الصديق الصدوق
كان لي صديق ، مرض مرضاً شديداً ، وكاد يشرف على الموت لولا أن الله شمله برعايته الإلهية فشفاه منه ، كنت أحبه لصلاحه ودينه وفقره ومرضه فكان يؤنسني بكلامه ووقفاته الجميلة .
كنت أزوره كثيراً في كل يوم ثم بَـلدت اللقاءات ، ورثت حـِبَالُها ، وأصبحت أثقل على النفس من حديث رتيب معاد ، وأصبح صاحبي لا يحزن للفراق ، ولا يحرص على اللقاء بل يتهرب منه ويعتذر عنه بأعذار واهية ، فرابني من أمره مارابني فتقصيت أمره فوجدته يختلي بأصدقاء كـثر يطوف للقائهم في أرجاء المدينة وربما بيت عندهم أحدهم الليالي ذات العدد ، وقد ضمَّ كنفه أصدقاءً كانوا بُـعداء وفي بعض أيام حياته ربما كانوا له أعداء ، وكان يجلس الساعات يتحدث عن إسائاتهم الكثيرة والمتكررة تجاهه وازدرائهم له ، وكيف كانوا لا يوقيرنه ولا يحترمونه .
فأخذت مخيلتي تحدثني : أن الصداقة في هذا الزمن ماهي إلا أوهام وهموم وأكدار ، فدفعت ماخطر ببالي دفعاً، مالعذر في الهجر إذن ؟ ولما كل هذا الفراق ياترى ؟ إن ما ألمَّ بقلبي من الهم ماألمَّ لأن بين جنبيَّ قلباً يـُلِمُ به من الهم والحزن ما يـُلِمُ بغيره من القلوب الوفية على فقد صاحب أو صديق ؟
دخلت منزله بعد طوال غياب ، فلم أجد المنزل الذي أعرفه ، ولم أجد صاحبي فيه ، وإن كان يجلس جنبي ، فوالله لم أسء إليه يوماً ، ولم يسء إليَّ ، وشعرت لحظتها أن قلبينا تنافرا وروحينا افترقتا ، فأنكرت صاحبي الأول الذي كنت أعرفه ، وأنكرني وقررت هجره بعد أن هجرني لأشهر عدة ،
فكان يَـمُرُّ بخاطري ويجول فيه أفكار وهواجس وكنت أصارع النفس واكبح جماحها نحو شوقها إليه ، وألجمها بلجام الصبر ، وأخذت افطمها كفطام الرضيع عن لبن أمه ، وقد ملكت زمامها بعد أكثر من شهرين من الصراع معها بعد أن تبين لي أن صاحبي مُصرٌّ في موقفه من مقاطعتي وهجراني ولا يلتفت إلى كل النداءات والعتاب على هذا الفراق متناسياً تلك الصحبة ، ولا يصلني إلا بعد أن يلاقي من التأنيب والتوبيخ من الزوجة والأهل فيزورني على استحياء من أمره لدقائق عديدة وكأنه يجلس على جمرٍ .
زرته في بيته ، وسألته لما هذا الهجران والصدود ، أطرق برأسه ساعة وعالج هواجس نفسه ونوازعها فنظر إليَّ نظرة العاتب اللائم ، وابتسم ابتسامة علمت منها ، إن الرجل يريد إن يقول لي شيئاً قد أضمره في نفسه منذ زمن ولكنه لا يستطيع البوح به ، وخرج عن صمته المألوف وقال لي : إني لا اخرج من بيتي ولا أريد أن التقي بأحد يشغلني عن ربي عزوجل وعن ذكره ، وأنا أرى ياصديقي إنك في غفلة عن الله ، إنك غارق في كتاباتك ومطالعاتك ودراساتك ، فهذه هي الغفلة عن الله .
وكأن لسان حاله يقول لي : إن القرب منك شاغل لي عن ذكري وصلتي بربي فلا أريد صحبتك .
فقلت في نفسي : أسأل الله أن يجعلك من الذاكرين ومع الذاكرين وفي الذاكرين ، ولكني دهشت ، وغصصت بريقي مما سمعت حتى ما أجد بلّة أحرك بها لساني ، فكأن هذه الكلمات قطع من لهب تُـصَبُّ في أذني لتحرق مابقيّ من واعز الأخوة في القلب ، فعجبت لشأنه ، وقلت في نفسي : لقد هُـنتُ عليه وازدراني في نفسه ، وهانت عليه قبل ذلك أواصر الأخوة والصداقة ، فحلَّ الفراق ، فهان عليّ بعد أن هُـنتُ عليه .
ياللعجب خان وديّ ، ونقض عهد الأخوة لا لذنب جنيته تجاهه ، إلا اني اتخذته أخاً وصديقاً وكنت له كالريح المرسلة لا تأتيه إلا بخير ولا تحمل له إلا خيراً ، فهل يجمل بعد ذلك أن يرميك بجارحة القول ويتهمك بالغفلة ويصنفك من الغافلين ، فمن العجيب أن يزدري المرء أخاه ولا يقيم له وزناً ويصغر في عينه بين ليلة وضحاها .
قطع أواصر الأخوة وحلق بعيداً عنها في جو غير جوها ، وهام في وادي غير واديها ، فهنيئاً لك ياصاحبي بمن ضممت إلى كنفك ، وهنيئاً لك بما كسبت من أصدقاء أوفياء ، إنها أخوة انقضت ولكن نفسي امتلأت منها عبرة ، وبمصائب الأيام ومصارع الكرام يتعض الرجال .
كان لي صديق ، مرض مرضاً شديداً ، وكاد يشرف على الموت لولا أن الله شمله برعايته الإلهية فشفاه منه ، كنت أحبه لصلاحه ودينه وفقره ومرضه فكان يؤنسني بكلامه ووقفاته الجميلة .
كنت أزوره كثيراً في كل يوم ثم بَـلدت اللقاءات ، ورثت حـِبَالُها ، وأصبحت أثقل على النفس من حديث رتيب معاد ، وأصبح صاحبي لا يحزن للفراق ، ولا يحرص على اللقاء بل يتهرب منه ويعتذر عنه بأعذار واهية ، فرابني من أمره مارابني فتقصيت أمره فوجدته يختلي بأصدقاء كـثر يطوف للقائهم في أرجاء المدينة وربما بيت عندهم أحدهم الليالي ذات العدد ، وقد ضمَّ كنفه أصدقاءً كانوا بُـعداء وفي بعض أيام حياته ربما كانوا له أعداء ، وكان يجلس الساعات يتحدث عن إسائاتهم الكثيرة والمتكررة تجاهه وازدرائهم له ، وكيف كانوا لا يوقيرنه ولا يحترمونه .
فأخذت مخيلتي تحدثني : أن الصداقة في هذا الزمن ماهي إلا أوهام وهموم وأكدار ، فدفعت ماخطر ببالي دفعاً، مالعذر في الهجر إذن ؟ ولما كل هذا الفراق ياترى ؟ إن ما ألمَّ بقلبي من الهم ماألمَّ لأن بين جنبيَّ قلباً يـُلِمُ به من الهم والحزن ما يـُلِمُ بغيره من القلوب الوفية على فقد صاحب أو صديق ؟
دخلت منزله بعد طوال غياب ، فلم أجد المنزل الذي أعرفه ، ولم أجد صاحبي فيه ، وإن كان يجلس جنبي ، فوالله لم أسء إليه يوماً ، ولم يسء إليَّ ، وشعرت لحظتها أن قلبينا تنافرا وروحينا افترقتا ، فأنكرت صاحبي الأول الذي كنت أعرفه ، وأنكرني وقررت هجره بعد أن هجرني لأشهر عدة ،
فكان يَـمُرُّ بخاطري ويجول فيه أفكار وهواجس وكنت أصارع النفس واكبح جماحها نحو شوقها إليه ، وألجمها بلجام الصبر ، وأخذت افطمها كفطام الرضيع عن لبن أمه ، وقد ملكت زمامها بعد أكثر من شهرين من الصراع معها بعد أن تبين لي أن صاحبي مُصرٌّ في موقفه من مقاطعتي وهجراني ولا يلتفت إلى كل النداءات والعتاب على هذا الفراق متناسياً تلك الصحبة ، ولا يصلني إلا بعد أن يلاقي من التأنيب والتوبيخ من الزوجة والأهل فيزورني على استحياء من أمره لدقائق عديدة وكأنه يجلس على جمرٍ .
زرته في بيته ، وسألته لما هذا الهجران والصدود ، أطرق برأسه ساعة وعالج هواجس نفسه ونوازعها فنظر إليَّ نظرة العاتب اللائم ، وابتسم ابتسامة علمت منها ، إن الرجل يريد إن يقول لي شيئاً قد أضمره في نفسه منذ زمن ولكنه لا يستطيع البوح به ، وخرج عن صمته المألوف وقال لي : إني لا اخرج من بيتي ولا أريد أن التقي بأحد يشغلني عن ربي عزوجل وعن ذكره ، وأنا أرى ياصديقي إنك في غفلة عن الله ، إنك غارق في كتاباتك ومطالعاتك ودراساتك ، فهذه هي الغفلة عن الله .
وكأن لسان حاله يقول لي : إن القرب منك شاغل لي عن ذكري وصلتي بربي فلا أريد صحبتك .
فقلت في نفسي : أسأل الله أن يجعلك من الذاكرين ومع الذاكرين وفي الذاكرين ، ولكني دهشت ، وغصصت بريقي مما سمعت حتى ما أجد بلّة أحرك بها لساني ، فكأن هذه الكلمات قطع من لهب تُـصَبُّ في أذني لتحرق مابقيّ من واعز الأخوة في القلب ، فعجبت لشأنه ، وقلت في نفسي : لقد هُـنتُ عليه وازدراني في نفسه ، وهانت عليه قبل ذلك أواصر الأخوة والصداقة ، فحلَّ الفراق ، فهان عليّ بعد أن هُـنتُ عليه .
ياللعجب خان وديّ ، ونقض عهد الأخوة لا لذنب جنيته تجاهه ، إلا اني اتخذته أخاً وصديقاً وكنت له كالريح المرسلة لا تأتيه إلا بخير ولا تحمل له إلا خيراً ، فهل يجمل بعد ذلك أن يرميك بجارحة القول ويتهمك بالغفلة ويصنفك من الغافلين ، فمن العجيب أن يزدري المرء أخاه ولا يقيم له وزناً ويصغر في عينه بين ليلة وضحاها .
قطع أواصر الأخوة وحلق بعيداً عنها في جو غير جوها ، وهام في وادي غير واديها ، فهنيئاً لك ياصاحبي بمن ضممت إلى كنفك ، وهنيئاً لك بما كسبت من أصدقاء أوفياء ، إنها أخوة انقضت ولكن نفسي امتلأت منها عبرة ، وبمصائب الأيام ومصارع الكرام يتعض الرجال .
الاولياء
الأخفياء
في مجلس أحد الأصدقاء يلتقي ستة من الأولياء الأخفياء ويبدأ الحوار وتبدأ الجلسة بعرض مواهبهم الخارقة وكأن موازين الكون في أيديهم ، وكل واحد منهم يدعي أنه خير من الآخر ، ثم ينطلق الحوار والسجال حول الرؤى التي يرونها في منامهم وأنهم في كل يوم يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد وردني قول عن أحدهم لا أعرف مدى صحته أنه يدعي أن مقود الدنيا الأيمن في يده وهو يتحكم في الكون كيفما شاء ، والعجب كل العجب أن يتواطؤا جميعاً على الكذب وجميعهم ومن في المجلس يعرف أن أحدهم يكذب على الآخر دون أن يردعه أو أن يقول له : انك كاذب.
وفي أحد الأيام لم أتمالك نفسي ، فقلت لهم جميعاً : إنكم كذبة لو كان لديكم مالديكم من الولاية أو الصلاح ، ولو أنكم في كل يوم ترون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتغير حال القرية التي نسكنها أو لتغير حال أسركم التي هي أبعد ماتكون عن الله ، وكيف يكون أحدكم ولياً ، وليس لديه أي تقوى أو صلاح ، وليس لديه من العلم مالديه ؟! بل يطوف أحدكم اليوم كاملاً بدون أن يغتسل من الجنابة ولا يصلي لله فرضاً واحداً في ذلك اليوم بحجة عدم توفر الماء الساخن في البيت ، أو انه جاء إلى مجلس الذكر في عجلة من أمره فلم يستطع أن يغتسل ، ولا أريد أن أدخل في صفات الولي ومن هم الأولياء حقاً لأنها معروفة لديكم ، ولكني أقول لكم أنكم مُدعون وكذابون، انتهى اللقاء بعد إن حمرت الأحداق واكفهرت الوجوه وعلتها سحابة سوداء ، وأصبحت كأني مرقت من الدين بكلامي هذا .
وأنا أتسال إلى متى نبقى نصدق مثل هؤلاء ؟ ، والى متى نهرول خلفهم ؟ والى متى نبقى لا نردعهم بل ونجاريهم في كذبهم وادعائهم ؟ ونبحث عن الولاية المفقودة المزعومة كما يدعون ، ونريد الحصول عليها بدون بذل وعناء أو جهد جهيد ، وكأن الوصول والقرب إلى الله بالتقصير والتفريط بالعبادة وفيما شرع ، وكأن القرب إلى الله بالانتساب إلى أحد المشايخ أو حمل صورته ، أو بخوارق الأمور أو بتوقير الناس لمثل هؤلاء .
قبل هذا البيان كنت لديهم الشيخ الفاضل ، وبعد هذا البيان أصبحت كأني شيطاناً قادماً إلى أي مجلس هم فيه ، وإذا جاءوا إلى مجلس أنا فيه هربوا منه كما قال الله تعالى واصفاً حال öكَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ )هؤلاء القوم قديماً وحديثاً : (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ .
في مجلس أحد الأصدقاء يلتقي ستة من الأولياء الأخفياء ويبدأ الحوار وتبدأ الجلسة بعرض مواهبهم الخارقة وكأن موازين الكون في أيديهم ، وكل واحد منهم يدعي أنه خير من الآخر ، ثم ينطلق الحوار والسجال حول الرؤى التي يرونها في منامهم وأنهم في كل يوم يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد وردني قول عن أحدهم لا أعرف مدى صحته أنه يدعي أن مقود الدنيا الأيمن في يده وهو يتحكم في الكون كيفما شاء ، والعجب كل العجب أن يتواطؤا جميعاً على الكذب وجميعهم ومن في المجلس يعرف أن أحدهم يكذب على الآخر دون أن يردعه أو أن يقول له : انك كاذب.
وفي أحد الأيام لم أتمالك نفسي ، فقلت لهم جميعاً : إنكم كذبة لو كان لديكم مالديكم من الولاية أو الصلاح ، ولو أنكم في كل يوم ترون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتغير حال القرية التي نسكنها أو لتغير حال أسركم التي هي أبعد ماتكون عن الله ، وكيف يكون أحدكم ولياً ، وليس لديه أي تقوى أو صلاح ، وليس لديه من العلم مالديه ؟! بل يطوف أحدكم اليوم كاملاً بدون أن يغتسل من الجنابة ولا يصلي لله فرضاً واحداً في ذلك اليوم بحجة عدم توفر الماء الساخن في البيت ، أو انه جاء إلى مجلس الذكر في عجلة من أمره فلم يستطع أن يغتسل ، ولا أريد أن أدخل في صفات الولي ومن هم الأولياء حقاً لأنها معروفة لديكم ، ولكني أقول لكم أنكم مُدعون وكذابون، انتهى اللقاء بعد إن حمرت الأحداق واكفهرت الوجوه وعلتها سحابة سوداء ، وأصبحت كأني مرقت من الدين بكلامي هذا .
وأنا أتسال إلى متى نبقى نصدق مثل هؤلاء ؟ ، والى متى نهرول خلفهم ؟ والى متى نبقى لا نردعهم بل ونجاريهم في كذبهم وادعائهم ؟ ونبحث عن الولاية المفقودة المزعومة كما يدعون ، ونريد الحصول عليها بدون بذل وعناء أو جهد جهيد ، وكأن الوصول والقرب إلى الله بالتقصير والتفريط بالعبادة وفيما شرع ، وكأن القرب إلى الله بالانتساب إلى أحد المشايخ أو حمل صورته ، أو بخوارق الأمور أو بتوقير الناس لمثل هؤلاء .
قبل هذا البيان كنت لديهم الشيخ الفاضل ، وبعد هذا البيان أصبحت كأني شيطاناً قادماً إلى أي مجلس هم فيه ، وإذا جاءوا إلى مجلس أنا فيه هربوا منه كما قال الله تعالى واصفاً حال öكَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ )هؤلاء القوم قديماً وحديثاً : (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق