الجمعة، 20 ديسمبر 2013

أخوة أم صداقة شارع

أخوة أم صداقة شارع
رحلتُ اليوم بخاطري رحلة لعدة سنوات مضت ، رحلة ليست إلى سهل ولا إلى جبل ، ولا إلى بَرٍ ولا إلى بَحر ، ولكن إلى عالم مسحور من عوالم ذكريات المراهقة والشباب الأول ، يا رحمة الله على تلك الأيام كنا نتعرف فيها على كثير من الشباب في أماكن مختلفة في المدرسة في ساحة كرة القدم أو على شاطيء النهر أو في أحد المتنزهات ، وكان أبي يطلق على صداقاتي هذه الكثيرة والمتعددة بأنها صداقة شارع ، لماذا هذه التسمية ؟ لأن التعارف واللقاء تمَّ خارج بيت كلانا ، ولم يَدْعُ أحدنا صاحبه إلى بيته ، فالتعارف تمَّ في الشارع ، واللقاء كان كذلك ، وحتى مواعيد اللقاء تتم في الشارع فضلاً على انه لا توجد التزامات يجب عليك من جراء هذه الصداقة، فهذه صداقة غير مكلفة ، ولكن صديق الشارع هذا، إذا دخل حَيك بحث عن بيتك حتى يجده ليسلم عليك ، فإذا ما تعرف على الدار طرق بابه ، وسأل أهل الدار عنك ، وإذا قيل له أُدخل ، أحجم عن الدخول ، وانتظرك حتى تخرج إليه ليسلم عليك وبعد عناق وقبلات حارة ، يقول دخلت الحي أو الشارع لأقضي عملاً ما ، فقلت إن لي صديقاً فيه فأحببت أن أسلم عليك ، وإذا ما سمع إني مريض هرع إلي ليزورني في المستشفى وكان بعضهم يبقى معي الأيام داخل المستشفى ، وإذا ما أردنا أن نذهب إلى الحلاق ذهبنا جماعة وكذلك إلى دار السينما وإلى السفرة ومن لا يوجد لديه مال منا  أخذناه عنوة ودفعنا عنه حلاقته وأجرة السينما وقناني المشروبات الغازية وكذلك لفات الساندوﭺ ، وأجرة السيارة وعدنا مسرورين إلى بيوتنا . وإذا ما حدث عندي فرح شاركني فيه ، وإذا ما نظرت إليه يخيل إليك أن المناسبة هي مناسبته وكذلك الأحزان ، وإذا ما رآني الشجار مع أحد الشباب ، شاركني هذا الشجار ودافع عني بقوة وتحمل من أجلي الإيذاء ، ومع ذلك نحن في منظار أبي أصدقاء شارع !!.
كم أتمنى اليوم أن تكون صداقاتي المتعددة والكثيرة مع أصدقائي المقربين كأصدقاء الشارع أولئك لأني لا أرى فيهم كل ما ذكرت آنفاً .
 وكم أتمنى أن يكون أخوة لي في الله من الذين أحسبهم على خير كأصدقاء الشارع أولئك .
وكم أخوة أو جماعة انسقنا خلفها لسنوات ، وليتهم وليتها كانوا كأصدقاء الشارع أولئك ، وهذه دعوة لكم أن نكون أصدقاء شارع لا غير ولكن بصفات أصدقاء الشارع الكرام أولئك .
الأخوة هي أساس الحياة ، عليها تقام المجتمعات ويستمر وجود الجماعات ، وأنا أؤمن بأن للأخ حقوقاً عليّ ، وصرت في بعض الأحيان أحب ، وأبغض على هوى ومراد أُخوة لي ، وأنا لا أعرف اليوم كيف أشكو أُخُوتي التي أحببتها ؟ ولا أعرف كيف أديمها أو كيف أعمل لأجلها ، وإني لأعجب كيف يحيا الكاذب والمنافق سعيداً ؟ وكيف لا يموت الشريف الصادق من الأسى على تلك الأيام وعلى أولئك الأصدقاء والأخوة الكرام ؟
لم أصدق أن ذلك كله حدث لي ؟ وكيف أصبحتُ لا أبصر معاني الأخوة الجميلة اليوم ؟ هل لأن الوجوه تغيرت أو لأن القسمات اختلفت ؟ والأخلاق تبدلت ، وأصبح السمت غير السمت ، ويجب عليّ أن أصدق أن هذه هي الأخوة .
 وقفت على مفترق طرق أنظر إليها ، كلما هبّ غبار  قلت : هل هذا غبار موكب من مواكب إِخْوتي ؟ نعم إنه هو ، ثُمَّ أسأل نفسي مالذي جرى ؟ لماذا أصبح الحق لدى بعضهم خطيئة ؟ لقد أصبح المنظر مألوفاً يحدث في كل يوم ،  فتصوروا أثر ذلك في النفس ، فلا أستطيع أن أنام حتى أفكر في ألف حماقة وحماقة ، وما قصصت هذه القصة إلا للذكرى والعبرة وليس تهويلاً للأمر ، وإنما هي وصف لواقع نعيشه اليوم مع أخوةٍ وأحباء لنا ، هذه الكلمات في وصف صداقة الشارع لاتطفئ حنيني الى تلك الصداقة ولا يطفؤه دمع العين ولا حرقة القلب ، ولا كثرة الشكوى؟! .
 وأخيراً أود أن أقول أن الستر ارتفع عن الكثيرين من الأحباب ، وسيرتفع عن آخرين أيضاً .. إنها قصة لم يخترعها خيال كاتب ولم يؤلفها قلم أديب ، بل ألقت فصولها في ركاب الدعوة وأحببت أن أرويها كما كانت لقد مشيت في ركابها ، وسحت في جنباتها ، وكبرت في أحضانها ، ورأيت أُخُوتي تترنح أمام ناظري ، فياترى هل تغيرت الأُخُوة أم الإخْوة قد فقدوا الحس والشعور بها؟! .
* * *




من يحمل المتاع

من يحمل المتاع
كثيرة هي الحكايات التي يحويها موروثنا الشعبي والتي تضم بين طياتها كثيرة من الدروس والعبر لمن أراد الإتعاض بتجارب الآخرين, فمن هذه الحكايات التي كانت تقصها أمي علينا في جوف الليل ونحن صغار : حكاية رجل كان لا يملك إلا جملاً واحداً يضع عليه متاعه وأطفاله وزوجته في حِله و ترحاله مع أبناء القبيلة , وأخذت نفسه تسول له ذبح الجمل ، وعمل عليه وليمة لأبناء قبيلته أسوة ببقية الأغنياء منها , وكانت زوجته تنهاه عن ذلك ، ولكنه كان لا يرتدع  عما نواه.
 وفي إحدى المرات انتصر عليها ، وسل سيفه وأخذ يحده فلما وقف أمام الجمل , كانت زوجته قد سبقته إليه ووقفت حائلاً بينه وبين الجمل ، وقالت له : على رسلك أيها الرجل على ماذا سوف نحمل متاعنا وأولادنا إذا أراد القوم الرحيل عن الديار إلى مكان آخر ؟ قال : سأضعه على ظهري ، وقام بنحر الجمل وأكل لحمه مع أبناء قبيلته ,فلما حان موعد الرحيل ,حملوا أمتعتهم على دوابهم , وقف الرجل وزوجته حائرين وهما لا يملكان دابة  لوضع متاعهما عليها ورحل القوم تاركين الرجل وأسرته  في ديارهم .
قالت له زوجته : ماذا أصنع اليوم , إن القوم ساروا،  أين سأضع المتاع ؟
 قال : ضعيه على ظهري ، وجلس الرجل وأحنى رأسه إلى الأرض ، وأخذت زوجته بوضع الخيمة وأعمدتها وحبالها ، فرأت ثقلها عليه ، فقالت : هل أجلب بقية المتاع وأضعه على ظهرك ؟  قال : نعم ، ( أني موگايم موگايم ، خلي شتريدين تخلين ) ـ أي أنا لا استطيع النهوض أبداً ولن أتمكن من حمل الأمتعة التي وضعتها على ظهري فلا يضرني إذا ما وضعت بقية المتاع ـ
 فكم واحد منا ذبحَ جملة على مستوى الأفراد والجماعات والدول ؟!.
     وكم واحد منا غيّب رأي العقل والسداد والصلاح وأخذته العزة بنفسه وهواه فبقي متاعه على قارعة الطريق دون أن تمد له يد العون أو المساعدة ؟!.
وكم واحد منا حُمّل من الواجبات أكثر مما يطيق فلم يستطع القيام بها جميعاً ؟!.
                     * * *








السفير


السفير
الذكريات الجميلة لا تنسى ولا سيما ما كان منها في فترة الطفولة وأيام الدراسة فكلما عاد الإنسان بذاكرته إليها يرى أنها أجمل أيام العمر لأن فيها تتجسد وتتشكل شخصية الإنسان ، وفيها تتبلور المفاهيم والقيم ومن خلالها يرسم مستقبل الكثيرين منا ، ومن هذه الذكريات حين كنت في الصف الخامس العلمي طالباً في إعدادية المستقبل للبنين ، أذكر أن الأستاذ الفاضل ( إسماعيل جمعة خميس) ـ رحمه الله ـ مدير الإعدادية ،  نادى عليّ في الاصطفاف الصباحي أمام طلبة الإعدادية وأخذ بيدي وقال : انظروا إليه إنه ابن القرية وسفيرها إليكم ، وأخذ أصدقائي وطلاب الإعدادية يطلقون علي سفير القرية أو السفير ، فغضبت ذات مرة ، وألقيت فيهم كلمة لازال بعضها في ذاكرتي  قلت:
 أنا لست سفيراً لبلادي لأقطار العالم بل أنا سفير لقريتي الخاملة الرابضة في سهل منخفض بين مرتفعات تحيطه ، تلك القرية الرابضة على  مقربه من الضفة الشرقية لنهر الزاب الأعلى ، إني موفدها إلى بلاد العالم فأنا أشبه ما أكون دبلوماسياً متنقلاً لها فأنا أجول بأفكاري وخيالي وأكتب عما شاهدته فيها فأنا السفير إلى العالم ، وها أنا أقول لكم عدلوا أفكاركم وتصوراتكم وعدلوا المشهد الأخير وغيروا نظرتكم في أبطال المسرحية وغيروا  تصوراتكم عن قرى بلادي فأنتم لا تعرفونها ، فأنا ابن القرية وسفيرها إليكم في هذه القرية تعلمت القيادة والريادة والشهامة وحب الآخرين ، تعلمت الرجولة من خلال العمل في الحقل ، وفي الليل وانا اسقي زرعي أنام متوسداً أكياس السماد لا أخشى الأفاعي أو العقارب أو الذئاب ، أنا فارس منذ الطفولة وميدان فروسيتي كل أمر صعب متحدياً كل عقبات الحياة من جهل وفقر وأمية من بعد لمؤسسات التعليم عني ، فأنا اليوم السفير عن تلكم القرية وإن كانت رحلة إيفادي مجانية ، فأنا عربي بدوي الانتماء لا يحد فكره  ولا يضيق عليه مكان ، صحوت مبكراً على ملامح البادية وعشقت فيها اللغة البكر ، وأهلوني كانت لديهم هذه اللغة ، وظيفتي الأولى كانت رعاية الأغنام ، وجلب الماء من النهر إلى البيت ، أحفر بيدي الأرض لأزرع  النبتة ، أحمل كتبي وأسير مسافات طوال لأصل إلى مدرستي وفي أيام المطر أحمل حذائي بيدي فمن منكم لديه القدرة على مجاراتي : في تحدي الصعاب أو في الأدب ولاسيما في الشعر  أو القصة أو بقية العلوم أنا أتحدى الجميع للنزال فهل من مبارز وان لم يقدم أحدكم فأنا سفير القرية وفارس المدرسة كذلك .

* * *





الصديق الصدوق

الصديق الصدوق
كان لي صديق ، مرض مرضاً شديداً ، وكاد يشرف على الموت لولا أن الله شمله برعايته الإلهية فشفاه منه ، كنت أحبه لصلاحه ودينه وفقره ومرضه فكان يؤنسني بكلامه ووقفاته الجميلة .
كنت أزوره كثيراً في كل يوم ثم بَـلدت اللقاءات ، ورثت حـِبَالُها ، وأصبحت أثقل على النفس من حديث رتيب معاد ، وأصبح صاحبي لا يحزن للفراق ، ولا يحرص على اللقاء بل يتهرب منه ويعتذر عنه بأعذار واهية ، فرابني من أمره مارابني فتقصيت أمره فوجدته يختلي بأصدقاء كـثر يطوف للقائهم في أرجاء المدينة وربما بيت عندهم أحدهم الليالي ذات العدد ، وقد ضمَّ كنفه أصدقاءً كانوا بُـعداء وفي بعض أيام حياته ربما كانوا له أعداء ، وكان يجلس الساعات يتحدث عن إسائاتهم الكثيرة والمتكررة تجاهه وازدرائهم له ، وكيف كانوا لا يوقيرنه ولا يحترمونه .
فأخذت مخيلتي تحدثني : أن الصداقة في هذا الزمن ماهي إلا أوهام وهموم وأكدار ، فدفعت ماخطر ببالي دفعاً، مالعذر في الهجر إذن ؟ ولما كل هذا الفراق ياترى ؟ إن ما ألمَّ بقلبي من الهم ماألمَّ لأن بين جنبيَّ قلباً يـُلِمُ به من الهم والحزن ما يـُلِمُ بغيره من القلوب الوفية على فقد صاحب أو صديق ؟
دخلت منزله بعد طوال غياب ، فلم أجد المنزل الذي أعرفه ، ولم أجد صاحبي فيه ، وإن كان يجلس جنبي ، فوالله لم أسء إليه يوماً ، ولم يسء إليَّ ، وشعرت لحظتها أن قلبينا تنافرا وروحينا افترقتا ، فأنكرت صاحبي الأول الذي كنت أعرفه ، وأنكرني وقررت هجره بعد أن هجرني لأشهر عدة ،
فكان يَـمُرُّ بخاطري ويجول فيه أفكار وهواجس وكنت أصارع النفس واكبح جماحها نحو شوقها إليه ، وألجمها بلجام الصبر ، وأخذت افطمها كفطام الرضيع عن لبن أمه ، وقد ملكت زمامها بعد أكثر من شهرين من الصراع معها بعد أن تبين لي أن صاحبي مُصرٌّ في موقفه من مقاطعتي وهجراني ولا يلتفت إلى كل النداءات والعتاب على هذا الفراق متناسياً تلك الصحبة ، ولا يصلني إلا بعد أن يلاقي من التأنيب والتوبيخ من الزوجة والأهل فيزورني على استحياء من أمره لدقائق عديدة وكأنه يجلس على جمرٍ .
زرته في بيته ، وسألته لما هذا الهجران والصدود ، أطرق برأسه ساعة وعالج هواجس نفسه ونوازعها فنظر إليَّ نظرة العاتب اللائم ، وابتسم ابتسامة علمت منها ، إن الرجل يريد إن يقول لي شيئاً قد أضمره في نفسه منذ زمن ولكنه لا يستطيع البوح به ، وخرج عن صمته المألوف وقال لي : إني لا اخرج من بيتي ولا أريد أن التقي بأحد يشغلني عن ربي عزوجل وعن ذكره ، وأنا أرى ياصديقي إنك في غفلة عن الله ، إنك غارق في كتاباتك ومطالعاتك ودراساتك ، فهذه هي الغفلة عن الله .
وكأن لسان حاله يقول لي : إن القرب منك شاغل لي عن ذكري وصلتي بربي فلا أريد صحبتك .
فقلت في نفسي : أسأل الله أن يجعلك من الذاكرين ومع الذاكرين وفي الذاكرين ، ولكني دهشت ، وغصصت بريقي مما سمعت حتى ما أجد بلّة أحرك بها لساني ، فكأن هذه الكلمات قطع من لهب تُـصَبُّ في أذني لتحرق مابقيّ من واعز الأخوة في القلب ، فعجبت لشأنه ، وقلت في نفسي : لقد هُـنتُ عليه وازدراني في نفسه ، وهانت عليه قبل ذلك أواصر الأخوة والصداقة ، فحلَّ الفراق ، فهان عليّ بعد أن هُـنتُ عليه .
ياللعجب خان وديّ ، ونقض عهد الأخوة لا لذنب جنيته تجاهه ، إلا اني اتخذته أخاً وصديقاً وكنت له كالريح المرسلة لا تأتيه إلا بخير ولا تحمل له إلا خيراً ، فهل يجمل بعد ذلك أن يرميك بجارحة القول ويتهمك بالغفلة ويصنفك من الغافلين ، فمن العجيب أن يزدري المرء أخاه ولا يقيم له وزناً ويصغر في عينه بين ليلة وضحاها .
قطع أواصر الأخوة وحلق بعيداً عنها في جو غير جوها ، وهام في وادي غير واديها ، فهنيئاً لك ياصاحبي بمن ضممت إلى كنفك ، وهنيئاً لك بما كسبت من أصدقاء أوفياء ، إنها أخوة انقضت ولكن نفسي امتلأت منها عبرة ، وبمصائب الأيام ومصارع الكرام يتعض الرجال .
الاولياء الأخفياء
في مجلس أحد الأصدقاء يلتقي ستة من الأولياء الأخفياء ويبدأ الحوار وتبدأ الجلسة بعرض مواهبهم الخارقة وكأن موازين الكون في أيديهم ، وكل واحد منهم يدعي أنه خير من الآخر ، ثم ينطلق الحوار والسجال حول الرؤى التي يرونها في منامهم وأنهم في كل يوم يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد وردني قول عن أحدهم لا أعرف مدى صحته أنه يدعي أن مقود الدنيا الأيمن في يده وهو يتحكم في الكون كيفما شاء ، والعجب كل العجب أن يتواطؤا جميعاً على الكذب وجميعهم ومن في المجلس يعرف أن أحدهم يكذب على الآخر دون أن يردعه أو أن يقول له : انك كاذب.
وفي أحد الأيام لم أتمالك نفسي ، فقلت لهم جميعاً : إنكم كذبة لو كان لديكم مالديكم من الولاية أو الصلاح ، ولو أنكم في كل يوم ترون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتغير حال القرية التي نسكنها أو لتغير حال أسركم التي هي أبعد ماتكون عن الله ، وكيف يكون أحدكم ولياً ، وليس لديه أي تقوى أو صلاح ، وليس لديه من العلم مالديه ؟! بل يطوف أحدكم اليوم كاملاً بدون أن يغتسل من الجنابة ولا يصلي لله فرضاً واحداً في ذلك اليوم بحجة عدم توفر الماء الساخن في البيت ، أو انه جاء إلى مجلس الذكر في عجلة من أمره فلم يستطع أن يغتسل ، ولا أريد أن أدخل في صفات الولي ومن هم الأولياء حقاً لأنها معروفة لديكم ، ولكني أقول لكم أنكم مُدعون وكذابون، انتهى اللقاء بعد إن حمرت الأحداق واكفهرت الوجوه وعلتها سحابة سوداء ، وأصبحت كأني مرقت من الدين بكلامي هذا .
وأنا أتسال إلى متى نبقى نصدق مثل هؤلاء ؟ ، والى متى نهرول خلفهم ؟ والى متى نبقى لا نردعهم بل ونجاريهم في كذبهم وادعائهم ؟ ونبحث عن الولاية المفقودة المزعومة كما يدعون ، ونريد الحصول عليها بدون بذل وعناء أو جهد جهيد ، وكأن الوصول والقرب إلى الله بالتقصير والتفريط بالعبادة وفيما شرع ، وكأن القرب إلى الله بالانتساب إلى أحد المشايخ أو حمل صورته ، أو بخوارق الأمور أو بتوقير الناس لمثل هؤلاء .
قبل هذا البيان كنت لديهم الشيخ الفاضل ، وبعد هذا البيان أصبحت كأني شيطاناً قادماً إلى أي مجلس هم فيه ، وإذا جاءوا إلى مجلس أنا فيه هربوا منه كما قال الله تعالى واصفاً حال öكَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ )هؤلاء القوم قديماً وحديثاً :  (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ  .