الثلاثاء، 29 مايو 2012

رسالة الى شيخي الكريم


رسالة إلى شيخي الكريم
شيخي الكريم ـ حفظه الله :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لا تنتظر شكر من حقد وحسد ، خلق الله العباد ليذكروه , ورزق الله الخليقة ليشكروه , فعبد الكثير غيره , وشكر الغالب سواه , لأن طبيعة الجحود والكفران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك , وأحرقوا إحسانك , ونسوا معروفك , بل ربما ناصبوك العداء , ورموك بمنجنيق الحقد الدفين , لا شيء إلا لأنك أحسنت إليهم ) وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ  ( [ التوبة : 74 ] وطالع سجل العالم المشهود , فاذا في فصوله قصة أب ربى ابنه وغذاه وكساه وأطعمه وسقاه , وأدبه , وعلمه , وسهر لينام , وجاع ليشبع , وتعب ليرتاح , فلما طر ارب هذا الأبن وقوي ساعده , أصبح والده كالكلب العقود استخفافاً , ازدراءً , مقتاً , عقوقاً صارخاً , عذاباً وبيلاً .
فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر , ومحطمي الإرادات , وليهنؤوا بعوض المثوبة عند من لا ينفد الحار لا يدعوك لترك الجميل , وعدم الإحسان للغير , وإنما يوطنك على على انتظار الجحود , والتنكر لهذا الجميل والإحسان , فلا تبتئس بما كانوا يصنعون .
إعمل الخير لوجه الله , لأنك الفائز على كل حال, ثم لا يضرك غمط من غطك , ولا جحود من جحدك , واحمد الله لأنك المحسن , واليد العليا خير من اليد السفلى ) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا  ([ الإنسان : 9 ] .
وقد ذهل كثير من العقلاء من جبلة الجحود عند الغوغاء , وكأنهم ما سمعوا الوحي الجلي وهو يعني على الصنف عتوه وتمدده ) مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( [ يونس : 12 ] لا تفاجأ إذا أهديت بليداً قلماً فكتب به هجاءك , أو منحت جافياً عصاً يتوكأُ عليها ويهش بها على غنمه , فشبح بها رأسك , هذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود مع باريها جلَّ في علاه , فكيفَ بها معيَ ومعك ؟ .
ينظر : لا تحزن عائض القرني ، ص22 – 23 ([1]).




[1] - منتدى الحياة الموصلية . 

رسالة الى تلميذي النجيب


رسالة إلى تلميذي النجيب
إلى : أخي وتلميذي النجيب  ـ رعاه الله ـ .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :     
اكتب إليك مذكراً إياك : الحر من راعى وداد لحظة : قاعدة عظيمة من قواعد التعامل بين الناس وضعها الشافعي ـ رحمه الله ـ بقوله : الحر من راعى وداد لحظة وانتمى ( انتسب ) لمن أفاده لفظه .
فلو جرت بينك وبين صديق وحبيب لحظة مودة ، فإن الحر يراعي ذلك ولا ينساها ، ويحسن عهد صاحبه بسبب تلك اللحظة ، فكيف بمن صداقتك معه سنين ،وجرت بينكما أحداث وذكريات فكيف إذا كانت هذه الصداقة مع من أفادك وأصبح لك  أباً  وأخاً وصديقاً وشيخاً ، وكما قيل : أبو الإفادة أقوى من أبي الولادة .
هذا هو دأب الصالحين ، وهذا هو نهجهم  إذ الحر في ميزانهم هو ذلك الرجل الذي يحفظ الود ، ويديم الوصال، ويرعى حق الصحبة ، وإن كانت في عمر السنين لحظة واحدة ، ولا ينسى الفضل لأهله ، وإن قلّ حجمه ، أو خف وزنه ، بل تراه يحرص على أن ينسب الفضل لأهله ،عرفاناً منه بفضلهم وإحسانهم ،  ولا يكفر بساعات الصفاء والود واللقاء ، ولا بأيام التزاور والوصال ، ويشكر من أحسن إليه فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : من لا يشكر الناس لا يشكر الله .
 فالأحرار .. قوم لا تنقلب حسنات الأمس في ميزانهم إلى سيئات ، ولا صفاؤه إلى شحناء وبغضاء ، ولا حبه إلى كراهية مطلقة وحقد دفين .
الأحرار .. هم الذين لا يجعلون من صديق الأمس - بسبب خلاف في الرأي ، أو سوء في الفهم ، أو خلاف في غرض من أغراض الدنيا - لا يجعلون منه هدفاً ، يصوبون نحوه كل سهام البغي والظلم والعدوان ، فلا يدعون سهماً في جعبة إبليس إلا وقذفوه به ، غير نادمين أو آسفين .
دخل صلى الله عليه وسلم إلى حائط ـ بستان ـ للأنصار وكان معه أعرابي فأخذ عوداً من أراك وقسمه نصفين فكان أحدهما معوجاً والآخر مستقيماً فأخذ المعوج وأعطى المستقيم للأعرابي فقال له الأعرابي : لم يا رسول الله أعطيتني المستقيم وأخذت المعوج ، فقال صلى الله عليه وسلم :  إن الله يسأل عن صحبة ساعة فإذا سألني أريد أن أكون فضلتك فيها على نفسي .
وهو بمعنى الأثر الآتي وهو : " ما من صاحب يصحب صاحبا ولو ساعة من نهار إلا سئل عن صحبته هل أقام فيها .
وقد تكون هذه العلاقة علاقة صديق بصديقه ،ألجأته ظروفك العملية أو الدراسية أن تلتقيا ،ثم تفترقا فكيف أنت معه الآن ،هل اتصلت به؟ هل تواصلت معه ؟ لربما أصيب بمرض خطير فدخل المستشفى وخرج منه ، ولم تعلم بذلك ، ولربما رزق بمولود فلم تهنئه ،ولربما مات له ولد فلم تعزيه ، ولربما مات فلم تُصلِّ عليه. فما هذا الجفاء منك ؟ وما هذا العقوق ؟ وأين حسن العهد ،أما علمت بأن حسن العهد من الإيمان.
وقد تكون هذه العلاقة علاقة تلميذ بأحد المشايخ أو الدعاة فلطالما سمعت منه كلمات وتوجيهات وإرشادات ، ودروس ومحاضرات ،ولطالما طربت أذناك بسماع صوته وتحرك قلبك ، وازددت إيماناً ، من جودة إلقاءه ، فتعلمت درساً ،وفقهت حكماً ،وعرفت واقعاً للمسلمين ،وسمعت بقضايا لم تكن تخطر لك على بال، وتعلمت منه أسلوباً من أساليب الدعوة إلى الله ، أو تعرفت من خلاله على أهل الصلاح ورجال الدعوة .
ثم حال بينك وبينه أحد عوارض الدنيا ، من تغير سكن أو هجرة أو مرض أو موت ،أو غيرها ، فكيف علاقتك به الآن ،هل تدعو له ،هل تجدد عهدك به ،أم أن ذلك الحماس، وتلكم اللحظات والذكريات ،أصبحت اليوم نسياً منسياً.
قال لي أحد مشايخي حين زرته : والله إني منذ عشر سنين أدعو لك ولفلان في كل صلاة ، فياله من وفاء من هذا الشيخ لتلاميذه ويالها من مراعاة لساعات الوداد .
فيا عبد الله راع وداد اللحظات الماضية ، والذكريات السالفة مع من تحب ، ولا تنسه ،وأحسن العهد بذلك ،راع حرمة الألفة والمودة ،التي عُقدت بينكما في يوم من الأيام ، فإلى من تشكو لحظات الوداد، وساعات الوصل، وسنوات الصفاء، حين تصبح فريسة سهلة لسهام طائشة، وأفواه عفنة، وألسنة سليطة؟!
فأين الأحرار.. الذين يحفظون وداد لحظة ، وصحبة ساعة ؟!
أين الأحرار.. الذين يبقون على الأخ ، ويديمون وصله؟!
أين الأحرار .. الذين لا ينسون لأهل الفضل فضلهم ؟!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ([1]).






[1] - منتدى الحياة الموصلية . 

