الجمعة، 8 يونيو 2012

حكايات من القرية : الرجل البكاء


الرجل البكاء
مات زوجها وهي لازالت شابة ترك لها من الأولاد ابنتين وولداً واحداً صغير السن كانت تحمله على ظهرها في ذهابها إلى الحقل وفي عودته منه حتى بعد أن أصبح بعمر ثلاث سنين ,أدخلته الكتاب عند ملا القرية الحاج حسين رحمه الله ليتلقى المبادئ الأولية في قراءة القرآن الكريم فلما ختمه عمّت الفرحة أرجاء القرية وفرحت النسوة لفرحها وقامت بذبح خروف لتولم عليه وتدعو الكثيرين من أبناء القرية من وجهائها وعوامها ولما بلغ الست سنوات أدخلته المدرسة ليتفوق بها وينجح الأول على طلابها ولكنه لم يكمل دراسته المتوسطة وذلك لخوفها عليه في ذهابه وإيابه إلى المتوسطة في مركز الناحية .
غرست في قلبه حب الإسلام وحب الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأطهار ، وحب أولياء الله فتمسك بالشرع لتقوم بتوجيهه ورعايته وكانت تخاف عليه حتى من الريح الهابة فهو النور الذي تبصر به والهواء الذي تستنشقه وهو الأمل الذي من أجله تعيش وزوجته بسن مبكرة جداً لينجب ولداً بكراً وعدداً من البنات ثم زوجته الثانية والثالثة لينجب أكثر من عشرة أولاد وتسع بنات ، كانت لديه مكتبة إسلامية عامرة في حين قلما تجد في القرية كتاباً ، فتح الله عليه ليكثر خيره وليعم ويصبح لديه سيارة وجرار زراعي ، فقد ولده الأكبر في الحرب العراقية الإيرانية فأصابه انهيار كبير أخذ لايحس بالسعادة ترى عينيه تسكبان الدمع حزناً وأسى على هذا الشاب الصغير من رآهما ظن انه أخوه الأصغر وليس ابنه .
كان في أول دخوله البيت لا يدخل على زوجته ولا يُـقبل ولداً  حتى يُـقبل رأسها ويحظى بدعائها، تأخذ بسيل من القبلات على خديه وجبينه وكذلك يفعل في حال خروجه من البيت إلى المدينة أو إلى الحقل أو إلى شأن من شؤونه ليحظى بدعائها ورضاها كبر سنها ورق عظمها وأصبحت عاجزة عن السير على قدميها ليقوم بحملها بين يديه يدخلها إلى داخل الغرفة ليضعها على فراشها ولا ينام في بيته حتى يودعها كأنه مفارق لها ليشتهر بين الناس باسمها وليسمى فلان ابن فلانة .
في أيام الصيف يقوم بحملها على ظهره والصعود بها إلى سطح الدار في الليل وفي الصباح يقوم بإنزالها  وإذا أرادت أن تذهب للحمام يقوم بحملها إليه ليقوم باستحمامها وتمشيط شعرها وكان يطعمها الطعام بيده ولما كبر سنها يقوم بإطعامها البسكويت في البيت بدلاً عن الخبر .
أسس مسجداً قرب بيته خارج القرية سماه باسمه واسم أمه تقديراً منه واعتزازاً بهذه الأم التي أشرفت على تربيته رعايته حق رعاية وحافظت عليه وعلى ذريته , ولم تدخر يوماً دعاءً له وهي تناجي ربّها أن يرزقه الذرية الطيبة الكثيرة .
دخل المسجد لصلاة الفجر وبعد الصلاة انصرف أحد أولاده وكان يرعى الغنم فقال  له : لا تنصرف فلما أكمل الأذكار ، قال : هل تحب أن يعتدي عليك أحد  أو أن يأخذ مالك أو غنمك ؟ قال : لا ، قال:  لماذا ترعى في زرع غيرك الم تقرأ قول الله تعالى:  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)).
غرست في قلبه احترام الآخرين فحطي به وهو في سن صغيرة أصبح من وجهاء القرية وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره ويحسب من شيوخها وكبرائها من الذي جعله يتبوأ هذه المكانة انها أمه التي أحسنت تربيته ؟
امتاز الحاج برقة القلب ما ذكر اسم أمه  أمامه أو تحدث هو عن تربيتها له إلا انسكبت الدموع من عينه وعلا نشيجه وكأنه فقدها لتوه .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق