نفسه :إن الأمر  مستحيل ، وأخذ يتذكر كيف كان لسنوات كثيرة يزرعها ، وكم دفع من الأموال من أجل إصلاحها والحفاظ عليها ؟ فـقد بصره قبل بصيرته ، وأخذ الغضب منه كل مأخذ فأصبح لا يرى عدواً له في الدنيا كلها إلا ابن عمه (الأستاذ ) فلا يكاد يستقرُّ في خاطره وفي فؤاده أنَّه سيفقد الأرض حتى يشعر بجذوة نار تـتّقد بين جنبيه من الحقد الموجد على هذا الإنسان ، فما كان منه إلا أن ركب سيارته وهو لا يعلم كيف ركبها وقادها وهو لايعلم كيف قادها وانطلق مسرعاً إلى الأرض الزراعية ، وفي الأرض كان أعيان القرية يقومون بقسمة الأرض مع ابن عمه( الأستاذ )، فما إن وقع نظره على ابن عمه الأستاذ ، حتى جَمُدَ بصره واصفرَّ لونه ووقفت دورة الدم في عروقه وشعر برعدة تتمشّى في أعضائه ، فاتجه صوب ابن عمه ( الأستاذ ) وجعله نصب ناظريه فضغط بقدمه على دواسة الوقود بكل قوة وانطلقت السيارة مسرعة تكاد لا تلامس الأرض صوب ( الأستاذ ) فصدمه سقط الأستاذ هاوياً على الأرض فدهسه بعجلات سيارته ، ثم كرَّ عليه راجعاً ليدهسه مرة ثانية ، فرَّ إلى القرية هارباً ،  بقي الأستاذ  ملقى على الأرض وقد غطته الدماء ، ولا يعرف هل هو على قيد الحياة أم فارقها ؟   فمدّ أحد وجهاء القرية يده إلى يد الأستاذ فراعه أنَّه لم يحركها بل سقطت فظن أنَّه فارق الحياة ، جسَّ نبضه فوجده حياً فنقلوه إلى المستشفى ليتلقى العلاج هناك ، فتركه يعاني مايعاني من إصابات في جميع جسده ولم يتشافَ منها إلا بعد سنوات عديدة ، وبرغم ماحدث لم ينثنِ الأستاذ عن المطالبة بحقه حتى استرده بعد عناء وسنوات من الضياع والظلم والإيذاء .
ولما عاد الشيخ إلى القرية كأنَّه أصابته لِمَّةٌ من جنون ، أخرج سلاحه وأراد الخروج من منزله ولما رأى الناس مجتمعين حسب إنهم يريدون إيذائه ، أطلق النار على أهل القرية ليصيب اثنين منهما بإصابات خطيرة ، ليودع السجن ويكابد فيه أنواع الأذى  واصطلى بنار البغض والحسد الذي أحال حياته إلى جحيم وأشعل قلبه وربما كان الكثير من أهل القرية من يتمنى أن يبقى في السجن السنوات الطوال ويتلذَّذُ بآلامه وأسقامه ، ولم يخرج منه إلا بعد أن دفع أكثر من ثمن الأرض تعويضاً للأستاذ على ما أصابه من ضرر جسدي ومعنوي فضلا عن عودة أرضه إليه من جديد . 

حكايات من القرية : دين القبيلة


دين القبيلة
كثيرة هي المشاكل الأسرية التي تؤدي بالنتيجة إلى الطلاق الذي يفكك الأسرة ويجعل الأبناء عُرضة للانحراف ويلقيهم لُقْمَةً سائغةً في مهب الريح لأي عاصفة هوجاء تقتلعهم من جذورهم ، وتزرع الأشواك في طريقهم وفي مضاجعهم ، ويصبحون وقوداً لنار الأحقاد التي تستعر في البيت ويهملون في خضم الصراعات العائلية ، إن زوجة الأب تريد أن تنتقم من كل شيء يَمُتُ إلى الماضي بصلة ، حتى ولو كان أبناء زوجها وهي بتصرفاتها هذه تجسد أبشع صور الأنانية وأبعدها عن الخلق القويم ، ولا يشعر الأبناء بالطمأنينة في هذا البيت ولا السكينة فيه ، ولا يعتبرون أنفسهم أفراداً أصلاء فيه بل هم لاجئون في بيت ليس لهم فيه إلا الاسم فقط .
نشأ (حمودي) في هذا الجو الذي تكثر فيه الأحقاد وتستعر في الصدور ، تحت يد زوجة أب ذات قلب قاسٍ لا يعرف الرحمة ولا يعرف الهوادة ، فكان يطرد من البيت لأي سبب ولو كان تافهاً ، وإذا بـه في قارعة الطريق ، بمباركة من الأب الذي كان يجاري زوجته في كل شيء ، وصار عليه دخول البيت محرماً إلا بوساطة من أحد الأصدقاء بعد عدة أيام ، دون أن يعرف أين كان يقضيها ومع من كان يعيش .
كان يقف أمام الأب وهو ينظر إليه بعينين محدقتين مفتوحتين مملوئتين حقداً وغضباً وكرهاً عليه وعلى الظروف التي يعاني منها فعانى من الظلم والبؤس والحرمان ، فالأب لايهتم بتربيته ولا يرعاه ولا يفتح عينيه ليرى مايصنع فيكافؤه على إحسانه ويعاقبه على اسائته ، وبقي يعاني من هذه التصرفات حتى اشتدّ عوده وقويت بنيته فتعرف على مجموعة من السُرّاق خارج القرية ، ليقوم بسرقة بعض البيوت والمحلات التجارية ، والقي القبض عليه وأودع في سجن الإحداث لصغر سنه ، فلما قضى مدة محكوميته خرج ليعود إلى بيت أبيه من جديد ،  فالأب بتصرفاته هذه خلق منه مجرماً وسارقاً محترفاً برغم صغر سنه ، فكم من منزل ومنزل قام بسرقته ، وجعل الأسر في القرية تعاني من فقد الأمن والأمان وتحرم أعينهم المنام وفقدوا لذة العيش الآمن والصفاء والهناء .
سخّرته زوجة أبيه هذه المرة للسرقة لتقوم ببيع السلع والأجهزة والمصوغات الذهبية التي يقوم بسرقتها ، وتعطيه نصف الأموال ليصرفها على ملذاته الشخصية مع توفير الحماية له من الأب الذي أراد أن يُـقوم الاعوجاج الذي فيه .
أخذ يسير في الشارع مرجلا شعره ومصصفاً إياه تصفيفاً حسناً ، يختال في مشيته زهواً وإعجاباً كأنه ديك الحبشة نافشاً ريشه ومسدسه تحت حزامه وسكينه في جيبه .
في أحد الأيام خرج من بيته فوقف في الشارع مع بعض الأصدقاء ، دخل لص من محلة أخرى إلى الشارع الذي يسكن فيه في أحد أحياء مدينة الموصل ، انبرى له وغرز سكينه في فخذه فولى اللص هارباً والسكين معلقاً في فخذه يئن من الألم وعاد ليقف مع الأصدقاء من جديد وهو يبتسم ابتسامة بلهاء ولم ينطق بحرف واحد.
أحب فتاة في الحي وأخذ يقدم لها الهدايا والمصوغات الذهبية مما فرض عليه عبئاً آخراً فازدادت سرقاته ، خرج لزيارة أحد الأصدقاء فرآه أحد الأشخاص فمنعه من دخول هذا الشارع فلما قال له حمودي:  لماذا لاتريدني أن أدخل لازور صديقي ؟ قال : انك لص سارق ونخشى أن تقوم بسرقة منازلنا .
خبأ هذه الكلمات في صدره واضمر له الشر وقرر أن يقوم بسرقة بيته ، تسلق الجدار ودخل الدار وقام بسرقة التلفاز وبعض الأجهزة الكهربائية ليقوم بمناولتها لعصابته وسمع الرجل حركة غير عادية في البيت فقام من فراشه فرآى حمودي يسرق النقود والمصوغات الذهبية ، هجم الرجل عليه ، أخرج حمودي مسدسه ولكنه لم يستطع إطلاق الرصاص منه ، دار صراع بينهما على السلاح خرجت رصاصة ووقعت في فخذ حمودي ، سقط في الحال على الأرض مضرجاً بدمائه اتصل الرجل بشرطة النجدة ليودعه في السجن ، فانبرى أفراد العشيرة للدفاع عن حمودي ، أليس هو أحد أفرادها ؟
ليس اظلم ولا أشنع من قلب الحقائق من قبل الكثيرين فإذا بين ليلة وضحاها يستحيل الحق الأبيض الأبلج إلى ليل اسود بهيم بينما صاحب الحق يراه أبيضاً ناصعاً كرابعة النهار ، في زمن استشرى فيه الفساد وتغيرت فيه الذمم وفسدت فيه الأخلاق ، فساد استشرى حتى في الأجهزة الحكومية ليقوم ضابط التحقيق بعد أن دفع له أفراد القبيلة مبلغاً من المال ، بتلقين ( حمودي)  انه كان على موعد غرامي مع بنت صاحب الدار ولم يأتِ للسرقة ليتخلص من حكمها ، فقام صاحب المنزل بالتنازل عن دعواه وتمَّ الصلح بينهما حفاظاً على سمعة أسرته ، فالشرطي مؤتمن على أعراض الناس وأموالهم وأخلاقهم فإذا بالشرطي نفسه يحتاج إلى مراقبة ومن لا يخف الله لا شيء يمنعه من أن يسرق أو يزني أو يقتل أو يظلم أو يعتدي على أحد .
يجب أن تكذب القبيلة لان فيه ضياع مال أو هتك عرض لخصومها وهذا كله من قبيل النصرة للأبناء وتضحية بالإسلام والقانون في سبيل نصرة فرد من أفرادها ، فتُصغّر الجرم العظيم الذي يقوم بـه وتَـكسُر قلوب العباد وتُسخِّر سطوتها لنصرته، وكأن أفرادها فوق الشرع والقانون ، فانتصرت له القبيلة بعد خروجه من السجن لتقوم بتغريم الرجل مقابل إصابته في فخذه مبلغاً كبيراً من المال وإلا عرض نفسه وعائلته وعشيرته للإيذاء متناسية أنَّه هو من هجم على دار الرجل واعتدى على ماله ، وشوه وقذف عرضه بتهمة باطلة ، وكأن أبناء القبيلة ليسوا من المسلمين ، أو حتى من عرب الجاهلية الذين لايقرّون أن يعتدي أبناؤهم على عرض الآخرين فيحفظ هؤلاء الولاء للقبيلة وينتصرون لإفرادها ويدافعون عن مجرميها بدون وجه حق فلا نعلم من الذي يشرع ويحكم القبيلة ؟ أهو دين محمد صلى الله عليه وسلم أم قانون سنته القبيلة لتدافع به عن المجرمين من أفرادها  .
* * *












حكايات من القرية : دعوة والد


دعوة والد
قام ببناء بيت كبير ، لعله يكون مأوى لأبناءه العشرة عندما يتزوجون ، هذا البيت كان يعجّ بالحياة والمرح ويفيض حباً وحيوية لما يحويه من شباب ، وكانت داره مأوى للغرباء ، والضيوف لكونه إماماً لجامع القرية ، يقصده الناس من جميع أرجاء المنطقة للرقية الشرعية من مختلف الأديان فضلاً عن بعض الزوار من المحافظات الأخرى .
ثقلت عليه الأيام والسنون ، وتوالت عليه الأحداث الجسام ، وكأن القدر قد صبّـها عليه صبّـاً ، فقد أحد أبنائه في الحرب العراقية الإيرانية وفقد الثاني في حادث سير عند ذهابه للبحث عن أخيه ، أما الابن الثالث فقد قتل وهو يحاول اجتياز الحدود العراقية هرباً إلى سورية ، هاهو يواري جثامينهم الثرى بشهر واحد  ، ويحس كأن الدماء قد توقفت في عروقه ، وان روحه في جسده بدأت بالانحسار من بين أعضائه رويداً رويداً ، وخالطه حزن عميق وشعور مبهم ، نتيجة فقد ثلاثة من الأولاد في شهر واحد .
تزوج ابنه الأكبر من ابنة عمه فطلقها بخلاف إرادة والديه ، وبعد عدة أشهر اختار امرأة مطلقة ولديها ولد من غيره تسكن مدينة الموصل ، وأصرَّ على الزواج بها برغم مناشدة والديه له واعتراضهما على هذا الزواج ولكنه مضى باجراءاته فقبلا على مضض لأنهما لا يريدان إغضابه وقد فقدا أبنائهم الثلاثة قبل أشهر عدة ، وسبب الاعتراض كان انها من بيئة غير البيئة القروية ولعدم انسجامها فكرياً وثقافياً مع عاداتهم العشائرية وحياتهم القروية الصعبة ، فمثل هذه المرأة لا تستطيع احتمال الحياة وقسوتها في مثل هذه البيئة فضلاً عن عدد الأسرة الكبير .
انزوى الابن في غرفته التي تقع في زاوية من زوايا البيت الكبير الفسيح ، حاول الأب جاهداً أن يتصدى لزوجة ابنه لكنه لم يستطع، خرج الابن من بيت أبيه وكأنه خرج من نفسه ، حمل متاعه والأب يصرخ به وينادي عليه لا تذهب بعيداً عني فالبيت واسع علينا وعليك ولكنه لا يسمع النداء فقال الأب له: بروا آبائكم تبركم أبنائكم ، ستصبح في يوم من الأيام أباً مثلي ولن يستجيب لك أبناؤك واسأل الله أن يكونوا شراً منك .
كانت الدموع تسيل على خديه من عينيه ، وتتحدّر على لحيته البيضاء ، فلا يقدر ماكان يعانيه الشيخ من الألم إلا من أصيب بمثل مصابه .
لا استطيع أن أصوّر كل ماكان في ذلك اليوم ، فلو رأيتم مشهد الشيخ وهو يخرج مهرولاً ، لقد وقف في وسط الباب وهو يتوسل بولده بعدم الذهاب بعيدا عنه .
لم يشعر يوماً بالسعادة ، ولم يشعر بالأمن والطمأنينة ، بعد هجر ابنه له وكان يخشى أن يطول أمد الفراق ، ويتعود احتمال الواقع المرير .
ولفعل الابن هذا هجره الأصدقاء ونأى عنه الأشقاء ، وجفاه كل صديق ، حتى اقرب الناس إليه ، وابتلعه الفقر ، وطغت عليه الحاجة والعوز فلم يستطع الإيفاء برغبات الزوجة  الكثيرة والمتعددة .
خرجت من البيت كعادتها في حالات الخصام وهو يحاول أن يمنعها من السفر وهي ترتدي أفخر الثياب وأجملها ، وتحمل بيدها حقيبة سفرها تاركة الأولاد في البيت .
واجتاز المصلين الخارجين من المسجد وهو يهرول خلفها ، محاولاً ثنيها عن السفر ولكن لا جدوى لا تلتفت إلى  توسلاته فاستقلت سيارة وسافرت إلى مدينة الموصل وهو ينظر إليها والألم يعتصر قلبه .
فقد أهمل وقصر في تربية أبنائه ، فكانت النتيجة على غير مراده ، وكان دائماً يردد العين بصيرة واليد قصيرة .
كان الصراخ دائماً يملأ البيت فلا يقدر على لجم جماحها فقد التي أحبها كثيراً ، ولا يستطيع أن يردها في قول أو فعل مخافة أن تقوم بهجره وتسافر إلى أهلها .
فشدت عليه وثاقها ، والجمته بقيدها فلم يستطع إلا أن يسير خلفها ، هذا الرجل الذي يملأ حديثه المجلس عبقاً،  وأنساً ومرحاً ، مذكراً الناس بالله عزوجل ، وداعياً إياهم إلى التمسك بسنة نبيه ، فإذا ماتقدم المصلين ليؤمهم في الصلاة أبكى سامعيه ، وأحسوا بخشوع ، وتدبروا آيات كتاب الله من خلال قرأته ، فهو يصورها تصويراً رائعاً بنغمات صوته الجميل وحسن أدائه ، وبراعة إلقائه للموعظة ، برغم قلة علمه فقد أثقلت الحياة ظهره ، وأشغلت الزوجة قلبه ، والأبناء فكره ، بكثرة مشاكلهم ،وعدم طاعتهم إياه ، وتركهم دراستهم ، وعدم تمسكهم بدينهم اقتداءاً بأمهم وأخوالهم .
كان يشكو ألم الغربة في بيته ، ويحن إلى أيام البيت السعيدة التي قضاها في كنف أبيه ، اكتسح الشيب رأسه ، فقد اتزانه فكان يخرج خارج القرية ويسيح في مروجها وبين أشجارها وهو يضع طرف ثوبه في فمه ، وهو غارق في همومه وآلامه يحدث نفسه فهو يتصارع معها ، ويصرخ بها ويحدثها عن زوجته وأبنائه ، ثم يعود إلى القرية من جديد ، وقد هدأت روحه وسكنت نفسه واطمأنت ، وكان دائماً يردد ويقول : رجل مفتون أصابته دعوة والد ، فمن رآه حسب أن عمره فوق الستين وهو لم يتجاوز الأربعين بعد ، سرى إليه المرض الذي لم يشعر به فنحل جسمه واصفر لونه .
لم يخطر على باله ألبته المصير المؤلم الذي ينتظر أسرته وبنيه ، في أحد الأيام ألقت الشرطة القبض على ولده الأكبر وهو يتعاطى الحبوب المسكرة وقد صور له الشباب فيلما وبثوه في إرجاء القرية عن ولد إمامها ، كيف انحرف ؟ طار الخبر على ألسنة الناس ، سمع ماقيل أسرع إلى البيت وهو يرجو أن يكون الخبر كاذباً، فلما تيقن صحته لم يتمالك نفسه أن بكى ومرت عليه ليال بطولها لم يذق فيها طعم النوم ، وفتش بين القبور عن قبر أبيه ، ثم وقف عليه ، وأشاح برأسه صوب القبور الأخرى وأحس أن قلبه يتمزق فأحنى رأسه حياءاً  وخجلاً وهو ينعى أباه ويقول : ليتك كنت حياً يا أبي لترى ماذا فـعل الأبناء بي لقد أضاعوا مجداً وتاريخاً عبقاً بنيته فلم استطع أن أحافظ عليه فانهار أمام ناظري .
هـَدّه هذا الأمر وسرى في جسده كالنار في الهشيم ثم تبعه الثاني ، اشترك مع عصابة في تزوير العملة الأجنبية وسرق المحلات التجارية وأودع السجن أيضاً، فلم يستطع أن يقف على قدميه وسقط على الأرض أي فؤاد يستطيع أن يخفق بعد هذا الأمر الجلل ؟ لقد توقف قلبه للحظات ، وتم نقله إلى المستشفى وبعد فحوصات كثيرة تبين أنه مصاب بمرض السرطان في حالة متقدمة فأقعده المرض في سريره ، فلم يمض إلا أشهر عدة حتى فارقت روحه جسده ، فتألم أهل القرية كثيراً على فقده لمحبتهم إياه وحسن عشرته لهم وسمو أخلاقه الكريمة لقد كان يفيض عليهم حباً وعلماً ومرحاً ، غادر هذه الدنيا وترك خلفـه ذكرى نيّـرة تشع نوراً ، وعطراً زكياً يفوح بين أرجائها  .

* * *




حكايات من القرية : القاتل المأجور


القاتل المأجور
شاب أهوج ، أرعن ، يهذر كثيراً ويصرخ ، ويضرب بقدميه الأرض وبكلتا يديه جدار الغرفة ، كلما حذرته أمه من تصرفاته الطائشة غير المتزنة ، لا يفرق بين الحق والباطل ، ولا يعرف الحسن من السيء ، فقد أباه وهو طفل صغير في الحرب العراقية الإيرانية , لتنتقل أمه إلى مدينة الموصل ، وتسكن في الدار التي بنتها بعد أن منحتها الدولة مبلغاً كبيراً من المال من جراء فقد زوجها ، كبر الولد , ولا أب ولا جد , ولا عم ولا خال لرفض أُمه التدخل في تربيته من قبل أعمامه السبعة وأخواله .
ولقد ملأت قلبه حقداً وكراهية لكل قريب ، وكانت كثيراً ماتهمس في أذنيه ، وتقول له : إن الجميع يطمعون في مالك فلا تقترب منهم ، على هذه الكلمات التي تدق أسفين الكراهية في قلبه على أعمامه وأخواله وجميع أقربائه ، كَـبـُر (عبدالله ) حتى استحال الحقـد إجراماً فتاكاً مدمراً لجميع البشر .
دار الزمن دورته من جديد ، لقد صبروا على تصرفاتها ، ولم يبق في القوس منزع ، واحتملوا منها ما لايحتمل ، فلما نفد الصبر هبَّـوا هبة الحليم لتنبيهها إلى خطر هذا الولد في المستقبل إذا لم يُـربَّ ويجد من يردعه عن تصرفاته الرعناء هذه ، ولكنها لم تُصغ لكل نداءات العقل ، بل سارت خلف عاطفتها ، وتبعت هواها ، فلم تسمع كل هذه النداءات ، فهي تراه على غير مايرونه هم وتقول : إن سبب استئسادكم عليَّ وعلى ولدي لأن لا أخ شقيق له .
        لقد مـرَّ على هذا الحديث عشر سنوات ، لقد انقضت السنوات سريعاً وكبر الصغير واشتد عوده ، فكلما زاد عمره يومًا ينقص من عمرها شهراً كاملاً، وكلما دنا من عمر الشباب دنت من شيخوختها المبكرة ، وكلما حفل بالقوة أصابها الضعف والوهن ، فقد جمع الله فيه كل صفات الشر ، فهو فارغ الرأس من العلم ، خالي القلب من خشية الله ، له يد تسرق ، ويد تبطش ، وهو جاهل ، فاسق ، بذيء اللسان ، لص ، مجرم يلبس مسوح العُبّاد بعد مئزر الجلاد ، ففي كل يوم يأتيها رجل يحذرها وينذرها ويدعوها إلى تقويم خلق ولدها وهي ترى ذلك من تهويلات الناس لا غير .
لقد بدأت الأمور تسوء ، وانزاحت الغشاوة عن عين أمه ، فأصبحت ترى ماكان يحذر منه الأقرباء والأصدقاء ، يقع رأي العين أمام ناظريها ، وأخذ يتصرف كيفما شاء , فقد انقلب عليها تدبيرها إذ كانت تعده لينتقم لها من ضرتها وأولادها وأعمامهم ، فأخذ يقسو عليها ، قسوة جبار يريد أن يهلكها ، وهي بتصرفاتها السابقة وتركه للمدرسة قد ساقته إلى الجهل ، والجهل قد دفعه إلى الإجرام ، فخسر نفسه وخسرته أمه .
تزوج ( عبدالله ) , لا يُعْرَف مصدر المال الذي في يده , فهو عاطل عن العمل ، سيارة فخمة , بيت وأثاث فاخر , وفرن للخبر ، من أين هذه الأموال ؟ إنه التهريب للبضائع وللسيارات المسروقة إلى الشمال أثناء فترة الحصار على العراق ، مال سهل سائغ بلا كد ولا تعب ، ينثر النقود في المراقص والملاهي .
لقد رأت أمه عجباً ، نقل إليها ماكان يفعل ولدها فشكت ولم تصدق ماقيل وأخذت تسمع  عنه في كل يوم عجباً، وشاهدت منه أموراً هي أعجب من العجب ، فأخذت بالاستنجاد بالأقرباء ولكن لا مجيب لها لان الجميع يخشونه كثيرا فهو كما يسمعون قاتل مأجور ، وبعد رفضهم لمساعدتها في ردعه قالوا لها : إن رأس الإجرام ومنبع الشر هو أنت ، وقلبك الأسود ، لما غرسته في قلبه من كراهية وبغضاء لذوي الأرحام ، فاستفحل شره ، فعمَّ جميع الخلق .
فكانت تنبهه وتصرخ بوجهه وتقول له : أنت أملي وملاذي وأنت عوني على الدهر ، ليتني أموت قبل أن أرى اليوم الذي ستودع  فيه السجن ؟ أو يحكم عليك بالإعدام .
صرخ بوجهها وأخذ بضربها ففزع الجيران إليه فوجدوه وقد رماها على باب الدار وهي تنظر إليه ، والدموع تنهمر من عينيها ، والدماء تسيل من فمها ، وكأنها تنتظر الساعة الرهيبة التي تراه مقتولاً أو مسجوناً فيها ، فيسطو  (عبدالله ) على مافي جيبها من نقود ويستخرجها منه بقوة ، خرجت وهي لاتملك شيئاً ولا تعرف إلى أين هي ذاهبة بعد أن قطعت كل أواصر الرحم مع إخوتها وأشقاء زوجها من أجل هذا الولد الطائش الذي عصف الشيطان برأسه وقلبه .
كانت المسكينة مريضة ، علم إخوتها بمرضها فأخذوها عندهم، وهي على فراش الموت تسأل عن أخباره وأحواله، ولم تره حتى فارقت الحياة بعد عدة أشهر .
قلَّ المال في يده بعد أن اعتاد تبذيره , لا مال عنده كيف يتباهى  أمام الناس ؟. فقد سيارته وفقد بعض أمواله , ثم عاد المال ليجري في يده من جديد , عاد إلى القرية ليسكن في بيت أخيه من أبيه ، أخذت الأمور تسوء يوماً بعد يوم وأخذت علاقته الزوجية تسوء كذلك , كثر الشجار بينهما , علت الأصوات , ولا أحد يتدخل من الأقرباء لأنهم يخشونه كثيراً لأنه قاتل مأجور .
        وفي أحد الأيام قام بضرب زوجته وكسر يدها وطردها من البيت , عادت إلى أهلها فأدخلوها المستشفى , وتمَّ علاجها , هاجت المرأة كالنمر المجروح , وسدت باب الأمل بالعودة إلى زوجها , بعد أن حدث شجار بينه وبين أشقائها وبعد أن رفض كل وساطات الإصلاح بينهما أصرّ على موقفه منها , وقام بتطليقها , أخبرت المرأة الشرطة أن زوجها جاء بحثت رجل وقام بتقطيعه ورميه في قسطل (المرافق) البيت ، خرجت الشرطة لتلقي النظر فوجدت الجثة فيه وقد تفسخت ولم يبق منها سوى الهيكل العظمي لا غير ألقوا القبض عليه وأودع السجن ولكنه أصرَّ على إنكاره فقاموا بعرض فيلم عليه يبين له كيف استخرجوا الجثة وفيه اعترافات زوجته عليه ، فقام بالاعتراف على من شاركه في جرمه هذا الذين  قاموا بقتل الرجل لأجل المال , وأودع السجن ليحكم عليه بالإعدام بعد عدة جلسات من المحكمة .

* * *







حكايات من القرية : الزوجة الهاربة


الزوجة الهاربة
نشأ يتيماً وعانى من اليتم والفقر والجوع  كثيراً، فأصبح هاجس الغنى ومخافة الفقر دائماً بين عينيه ، يبحث عن المال في أي عمل كان ، ولايبالي برضا من رضي وسخط من سخط من الناس ، المال مقصده وقبلته ، أخذ يعمل في بيع السيارات ، وفي تأجير الأراضي ، وبيع الأعلاف ، وفي تعقيب المعاملات الرسمية ، تزوج في بيت متواضع بزوجة مطيعة ، صالحة ، صابرة ، صبرت على فقره لسنوات عديدة وأنجبت له عشرة من الأبناء الذين أصبحوا يده الضاربة في عمله ، كأنها نسمة من هواء عليل، وهي من أشد النساء طاعة لزوجها وإخلاصاً له ، كان مهذاراً ، كثير الحلف في بيعه وشرائه .
في إحدى الأيام وهو داخل إلى محكمة مدينة الموصل لتعقيب إحدى المعاملات ، شدَّت انتباهه امرأة جميلة محتشمة ، تجلس على باب المحكمة ، تبكي بكاءاً شديداً فوقف برهة متسائلاً مابها ؟ ثم تجاوزرها وسار في طريقه نحو الداخل ، أمضى عدة ساعات في داخل المحكمة ثم خرج منها قبيل الظهر بقليل ، فرءاها لازالت تجلس في مكانها والدموع تسكب من عينيها وهي مطأطئة الرأس نحو الأرض وعلى وجهها يبدو الحياء ، لا تنظر إلى الرجال ، وكعادته  دائماً كان المبادر والسباق في تقديم المساعدة لكل محتاج ، فقال في نفسه يالها من مسكينة فتقدم إليها ، وقال لها : مابك ياأختاه ؟ هل تحتاجين إلى مساعدة كي أقدمها لك ؟
قالت : لا شكرا لك ؟
قال: لماذا تبكين إذن ؟
قالت : زوجي سامحه الله وغفر له ، طلقني قبل قليل وذهب .
فقال: لماذا لاتعودين إلى أهلك ؟
قالت : أخشاهم كثيراً ، سوف يقتلونني إذا علموا بطلاقي فلن أعود إليهم حتى أتزوج من زوج آخر ، أتوسل إليك أن تعينني حتى أجد لي زوجاً يسترني .
وقعت هذه الكلمات في قلبه موقعاً شديداً ولعب الشيطان في رأسه وتوسم فيها الخلق العالي ، وأغراه جمالها فقال من فوره هل ترغبين بي زوجاً لك ؟
قالت : نعم .
فتزوجها دون أن يفرض لها مهراً بعد أن عقد عليها عقداً خارجياً عند أحد ( الملالي )، واستقر في بيت أخيه في مدينة الموصل لعدة أشهر ، شاع خبر زواجه في القرية ، بعد أن كثرت رحلاته إلى مدينة الموصل ، وطال مكثه فيها عدة أيام في كل أسبوع ، فعلمت زوجته الطيبة بزواجه ، فطلبت منه أن يأتي بالزوجة الثانية  إلى بيته في القرية وينهي هذه المعانات التي يكابدها ، ويستقر في عمله بين أهله وأبنائه .
 قدم بها إلى القرية ، وأخذت نساء القرية بالتوافد إلى بيت أبي سليم لرؤية زوجته الثانية ، وللتهنئة بالزواج ، ولكن أمراً لم يكن في الحسبان وقع ، تعرفت إحدى نساء القرية على الزوجة الثانية ( العروس) ، لتخبر كل من في المجلس من النساء بإنها زوجة أبيها الفارة من بيته منذ عدة أشهر بعد أن سرقت منه مبلغاً كبيراً من المال  فوجمت النسوة عن الكلام .
انتشر الخبر في أرجاء القرية كالنار في الهشيم ، وأصبح حديث المجالس ، ولكن أبا سليم لا يصدق مايقال عن زوجته ، وأخذ يكذب مايقال عنها ، ويقول: من الذي يقول إن ماقالته هذه المرأة صحيح ، مُدعياً أن هذا القول ماهو إلا شائعة من الشائعات الكثيرة التي تطلقها النساء والهدف منها تشويه سمعة زوجته (الثانية)  نصرة من نساء القرية لزوجته (الأولى)  أم سليم .
بعد هذه الحادثة لم تمض عدة أيام إلا وعدد من السيارات تقف أمام دار أبي سليم تبحث عن هذه المرأة وإذا به الزوج الأول الذي لازالت على ذمته ، كان رجلاً كبيراً في السن قوراً ، سيما الصلاح والغنى باديان على محياه ومظهره الخارجي .
لم يأتِ لاستردادها إنما جاء لاسترداد ماله الذي سرقته فقد طلقها بعد السرقة بأيام ، فقال لأبي سليم وقد أخفى خبر طلاقها عليه : إنها زوجتي ولم أطلقها فكيف تتزوج من امرأة متزوجة من زوج أخر ، اني لا أريدها بعد أن هربت ومرغت أنفي بالتراب ، دعها لك ، ولكني أريد مالي الذي قامت بسرقته ، وبعد أن تدخل أهل القرية وفي احد مجالسها ، تـَمَّ الصلح بينهما ، وقام أبو سليم بدفع المال الذي سرقته من زوجها الأول ، وقام الزوج الأول بتطليقها أمام الجميع لإصرار أبي سليم على ذلك برغم قول الزوج الأول انه طلقها منذ هروبها ، ولكنه قال كلمات على مرأى ومسمع من أهل القرية : إنها لن تبقى عندك طويلاً ، وسوف تهرب منك أيضاً لتـتزوج من زوج آخر ، لأنها خدعتني وتزوجتني وهي بعصمة زوجها الأول ، وتزوجتك وهي بعصمتي ، ولا نعلم من كان قبلنا ولا من سيكون بعدنا ، فخذ حذرك منها إنها امرأة ماكرة غادرة خائنة .
خرج إلى عمله فوجدها على الطريق تريد الهرب من البيت مدعية أنها تريد زيارة أختها في مدينة الموصل ، وتكرر الهرب منها ، ولكن لا أحد من أبناء القرية يجرؤ  على حملها في سيارته بعدما قال زوجها الأول ماقال مخافة أن يتهم انه هو الذي قام بتهريبها من زوجها أبي سليم لغرض في نفسه
شدد أبو سليم الحراسة والمراقبة عليها ليس من أبنائه وأقربائه بل من جميع أفراد القرية ، لا يستقبلها أحد في داره مخافة السُبّـة التي سوف تلحقه من فعلها .
ضاق عليها الخناق ولم تستطع الهرب ، ولم يسمح لها أبو سليم بزيارة أحد من أقربائها لأنه مُـكذب لها ولا يثق بتصرفاتها ، فقامت في أحد الأيام بصب الوقود (البنزين) على ثيابها وقامت بإحراق نفسها ، ولكن سليم قام بإطفائها فنجت من موت محقق ، وبعد حوار طويل وجدل وخصام بين أبي سليم وإخوته ، قام بتطليقها ، لم يمض على زواجهما أكثر من ستة أشهر ، وبذلك خسر سمعته والكثير من ماله فداءاً لها ، وأصبح حديث المجالس لعدة أشهر في القرية .

* * *











حكايات من القرية : الامل الضائع


الأمل الضائع
لا يهيج النفس ويثيرها مثل نبش الماضي وذكرياته الجميلة والحزينة ، وقف ( الحاج صباح ) بقامته القصيرة الهزيلة والوجه الشاحب والعينين الغائرتين ،والظهر المنحني إلى شقه الأيسر ، يحمل سيكارته بيده ، وهو يثرثر بكلام اعتاد الناس سماعه منه في كل يوم في مجمع القرية ، يقص عليهم ولادته وكيف تنكر أبناؤه له ، ويشكو ظلم الحياة له وقسوتها عليه ، رجل كان ولا زال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يقول إلا الحق ، يتصدى لكل من ينحرف عن جادة الصواب ولا يأبه بكل الانتقادات التي توجه إليه .
ولد في بيت فقير لأب وأمّ وأخوة من الأبناء والبنات ، دخل الدراسة الابتدائية فتفوق فيها جداً , ولما أصبح في الدراسة المتوسطة , توفي أبوه ولم يستطيع إكمال دراسته لكونه أصبح المعيل لهذه الأسرة , فأخذ دور والده في القيام بأمور الأسرة فأخذ يزرع الأرض ويرعي أبقاره , التحق بالجيش لأداء الخدمة الإلزامية ، فلما تسرح منها عمل سائقاً في مديرية الزراعة ، وتزوج من أخت الحاج سالم الضابط في الجيش العراقي ، وأصبح معيلاً لزوجته وأمه وثلاثة من الإخوة والأخوات , كثر خيره وتحسنت أحواله المعاشية ، إذ كان يتقاضى راتباً من عمله في دائرة الزراعة فضلاً عمّا تدره أرضه الزراعية من غلال ، وبقي هاجس إكمال دراسته في خاطره ويعتصر قلبه الألم كلما رأى شخصاً بوظيفة مرموقة ، لأنه كان يطمح أن يكون مدرساً في مدرسة القرية , ولكن هذا الطموح اندثر لفقره , وفي بعض الأحيان يقف أمام جامعة الموصل عند زيارته لمدينة الموصل ، وينظر إلى طلابها وهم يخرجون منها ويتألم لعدم إكماله دراسته، فلما أنجب كان يعلم ولده الأول قبل أن يدخل المدرسة ويقول لزوجته : إذا أكمل الولد البِكْر هذا المدرسة فالبقية سائرون خلفه , لذا يجب علينا أن نهتم به كثيراً ولا سيما دراسته وأخذ يشرف على تدريسه اليومي ويراقب جدول الامتحانات الشهرية ولما أصبح في الدراسة المتوسطة كان يوصله بسيارته إلى المدرسة , حتى أكملها وتبعه الثاني والثالث والرابع والخامس , وهو يحث أبنائه على التعليم ليكملوا دراستهم ويصبحوا كخالهم سالم فتخرج الأول ليصبح ضابطاً في الجيش العراقي ثم تبعه الثاني ، الثالث ،الرابع، الخامس ليصبحوا جميعاً ضباطاً ، أخذ يفتخر بهم أمام الأقرباء والأصدقاء وهو مسرور لان جميع آماله وطموحاته قد تحققت من خلال أبنائه الخمسة الذين يرى نفسه فيهم .
 أخذت زوجته تتكبر عليه رويداً رويداً كيف لا وهي أخت اللواء سالم وأم الضباط الخمسة وأخذت علاقتهم الزوجية تسوء يوماً بعد يوم ولا تمر ساعة من ليل أو نهار بدون شجار بينهما ، مما حدا بأبنائه أن يقوموا بنقل والدتهم إلى مدينة الموصل لتعيش مع أحدهم .
هاهي رحلة العمر قد أوشكت أن تنقضي وهاهي رفيقة العمر تفارقه وهاهم الأبناء يجحدونه ويودعونه بعدما حملوا متاع أمهم وأخواتهم الثلاثة ، وهو ينظر إليهم وقد وقف في باحة الدار الواسعة ولم تعد قدماه تحملانه ولم يستطع أن يحرك يداً أو أن ينطق بكلمة من فمه الذي اعتاد الكلام فيه ، فقال بعد عناء : ياأبنائي إنكم بعملكم هذا ذبحتموني بغير سكين  فأسألكم الرحمة أن تُـبقوا لي إحدى بناتي كي ترعاني وتؤنسني في وحدتي حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فقد كنت لكم نعم الأب ، ولكنهم لم يستجيبوا له ولم يلتفتوا إلى توسلاته ، وساروا نحو السيارات واستعدوا للرحيل اعتصر الألم قلبه واستمطرت العينان الدموع المدرارة ، فما يحلو الفراق بغيرها هي ليست بدموع ، بل هي دماء القلب تنزف .
وكلما وقف في الدار ورأى الأبواب المغلقة والغرف الفارغة ، أحس بوحشة ورهبة منها ، وكأنها دار أشباح لاحياة فيها ، وكلما تلفت رأى هذا الفناء الواسع في باحتها ، وأحس بالدار كأنها كومة من أحجار ، كأنها تريد أن تأكل أيامه الباقية ، هذه الدار التي كانت عامرة تضج بشباب القرية قبل سنوات وتعمر بالخيرات وتزهو بالأفراح هاهي اليوم تصبح داراً خالية موحشة لا يقف على بابها أحد ، لا أنس فيها ، فأمسى يشعر بطول الساعات الباقية من عمره ، وراح يرقب عقرب الساعة وكأنه لايتحرك ، فيضجر من ساعات الليل الطويلة .
وطالت القطيعة وثقلت عليه الوحدة فأخذ أهل القرية بالكلام عن أحواله ونُـقلت معاناته لأبنائه ، فقاموا بتزويجه بزوجة ثانية كي تكف عنهم ألسنة أهل القرية ، إلا أن القلق أخذ يسري إلى قلبه وفقد اتزانه ورجاحة عقله بعد أن ابتعد عنه أبناؤه وأصبحوا لا يزورونه إلا في المناسبات ، ولا يمكثون عنده إلا نزراً يسيراً ، فأخذ يتحرى عنهم من خلال أصدقائهم , ليطمئن على أحوالهم وليتعرف على أخبارهم ولعلهم ينقلون شوقه إليهم والفراغ الهائل الذي يعانيه بغيابهم .
 يالها من حياة يعانيها ( الحاج صباح ) بعد كل هذا الصبر والجهد والعمل من أجل أولئك الأبناء ، الذين تخلوا عنه لا لشيء إلا لعدم انسجامهم الفكري معه ، وعدم رضاهم بما يقوله في بعض المجالس ، فتركوه في داره الطينية الموحشة التي لم يستطع العيش فيها لأنها تحوي ذكرياته الماضية فكلما استغرق في نومه يشعر كأن أحدهم يناديه(  بابا ) فيستيقظ من نومه ليجيب على هذا النداء مهرولاً نحو باب الغرفة ليقوم بفتحه فلا يرى أحدا في الدار .
اضطر أن ينتقل إلى دار شقيقه خارج القرية لعله ينسى أو يتناسى تلك الأيام الجميلة وتلك الأحلام التي ضاعت سدى في تربية الأبناء .
ومرت الأيام رتيبة كئيبة ، حتى كانت ساعة دفنه ، واصطف الأبناء ليتلقَّوا العزاء في أبيهم إلا ان كل أهل القرية لم يمدوا لهم يدا ، ولم يعزوهم .








* * *


حكايات من القرية : الحصاد المُر


الحصاد المر
كانت روحه ترفرف فرحاً كالفراشة  في الحقول فأحلامه التي بناها لنفسه ، أحلام تسير معه ليس في المنام فحسب بل في اليقظة أيضاً ، فتى بهي الطلعة مشرق الروح والجبين ، عريق النسب ، محبوب من أبناء قريته ولاسيما من كبار السن فيها فهم يحترمونه ويحبونه ويجلونه برغم صغر سنه ، شبَّ وهو يسمع حديث الثناء عليه وعلى أبيه وعلى جده وينادونه بـ( السيد ) لم يستطع أن يتمتع بصباه أو مراهقته كبقية الشباب فقد أصبح كهلاً وهو لا يزال بسن العاشرة لأنه يحمل تاريخاً عبقاً طاهراً من الأمجاد وحكايات متناثرة هنا وهناك عن كرامات أجداده القريبة منها والبعيدة ، فأهل القرية يُجلونه لأجل ذاك التاريخ .
يذهب كل صباح إلى مدرسته في القرية المجاورة التي تبعد عن قريته زهاء( سبعة كيلو مترات ) وهو يحمل حقيبته التي تثـقل ظهره من طول الطريق ذهاباً وإياباً كل يوم وهو يسير على قدميه فإذا عاد إلى البيت امتطى حماره لجلب الماء من نهر الزاب الأعلى وهو يبعد ( خمسة كيلو مترات ) عن قريته ، وهو في طريق مدرسته وفي طريق النهر يعيش أحلام اليقظة يحلم أن يكون ضابطاً في الجيش ، ويركب سيارة حديثة بدلاً عن حماره الحرون ، وأن يسكن قصراً منيفاً بدلاً من داره الطينية الخربة الرطبة ، وأن يشرب الماء النقي بدلاً من الماء الآسن من النهر ، وأن يسير في أرض معبدة بدلا من الأرض الطينية الموحلة ، فهو يتحدى كل الصعاب من أجل أن يحقق الأحلام والآمال ،  فتفوق في دراسته فهو الأول بلا منازع ولا يوجد من  يستطيع منافسته  في تفوقه هذا.
 انتقل بدراسته إلى الموصل ليكمل الدراسة الإعدادية ويسكن في حي من أحيائها الراقية في بيت لأحد أصدقاء أبيه .
وفي الإعدادية التي يدرس فيها ، تعرف حسن على أستاذ الدين ،  إمام وخطيب جامع الحي الذي يسكنه , بدأ يصلي في هذا الجامع ويحضر بعض الدروس لهذا الأستاذ , انتبه الشاب إلى أن عدداً من الجيران وسكان الشارع الذي يسكن فيه يرقبونه عند خروجه إلى الجامع وهم يجلسون في حديقة الحي التي تقع أمام داره كل يوم قبل الغروب ، كان حسن يضع غطاء الرأس ( العرقجين) على رأسه أغلب الأحيان ، فهو حريص على الصلاة ولاسيما صلاة المغرب فهو أشد حرصاً عليها من بقية الصلوات ، وحين يمر بجيرانه يسلم عليهم وكأنه يريد أن يقول لهم إنه شاب ملتزم من تلك العائلة المعروفة بالتدين ، فهو قارئ للقرآن مقيم لليل , صائم ليوم الاثنين والخميس ، لا يعيش كما يعيش شباب الحي لا يلهو كما يلهون ولا يعرف الطيش الذي يرتكبون ولا تغريه أفلام الرقص الماجنة ولا الأغاني الرخوة المائعة , فهو ليس مثلهم انه صاحب دين, فهو مُرآءٍ ولا يعرف أن تصرفه هذا الرياء بعينه .
  نجح في دراسته وأخذ بتقديم أوراقه إلى الكلية العسكرية ليحقق الطموح والأمل المنشود فدرجاته الامتحانية عالية جداً , وقدرته البدنية عالية ليجتاز كل الاختبارات بتفوق غير معهود , ظهرت نتائج الاختبارات وقد نجح بها جميعاً وبقيت التقارير الحزبية والأمنية التي سترفع عنه , فهو مطمئن لأن ليس في سلوكه ما يعيب أو يشين وليس له ارتباطات بأي جهة حزبية .
وقف أمام باب الكلية ينتظر النتائج وقد تعلق بصره بباب الكلية ينظر إلى زملائه في الصف والمدرسة يقول في نفسه : العسكرية رجولة وبسالة وصعوبة فأنا لها ، أنا ابن القرية أمشي حافي القدمين ، وأنام جائعاً اليوم واليومين , وأسير في الحقل لأسقيه في الليلة الظلماء , وأرعى أغنامي في الليلة المطيرة ، ولا أخاف الذئاب , أنا الشاعر والأديب ، أنا أولى من هؤلاء أن أكون طالباً في الكلية العسكرية, أنا خير من هذا المخنث , الذي يلبس الألوان الزاهية البنـاتـيّة , ويسكن القصور الفاخرة ويخاف انطفاء النور ولا يتحمل الجوع والعطش والسهر ولا يجرؤ على السير وحده في الليل في الصحراء ، فصفاتي خير من صفاته ، فكل صفات الرجولة متجسدة فيَّ وليس فيه شيء منها ، إنَّه رخو ضعيف هزيل , همه أكلة ، أو شربة ,أو لبسة , أو غايته لذة أو نزوة , كأنه إحدى أخواته , أنا السباح الماهر أعبر  نهر الزاب سباحة في أوج ارتفاع الماء فيه ، وأنا القناص الماهر الذي أصيد الطير في كبد السماء بإطلاقة واحدة .
 في وسط هذا الحديث الطويل مع النفس،  يُـفتح  الباب الخارجي للكلية  وتخرج منه مجموعة فيها أحد الضباط ليلصق عدداً من الأوراق فيها أسماء الناجحين وهو يصرخ بالمتقدمين  ويقول : من وجد اسمه فليدخل ومن لم يجد اسمه فقد فشل وليعد إلى بيته ، هرع حسن إلى الأسماء وقد قسمت على الحروف الأبجدية ، وهو يسال الله تعالى أن لا تضيع عليه هذه الفرصة مرة أخرى كما ضاعت سابقتاها ، ففتش في الحرف الذي يوجد فيه اسمه فلم يجده قال لعلهم اخطئوا فبحث في بقية الأحرف فلم يجده , وقف ينظر إلى زملاءه في المدرسة ، وقد وقفوا على جنب وهم يتحدثون , يتهامسون بصوت خفي مخافة أن يسمعهم وهم يرمقونه بنظراتهم , وكأنهم يقولون له : نحن خير منك أيها الفلاح القروي تريد أن تصبح ضابطاً هيهات هيهات .
هرول حسن إليهم قائلاً: بَـشّروا ؟
قالوا ظهرت أسماؤنا قال : كيف ؟ قالوا آباءنا من رجالات الحزب ، والمدافعين عن الثورة ، فكيف لا تظهر أسماؤنا ؟
غضِب حسن وكاد الدم ينبـثـق من عينيه من الغضب وقال كلمات أطلقها على سجيته ودون أن يفكر فيها من قلب ملذوع : كيف ذلك وأنا أكثر منكم معدلاً ، ونقاطي أعلى ، وتسلسلي أفضل ، وأنا اشرف نسباً ، وأمجد أباً وجداً؟
يالها من مصيبة وقعت على رأس حسن ، لا دافع لها ، ولا خلاص منها هاهي أمنيته ضاعت ، وحلمه انهار ، كان يحلم أن يكون ضابطاً كحال الكثيرين من أبناء قريته ولكنّ هذا الأمل ضاع بين ناظريه وقال في نفسه: هذه هي مصيبة الأمة ، يقدم من لا يستحق أن يقدم ، إنه الفساد والحزبية المقيتة لعنها الله ولعن من أتى بها ومن دعا إليها ، إنه فساد الضمير بثوب جديد اسمه الولاء للحزب والثورة ، فساد شكا منه الطالح قبل الصالح ، والفاسق قبل الناسك ، لماذا كل هذا الفساد ومن أجل من يضيع الوطن ؟
لقد كرر المحاولة لثلاث مرات ، وفي المرة الثالثة ، كان من سعى بأمره رجل في أعلى المستويات في الدولة بعد ذهاب أبي حسن إليه لغرض التوسط لابنه حسن وهو بذلك يريد سداد دين أسداه أبو حسن في الماضي لعائلة هذا المسؤول .
أخذ ينتظر ظهور النتائج وياله من انتظار مرير ، ويحدث نفسه ماالعمل؟  ماذا لو لم أقبل هذه المرة كذلك ؟ ماذا لو لم يظهر اسمي ؟ فماذا أفعل ؟ عاش قلقاً حائراً، دخل فراشه وهاجس الفشل أمام ناظريه ، رأى في منامه أن الأسماء تظهر واسمه ليس فيها ، انهارت الدموع من عينيه ، دموع تجري جياشة مضطرمة ، وعلت زفراته وكثر أنينه ، استيقظ من نومه مذعوراً ، يرتجف خوفاً وفزعاً ، فقال : الحمد لله إنه مجرد حلم والأحلام في بلادي لاتـتحقـق أبداً .
بعد أيام ظهرت الأسماء  ، واسمه لم يظهر مرة أخرى في سجل المقبولين في الكلية من جديد ، هرع حسن إلى المسؤول وأخبره بعدم ظهور اسمه في سجل المقبولين ، فوعده المسؤول بمعرفة السبب وإن كان سبباً لايمس أمن الدولة ، سيظهر اسمه في الملحق الذي تصدره الكلية في كل سنة ، بحث المسؤول عن إضبارة حسن فوجدها وقد كتب على غلافها مرفوض ( التوجه إسلامي ) غير سائر في خط الحزب والثورة .
فتح الإضبارة فوجدها مليئة بالتقارير السرية عن نشاط حسن ، وقد اتفقت جميعها على كلمة واحدة هي: ( شاب مستقيم الخلق من عائلة طيبة دينة مشتهرة بالصلاح ، ذو توجه إسلامي ، يرتاد المسجد كثيراً ، ويلتقي بشيوخه ، محافظاً على صلاة الجماعة ولا سيما صلاة المغرب ، إنه إسلامي ) ، شعر حسن أن خنجراً مسموما دق بين أضلاعه مع كلمة سمعها ، وأحس كأنه يختنق وكأن سقف الغرفة قد أطبق على أرضيتها .
أصبح الشاب إسلامياً دون أن يعرف من هم الإسلاميين ، يُحرم من القبول في الكلية العسكرية لا لشيء إلا لأنه من شباب المساجد المستقيمين ، ومن المحافظين على الصلاة فيها ، دون النظر إلى عبادته ، إلى خلقه ، إلى عائلته ، فأخذت أحلام حسن تتهاوى ، كما يتهاوى الصخر من أعلى الجبل ، ونار الفقر والبؤس ، تحرق قلبه ، كَـرِه النظام ورجالاته ، وهذا الكره في كل يوم يكبر في صدره ، ولهيب الغيرة تسعر في قلبه ، وسخرية الأقرباء الفاشلين من زملائه تتهاوى في أذنيه كأنها نار منبعثة تطلق من أفواه الحاقدين .
ياألله بجرة قلم من حاقد حاسد فاسد ، بجرت قلم من مرتشٍ ، لم يفرق بين المصلي الحقيقي والمصلي المرائي ، تعساً لتلك الأقلام التي لا تسطر إلا مافيه خبث وتجسس على أبناء جلدتها ، تعساً لتلك الأقلام التي لا تكتب إلا عن من اتصف بصفات الأخلاق والدين ، وتحلى بالفضيلة والرجولة ، فتعساً لهذه الأقلام التي أراقت دماء الأبرياء ، وهجرت الأتقياء ، وأضاعت أحلام حسن ومن خلفها البلاد .
***