ليلى والذئب

 ليلى والذئب
ألقيتها في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة في جامع الهدى سنة 2007.
قصة ليلى والذئب ندرسها لأبنائنا في المدارس كي يتعرفوا من خلالها على أن في هذا العالم ذئاب بلباس حملان لعلهم مستقبلا لا ينخدعون باللباس وإنما ينظروا إلى الأفعال لا إلى الأقوال . ولكن بعض أبناء الوطن لايعون فينساقون خلف الذئب ويدخلونه  إلى بلادهم فليلى بلادي أدخلت الذئب إلى دار الجدة وحاربت لأجله الأهل والأصدقاء وقتلت لأجله الأقرباء وسفكت لأجله الدماء وهدمت لأجله دار الجدة وأهل الدار يصرخون ياليلى لاتغتري به سوف يأكلك بعدنا ولكن ليلى بلادي لاتصغي لهم . صور الشاعر عبدالرزاق السعيدي هذه القصة في قصيدة له فأحببت أن أشارك بها لعل ليلانا تعي وتصحو .
ليلى والذئب
وإذا تمضي بدرب الغابة الخضراء ليلانا
وضمّت دونما صد
إلى أحضان بلوانا
وذئب الحقد ياليلى
أماط القول عن خبث
أمام الضعف تيهانا
وهذا الئب ياليلى
جريءٌ
بباب الجدة البلهاء لم يخفِ
ملامحهُ
وعوّى دونما خوف
للُقيانا متى تصغين ياليلى ؟
وخصمك لم يعد ذئباً
وحيداً أياليلى
جراء الغدر قد كبرت
وما كانت لتنسانا
فأدلى الدلو واردهم
فصاح الدلو من فرح
أيا بشرى
كثيراتٌ ... كثيرات ٌ
وفيراتٌ
عيون النفط ..يا بشرى
مليئاتٌ
جميلاتٌ
حبيباتٌ
فطوبى للعباد ..وعزّاً للبلاد
وليلى الآن مطعامٌ
لأسراب الجراد
متى تصغين ياليلى ؟
***
لهيبٌ باردٌ صوتي
وجرحٌ ثائر صمتي
بأعماق الجراحاتِ
أنينٌ من عذاب اللوح والقلم
وليلى الآن يألمي
تهددني تشرّدني
تقتلني
بأمر الكفر والصنم
فما أخشى
على نفسي عذابا
أنا أخشى
على ليلى الخرابا
وان الذئب ياليلى
قبيحٌ
كقبح القبح والعفن
كريهٌ
كوجه الكفر والوثن
ذميمٌ
كذلِّ الضعف والوهنِ
فما أخشى على نفسي
أنا أخشى على ليلى
متى تصغين ياليلى ؟
     ***
قوافي الشعر ياليلى
جديراتٌ
بحمل العبء عن قلمي
وقول الشعر ياليلى
تفاهاتٌ إذا ما كان تضليلاً
وتلفيقاً
بنور الصدق لم يُجر
أسلّ الحرف من قلبي
لكي يثمر
فتورق تحت همس الجرح أناتي 
وتثمر من عذاباتي
فليلى في ربيع العمر أم تزهر
متى الأزهار ياليلى ؟
وتلك البئر لم تقتر
ومثل الصخرة الصمّاء ليلانا
فما نظمت لنزف الجرح الحانا
ولم تُشعِر
متى تصغين ياليلى؟
قوافي الشعر ياليلى وضيعاتٌ
إذا الأجفان لم تدمع ذبيحاتٌ
إذا الآذان لم تسمع
ذميماتٌ
إذا الأحجار لم تصدع
بذيئاتٌ
إذا الأبدان لم تخشع
ذليلاتٌ
إذا الأبناء لم تُهرَع
فما تخشين من حرفي
وبيت الشعر لم ينفع ؟
متى تصغين ياليلى؟
عجيباتٌ
هي الأيام ياليلى
لِمَ الأسياف لم تُشهر
وهولاكو
يشنّ الآن هجمتَهُ
بحقد ظالم اغبر
وشعبي منصتٌ أبدا
لأبواق الخلافاتِ
وفكر عالقٌ بددا
بأدران النزاعات
فما تخشين من قولي
وسيف الحزن لم يُكسر ؟
متى تصغين ياليلى؟
فما أخشى على نفسي عذاباً
أنا أخشى على ليلى
أنا أخشى على وطني الخراب
فياوطني متى تضغي ؟
متى تصغي ؟ ([1]).




[1] - منتدى الحياة الموصلية . 

مشاعر في العيد


الـعيـد
فالعيد السعيد لمن شملته مغفرة الله ورحمته ، فمعنى العيد أن فيه معايدة الله عليك بالإحسان ، وبالوصال والوداد والمحبة ، أن يصلك ربُك ويتجلى عليك بالرضا والسرور وهذا هو معنى العيد ، وهذا هو العيد السعيد وليس العيد بلبس الجديد والتبرج في مواضع الوعيد .
قال بهلول للرشيد وقد لقيه يوم العيد وعليه ثياب جديدة : ليس العيد لمن لبس الجديد ، إنما العيد لمن امن من الوعيد ، ليس العيد لمن تبخَّرَ بالعود ، وإنما العيد لمن تاب ولايعود ، ليس العيد لمن ركب المطايا ، إنما العيد لمن ترك الخطايا ، ليس العيد لمن جلس على البساط ، إنما العيد لمن جاز الصراط ، ليس العيد لمن بنى القصور ، إنما العيد لمن تجهَّزَ للقبور .
الهي : إذا ماكنت لي عيداً


فما اصنع بالعيد
 
جرى حبك في قلبي
 

جري الماء في العود
 
( أيها العـيدُ المبارك :
أما آن أن تأتينا وقد تبدل الحال غير الحال، وقد أصبح المسلمون جميعاً يداً واحدة على من سواهم ؟
أما آن تأتينا وقد عاد إلى الأكثرين منا من المفتونين بكفر الشرق وفجور الغرب وعلمانيته ؟!
أما آن أن تأتينا وقد عاد إليهم صوابهم ، وهُـدُوا إلى رشدهم ، فلا يتلقون المبادئ والأفكار والنظم والمناهج من أعداء دينهم ، بل يتلقونها من الله ورسوله ؟!
أما آن ياعـيدُ أن تأتينا ، وقد تحررت أروحنا وعقولنا من عادات الأجانب وتقاليد الكفرة ، وانحلال الفاسقين الفاجرين ؟!
أما آن ياعـيدُ أن تأتينا في موكب من جلال الإسلام ، وروعة الإيمان وعزِّ الطاعةِ لله ورسوله ، بدلاً من أن تأتينا أياماً مجردة من الجلال والروعة والعز ، ليس لها من العيد إلا أسمه ؟!
متى تأتينا ياعيـدُ بالفرحة تـَفعـمُ قلوب اليتامى ، وبالبسمة تـرتسمُ على شفاه الأرامل ، وبالأمل يـَعمـُرُ نفوسَ الشباب وبالراحة والسكينة تـَعمـُرُ نفوس الآباء والأمهات ؟ !
ياعيـدُ في نفوسنا ظمأ إلى أيام العز والقوة فمتى تعود ؟
ياعيـدُ متى تأتينا بتغيير النفوس ، فلا نحب إلا لله ، ولا نبغض إلا لله ولا نعطي إلا لله ولا نمنع إلا لله ؟ نفوس لاتبتغي العزة بغير الإسلام؟
ياعيـدُ هل علمت من رمضان وقد جئت رديفه ـ أن سيبلغَ شكوانا إلى الله :من تفرق الكلمة ، وتمزق الصفوف واستئثار بعض شعوبنا بخيرات المسلمين دون سواها من شعوب الإسلام ؟
ياعيـدُ هل علمت أن شعوب المسلمين قد لفّها ظلام الضلال وأغرقها أو كاد طوفان الانحلال والفساد ، وسالت دماؤها بأيدي أبنائها ، وأُخربت بيوتها بأيديها والأعداء يصفقون شامتين ، يكادون يجنـُون من الفرح ؟!
ياعيـدُ مالك لاتجيب؟ ألا إنك ـ مثلنا ـ حزين غريب؟!
ياعيـدُ متى تأتينا بطمأنينة القلوب ، وانشراح الصدور ، وصلاح البال ، وتسير الحال ؟!
ياعيـدُ متى تأتينا بـالاستقلال الحق في الأخلاق فنـتـجرد من كل خلق إلا خلق محمد!
ياعيـدُ متى تأتينا بالاستقلال الحق في القضاء والتشريع ، فنكنس من مجتمعاتنا قوانين الغرب وأنظمته ، وتعود ألينا شريعة الله عزوجل؟
متى تأتينا ياعيـدُ ؟ متى نستقل الاستقلال الحق في كل شيء حتى تبرز لنا شخصيتنا الإسلامية الصحيحة ، فنتميز عن سائر الأمم ، فتكون لنا القيادة والريادة لسائر الأمم ، فنُـعيـد عيـد السادة الأحرار ؟ )([1]).
في العيد تتحرك المشاعر والأحاسيس ، فيتذكر الغائب أهله ، والغريب بلده ، والمهجر داره ، والمريض صحته ، والشيخ شبابه ، والثكلى ولدها ، والأرملة زوجها ، واليتيم أباه ، والفقير حاجته ، والمدين دينه ، والسجين حريته ، والأهل فقيدهم ، والوالدة ولدها العاق بها ؟
ياعيـدُ ماذا تفعل مع كل هؤلاء ؟
ياعيـدُ أجبني بربك ياعيـدُ مالك لا تجيب ، آلا إنك مثلنا حزين غريب ؟ !
ياعيـدُ أجبني بربك ياعيـدُ ؟
أحزين أنت أم متعجب من أمر المسلم في بلدي كيف يهجر أخاه ويصافح قاتل أباه ؟
أجبني بربك ياعيـدُ ؟
مالي أراك واجم حزين ؟
أأخرستك صرخات الثكالى ؟
أم أخرستك صرخات الأمهات على أولادها ؟
أم دموع الأرامل على جثث أزواجها ؟
أم صرخات الأطفال التي بـُترت أطرافها ؟
أم أنين الجرحى تحت الأنقاض ، مالي أراك واجم حزين ؟
اجبني بربك ياعيـدُ ؟
أأخرسك تدمير المساجد ؟
أم إحراق المصاحف ؟
أم قتل علماء بلدي ؟
أجبني بربك ياعـيدُ ؟
أأخرستك تلك الجثث الملقاة في الطرقات ؟
أم أحزنتك أحوال الجرحى التي تداس أجسادهم بسرفات الدبابات ؟
أم أحزنتك الأجساد التي أكلتها الكلاب والهوام والآفات ؟
أجبني بربك ياعيـدُ ؟
أأخرستك حراب الغزاة ؟
أم سجون الطغاة أجبني بربك ياعيـدُ ؟
ياعيـدُ أأخزنتك العقارب والأسود أم الذئاب البشرية ؟ أم قصة قطع لساني بأيديهم بقانون سنته الجمعية الوطنية ؟
اذكر ذات مرة
أن في فمي كان نه لسان
وكان ياماكان
يشكو غياب العدل والحرية
ويعلن احتقاره
لاحتلال الأوطان في كل مكان
لكنه حين شكى
أجرى له السلطان
جراحة طبية
من بعد ما أثبت بالأدلة القطعية
أن لساني في فمي
زائدة دودية
ينادي بشعارات ثورية ..
ياعيـدُ أحزين أنت على شاب من بلدي
قالوا : اعترف
قال عن أيّ شيء اعترف ؟
قالوا اعترف ؟
فتش لم يجد الجواب
فقال له : قاضي القضاة المحترف
الثوب قد قصرته
والذقن قد أرسلته
والمارد الشيطان بالتكبير قد أزعجته
وحملت سواكاً
يراه الحاكم المدني أنبوباً
لتخصيب السلاح فيرتجف
وتقول : عمّا أعترف
فالإثم فيك سجيـّةٌ
والعفو عنك خطيئةٌ
والكل يشهد أن قتلك قربة
تشفي غليل الحاكم الروحي ..
في قم بل قم واعترف .
ياعيـدُ أم أحزنك أمر ذلك الشاب :
الذي حبسوه قبل أن يتهموه
عذبوه قبل أن يستجوبوه
أطفئوا سيجارة في مقلتيه
عرضوا بعض التصاوير عليه
قل لمن هذه الوجوه
قال : لا أبصر
طلبوا منه اعترافاً
حول من قد جندوه
لم يقل شيئاً
ولما عجزوا أن ينطقوه
قتلوه
بعد شهر برءوه
أدركوا أن الفتى
ليس هو المطلوب أصلاً
قالوا : بل الزرقاوي أخوه
فالقوه في العراء
فصوره إعلامهم
وأخذوا يبكون عليه
وينادون أن آل أبي سفيان
ياويحهم قد قتلوه .
ياعيـدُ أتخشى أن تهمس في أذني قولاً ، فقد ..
دخلت بيتي خلسة من أعين الكلاب
أغلقت خلفي الباب
نزلتُ للسرداب
أغلقت خلفي الباب
دخلت للدولاب
أغلقت خلفي الباب
همستُ همساً خافتاً
فليسقط الأذناب
وشت بي الأبواب
دام اعتقالي سنة
بتهمة الإرهاب .
أأحزنك ياعيـدُ أن شبل الأسود في بلدي
أصبح ظبيٌ جفول
أم أحزنك ياعيـدُ ، الحر الذي استرقوه بدريهمات قليلة ، ففرح بعبوديته وبعد كل هذا أراك تنشد لأمتنا ؟
ياأمتي صبراًً فليلكُ
 

كاد يُسفر عن صباح

لابد للكابوس أن


ينزاح عنا أو يزاح

والليل إن تشتدَّ ظلمتُهُ


نقول الفجرُ لاح

والفجر إن يبرغ فلا


نومٌ وحيَّ على الفلاح([2])
 


[1] - كلمات من القلب ، إبراهيم النعمة ، ص 81- 83
[2] - منتدى الحياة الموصلية .

بـغـداد والتـتـر


بـغـداد والتـتـر
بغداد والتـتـر صنوان متلازمان ، بغداد والتـتـر حبيبان لا يفترقان ، ذهب زمان ، وجاء زمان وبغداد في كل زمان تستقبل لها تتراً جدداً تختلف الوجوه والوجوه ، تتغير الهيئات والهيئات تختلف الأديان والأديان ، ولكن الوجهة واحدة هي عاصمة الرشيد ، فهذا هولاكو يقطع المسافات والفيافي والقفار،  ينشر خلفه الخراب والدمار ، ويسفك الدماء ، ويحطم العمران يزحف بجيوشه إلى زهرة المدائن بغداد ، ويدخل هولاكو بغداد سنة 656هـ /1258م واستباح بغداد وأحرق المكتبات ، ورمى الكتب في نهر دجلة ، ودمر المدارس والمستشفيات ، ودمر الطرق وقنوات الري ، وقتل خلقاً كثيراً من الرشيد فقتل جميع من قدر عليه من الرجال والنساء والمشايخ والأطفال والشبان .
فقصة الخليفة كانت مأسوية ، وقصة العلماء كانت مأسوية وقصة العامة كانت مأسوية ، وما آل إليه مصير الخونة كان مأسوياً أيضاً . إنها مأساة ولكنها من فصل واحد .
 فقاوم أهل العراق المغول في مختلف مناطقه من شماله إلى جنوبه فوجد المغول أنفسهم أمام أمة لا تقهر وحضارة لا يمكن التغلب عليها . فأخذوا يتأثرون بها وأشهر عدد من سلاطينهم إسلامهم والزموا أنفسهم وأتباعهم بما يفرضه الإسلام على معتنقيه من واجبات وتسمّوا بأسماء المسلمين وتزيّوا بزيّ المسلمين .
وعملوا وفق نظم الإدارة السابقة دون تغيير وأبدوا تسامحاً مع ثقافة أهل البلاد وسمحوا بإعادة المدارس والمساجد وانسحبوا من بغداد سنة 1335م فدام احتلالهم للعراق أكثر من نصف قرن فعادوا إلى ديارهم من جديد ، ولكنهم قد اعتنقوا الإسلام حاملين معهم كتب المسلمين وقرآن المسلمين وأسماء المسلمين بعد أن دمروا مادمروا .
 فبغداد بقيت تبث إشعاع العلم إلى الدنيا رغم ما أصابها من تلك النكبة ، وبغداد بقيت عصية على أعدائها ولم تنهزم في عقيدتها في دينها في منهجها في سلوكها بل من احتلها هو الذي انهزم فتغيرت عقيدته وتغير دينه وتغير منهجه وتغير سلوكه وتغيرت أسماءه فمن المنهزم ياترى ؟ ومن المنتصر ؟ بغداد أم التتر ؟ فيالقدرك يابغداد كلما جاء هولاكو في كل زمان ، انبرى له ممن يحسب على أبنائك ، ليبيعك بثمن بخس وهو فيك من الزاهدين هذه مصيبتك يابغداد كم من بشر تحتضينه وتأويه وتطعميه من أرضك ويستظل تحت سمائك ويتنفس هواءك ويأكل من طعامك ويشرب من مائك ، ويحسب على أبنائك لكن ولاءه وحبه إلى شعب غير شعبك والى أرض غير أرضك ، والى لسان غير لسانك ، فإذا ما مات لم يجد أرضاً تقبره غير أرضك ولم يجد تربة تأويه غير تربتك فأنت له كالأم المشفقة تضمه بين حناياها فما أحنك وما أشفقك يابغداد حتى على أعدائك ([1]).


[1] - جريدة عراقيون ، العدد (  168) الاثنين 21/3/2008