السفير
الذكريات
الجميلة لا تنسى ولا سيما ما كان منها في فترة الطفولة وأيام الدراسة فكلما عاد
الإنسان بذاكرته إليها يرى أنها أجمل أيام العمر لأن فيها تتجسد وتتشكل شخصية
الإنسان ، وفيها تتبلور المفاهيم والقيم ومن خلالها يرسم مستقبل الكثيرين منا ،
ومن هذه الذكريات حين كنت في الصف الخامس العلمي طالباً في إعدادية المستقبل للبنين
، أذكر أن الأستاذ الفاضل ( إسماعيل جمعة خميس) ـ رحمه الله ـ مدير الإعدادية
، نادى عليّ في الاصطفاف الصباحي أمام
طلبة الإعدادية وأخذ بيدي وقال : انظروا إليه إنه ابن القرية وسفيرها إليكم ، وأخذ
أصدقائي وطلاب الإعدادية يطلقون علي سفير القرية أو السفير ، فغضبت ذات مرة ،
وألقيت فيهم كلمة لازال بعضها في ذاكرتي
قلت:
أنا لست سفيراً لبلادي لأقطار العالم بل أنا
سفير لقريتي الخاملة الرابضة في سهل منخفض بين مرتفعات تحيطه ، تلك القرية الرابضة
على مقربه من الضفة الشرقية لنهر الزاب
الأعلى ، إني موفدها إلى بلاد العالم فأنا أشبه ما أكون دبلوماسياً متنقلاً لها
فأنا أجول بأفكاري وخيالي وأكتب عما شاهدته فيها فأنا السفير إلى العالم ، وها أنا
أقول لكم عدلوا أفكاركم وتصوراتكم وعدلوا المشهد الأخير وغيروا نظرتكم في أبطال
المسرحية وغيروا تصوراتكم عن قرى بلادي
فأنتم لا تعرفونها ، فأنا ابن القرية وسفيرها إليكم في هذه القرية تعلمت القيادة
والريادة والشهامة وحب الآخرين ، تعلمت الرجولة من خلال العمل في الحقل ، وفي
الليل وانا اسقي زرعي أنام متوسداً أكياس السماد لا أخشى الأفاعي أو العقارب أو
الذئاب ، أنا فارس منذ الطفولة وميدان فروسيتي كل أمر صعب متحدياً كل عقبات الحياة
من جهل وفقر وأمية من بعد لمؤسسات التعليم عني ، فأنا اليوم السفير عن تلكم القرية
وإن كانت رحلة إيفادي مجانية ، فأنا عربي بدوي الانتماء لا يحد فكره ولا يضيق عليه مكان ، صحوت مبكراً على ملامح
البادية وعشقت فيها اللغة البكر ، وأهلوني كانت لديهم هذه اللغة ، وظيفتي الأولى
كانت رعاية الأغنام ، وجلب الماء من النهر إلى البيت ، أحفر بيدي الأرض لأزرع النبتة ، أحمل كتبي وأسير مسافات طوال لأصل إلى
مدرستي وفي أيام المطر أحمل حذائي بيدي فمن منكم لديه القدرة على مجاراتي : في
تحدي الصعاب أو في الأدب ولاسيما في الشعر
أو القصة أو بقية العلوم أنا أتحدى الجميع للنزال فهل من مبارز وان لم يقدم
أحدكم فأنا سفير القرية وفارس المدرسة كذلك .
*
* *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق