الـعيـد
فالعيد السعيد لمن شملته مغفرة الله ورحمته ، فمعنى العيد أن فيه معايدة الله عليك بالإحسان ، وبالوصال والوداد والمحبة ، أن يصلك ربُك ويتجلى عليك بالرضا والسرور وهذا هو معنى العيد ، وهذا هو العيد السعيد وليس العيد بلبس الجديد والتبرج في مواضع الوعيد .
قال بهلول للرشيد وقد لقيه يوم العيد وعليه ثياب جديدة : ليس العيد لمن لبس الجديد ، إنما العيد لمن امن من الوعيد ، ليس العيد لمن تبخَّرَ بالعود ، وإنما العيد لمن تاب ولايعود ، ليس العيد لمن ركب المطايا ، إنما العيد لمن ترك الخطايا ، ليس العيد لمن جلس على البساط ، إنما العيد لمن جاز الصراط ، ليس العيد لمن بنى القصور ، إنما العيد لمن تجهَّزَ للقبور .
الهي : إذا ماكنت لي عيداً | | فما اصنع بالعيد |
جرى حبك في قلبي | | جري الماء في العود |
( أيها العـيدُ المبارك :
أما آن أن تأتينا وقد تبدل الحال غير الحال، وقد أصبح المسلمون جميعاً يداً واحدة على من سواهم ؟
أما آن تأتينا وقد عاد إلى الأكثرين منا من المفتونين بكفر الشرق وفجور الغرب وعلمانيته ؟!
أما آن أن تأتينا وقد عاد إليهم صوابهم ، وهُـدُوا إلى رشدهم ، فلا يتلقون المبادئ والأفكار والنظم والمناهج من أعداء دينهم ، بل يتلقونها من الله ورسوله ؟!
أما آن ياعـيدُ أن تأتينا ، وقد تحررت أروحنا وعقولنا من عادات الأجانب وتقاليد الكفرة ، وانحلال الفاسقين الفاجرين ؟!
أما آن ياعـيدُ أن تأتينا في موكب من جلال الإسلام ، وروعة الإيمان وعزِّ الطاعةِ لله ورسوله ، بدلاً من أن تأتينا أياماً مجردة من الجلال والروعة والعز ، ليس لها من العيد إلا أسمه ؟!
متى تأتينا ياعيـدُ بالفرحة تـَفعـمُ قلوب اليتامى ، وبالبسمة تـرتسمُ على شفاه الأرامل ، وبالأمل يـَعمـُرُ نفوسَ الشباب وبالراحة والسكينة تـَعمـُرُ نفوس الآباء والأمهات ؟ !
ياعيـدُ في نفوسنا ظمأ إلى أيام العز والقوة فمتى تعود ؟
ياعيـدُ متى تأتينا بتغيير النفوس ، فلا نحب إلا لله ، ولا نبغض إلا لله ولا نعطي إلا لله ولا نمنع إلا لله ؟ نفوس لاتبتغي العزة بغير الإسلام؟
ياعيـدُ هل علمت من رمضان وقد جئت رديفه ـ أن سيبلغَ شكوانا إلى الله :من تفرق الكلمة ، وتمزق الصفوف واستئثار بعض شعوبنا بخيرات المسلمين دون سواها من شعوب الإسلام ؟
ياعيـدُ هل علمت أن شعوب المسلمين قد لفّها ظلام الضلال وأغرقها أو كاد طوفان الانحلال والفساد ، وسالت دماؤها بأيدي أبنائها ، وأُخربت بيوتها بأيديها والأعداء يصفقون شامتين ، يكادون يجنـُون من الفرح ؟!
ياعيـدُ مالك لاتجيب؟ ألا إنك ـ مثلنا ـ حزين غريب؟!
ياعيـدُ متى تأتينا بطمأنينة القلوب ، وانشراح الصدور ، وصلاح البال ، وتسير الحال ؟!
ياعيـدُ متى تأتينا بـالاستقلال الحق في الأخلاق فنـتـجرد من كل خلق إلا خلق محمد!
ياعيـدُ متى تأتينا بالاستقلال الحق في القضاء والتشريع ، فنكنس من مجتمعاتنا قوانين الغرب وأنظمته ، وتعود ألينا شريعة الله عزوجل؟
متى تأتينا ياعيـدُ ؟ متى نستقل الاستقلال الحق في كل شيء حتى تبرز لنا شخصيتنا الإسلامية الصحيحة ، فنتميز عن سائر الأمم ، فتكون لنا القيادة والريادة لسائر الأمم ، فنُـعيـد عيـد السادة الأحرار ؟ )([1]).
في العيد تتحرك المشاعر والأحاسيس ، فيتذكر الغائب أهله ، والغريب بلده ، والمهجر داره ، والمريض صحته ، والشيخ شبابه ، والثكلى ولدها ، والأرملة زوجها ، واليتيم أباه ، والفقير حاجته ، والمدين دينه ، والسجين حريته ، والأهل فقيدهم ، والوالدة ولدها العاق بها ؟
ياعيـدُ ماذا تفعل مع كل هؤلاء ؟
ياعيـدُ أجبني بربك ياعيـدُ مالك لا تجيب ، آلا إنك مثلنا حزين غريب ؟ !
ياعيـدُ أجبني بربك ياعيـدُ ؟
أحزين أنت أم متعجب من أمر المسلم في بلدي كيف يهجر أخاه ويصافح قاتل أباه ؟
أجبني بربك ياعيـدُ ؟
مالي أراك واجم حزين ؟
أأخرستك صرخات الثكالى ؟
أم أخرستك صرخات الأمهات على أولادها ؟
أم دموع الأرامل على جثث أزواجها ؟
أم صرخات الأطفال التي بـُترت أطرافها ؟
أم أنين الجرحى تحت الأنقاض ، مالي أراك واجم حزين ؟
اجبني بربك ياعيـدُ ؟
أأخرسك تدمير المساجد ؟
أم إحراق المصاحف ؟
أم قتل علماء بلدي ؟
أجبني بربك ياعـيدُ ؟
أأخرستك تلك الجثث الملقاة في الطرقات ؟
أم أحزنتك أحوال الجرحى التي تداس أجسادهم بسرفات الدبابات ؟
أم أحزنتك الأجساد التي أكلتها الكلاب والهوام والآفات ؟
أجبني بربك ياعيـدُ ؟
أأخرستك حراب الغزاة ؟
أم سجون الطغاة أجبني بربك ياعيـدُ ؟
ياعيـدُ أأخزنتك العقارب والأسود أم الذئاب البشرية ؟ أم قصة قطع لساني بأيديهم بقانون سنته الجمعية الوطنية ؟
اذكر ذات مرة
أن في فمي كان نه لسان
وكان ياماكان
يشكو غياب العدل والحرية
ويعلن احتقاره
لاحتلال الأوطان في كل مكان
لكنه حين شكى
أجرى له السلطان
جراحة طبية
من بعد ما أثبت بالأدلة القطعية
أن لساني في فمي
زائدة دودية
ينادي بشعارات ثورية ..
ياعيـدُ أحزين أنت على شاب من بلدي
قالوا : اعترف
قال عن أيّ شيء اعترف ؟
قالوا اعترف ؟
فتش لم يجد الجواب
فقال له : قاضي القضاة المحترف
الثوب قد قصرته
والذقن قد أرسلته
والمارد الشيطان بالتكبير قد أزعجته
وحملت سواكاً
يراه الحاكم المدني أنبوباً
لتخصيب السلاح فيرتجف
وتقول : عمّا أعترف
فالإثم فيك سجيـّةٌ
والعفو عنك خطيئةٌ
والكل يشهد أن قتلك قربة
تشفي غليل الحاكم الروحي ..
في قم بل قم واعترف .
ياعيـدُ أم أحزنك أمر ذلك الشاب :
الذي حبسوه قبل أن يتهموه
عذبوه قبل أن يستجوبوه
أطفئوا سيجارة في مقلتيه
عرضوا بعض التصاوير عليه
قل لمن هذه الوجوه
قال : لا أبصر
طلبوا منه اعترافاً
حول من قد جندوه
لم يقل شيئاً
ولما عجزوا أن ينطقوه
قتلوه
بعد شهر برءوه
أدركوا أن الفتى
ليس هو المطلوب أصلاً
قالوا : بل الزرقاوي أخوه
فالقوه في العراء
فصوره إعلامهم
وأخذوا يبكون عليه
وينادون أن آل أبي سفيان
ياويحهم قد قتلوه .
ياعيـدُ أتخشى أن تهمس في أذني قولاً ، فقد ..
دخلت بيتي خلسة من أعين الكلاب
أغلقت خلفي الباب
نزلتُ للسرداب
أغلقت خلفي الباب
دخلت للدولاب
أغلقت خلفي الباب
همستُ همساً خافتاً
فليسقط الأذناب
وشت بي الأبواب
دام اعتقالي سنة
بتهمة الإرهاب .
أأحزنك ياعيـدُ أن شبل الأسود في بلدي
أصبح ظبيٌ جفول
أم أحزنك ياعيـدُ ، الحر الذي استرقوه بدريهمات قليلة ، ففرح بعبوديته وبعد كل هذا أراك تنشد لأمتنا ؟
ياأمتي صبراًً فليلكُ | | كاد يُسفر عن صباح |
لابد للكابوس أن | | ينزاح عنا أو يزاح |
والليل إن تشتدَّ ظلمتُهُ | | نقول الفجرُ لاح |
والفجر إن يبرغ فلا | | نومٌ وحيَّ على الفلاح([2]) |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق