الزوجة
الهاربة
نشأ يتيماً
وعانى من اليتم والفقر والجوع كثيراً،
فأصبح هاجس الغنى ومخافة الفقر دائماً بين عينيه ، يبحث عن المال في أي عمل كان ،
ولايبالي برضا من رضي وسخط من سخط من الناس ، المال مقصده وقبلته ، أخذ يعمل في
بيع السيارات ، وفي تأجير الأراضي ، وبيع الأعلاف ، وفي تعقيب المعاملات الرسمية ،
تزوج في بيت متواضع بزوجة مطيعة ، صالحة ، صابرة ، صبرت على فقره لسنوات عديدة
وأنجبت له عشرة من الأبناء الذين أصبحوا يده الضاربة في عمله ، كأنها نسمة من هواء
عليل، وهي من أشد النساء طاعة لزوجها وإخلاصاً له ، كان مهذاراً ، كثير الحلف في
بيعه وشرائه .
في إحدى
الأيام وهو داخل إلى محكمة مدينة الموصل لتعقيب إحدى المعاملات ، شدَّت انتباهه
امرأة جميلة محتشمة ، تجلس على باب المحكمة ، تبكي بكاءاً شديداً فوقف برهة
متسائلاً مابها ؟ ثم تجاوزرها وسار في طريقه نحو الداخل ، أمضى عدة ساعات في داخل
المحكمة ثم خرج منها قبيل الظهر بقليل ، فرءاها لازالت تجلس في مكانها والدموع
تسكب من عينيها وهي مطأطئة الرأس نحو الأرض وعلى وجهها يبدو الحياء ، لا تنظر إلى
الرجال ، وكعادته دائماً كان المبادر
والسباق في تقديم المساعدة لكل محتاج ، فقال في نفسه يالها من مسكينة فتقدم إليها
، وقال لها : مابك ياأختاه ؟ هل تحتاجين إلى مساعدة كي أقدمها لك ؟
قالت : لا شكرا لك ؟
قال: لماذا تبكين إذن ؟
قالت : زوجي سامحه الله
وغفر له ، طلقني قبل قليل وذهب .
فقال: لماذا لاتعودين
إلى أهلك ؟
قالت : أخشاهم كثيراً ،
سوف يقتلونني إذا علموا بطلاقي فلن أعود إليهم حتى أتزوج من زوج آخر ، أتوسل إليك
أن تعينني حتى أجد لي زوجاً يسترني .
وقعت هذه
الكلمات في قلبه موقعاً شديداً ولعب الشيطان في رأسه وتوسم فيها الخلق العالي ،
وأغراه جمالها فقال من فوره هل ترغبين بي زوجاً لك ؟
قالت : نعم .
فتزوجها دون
أن يفرض لها مهراً بعد أن عقد عليها عقداً خارجياً عند أحد ( الملالي )، واستقر في
بيت أخيه في مدينة الموصل لعدة أشهر ، شاع خبر زواجه في القرية ، بعد أن كثرت
رحلاته إلى مدينة الموصل ، وطال مكثه فيها عدة أيام في كل أسبوع ، فعلمت زوجته
الطيبة بزواجه ، فطلبت منه أن يأتي بالزوجة الثانية إلى بيته في القرية وينهي هذه المعانات التي
يكابدها ، ويستقر في عمله بين أهله وأبنائه .
قدم بها إلى القرية ، وأخذت نساء القرية
بالتوافد إلى بيت أبي سليم لرؤية زوجته الثانية ، وللتهنئة بالزواج ، ولكن أمراً
لم يكن في الحسبان وقع ، تعرفت إحدى نساء القرية على الزوجة الثانية ( العروس) ،
لتخبر كل من في المجلس من النساء بإنها زوجة أبيها الفارة من بيته منذ عدة أشهر
بعد أن سرقت منه مبلغاً كبيراً من المال
فوجمت النسوة عن الكلام .
انتشر الخبر
في أرجاء القرية كالنار في الهشيم ، وأصبح حديث المجالس ، ولكن أبا سليم لا يصدق
مايقال عن زوجته ، وأخذ يكذب مايقال عنها ، ويقول: من الذي يقول إن ماقالته هذه
المرأة صحيح ، مُدعياً أن هذا القول ماهو إلا شائعة من الشائعات الكثيرة التي
تطلقها النساء والهدف منها تشويه سمعة زوجته (الثانية) نصرة من نساء القرية لزوجته (الأولى) أم سليم .
بعد هذه
الحادثة لم تمض عدة أيام إلا وعدد من السيارات تقف أمام دار أبي سليم تبحث عن هذه
المرأة وإذا به الزوج الأول الذي لازالت على ذمته ، كان رجلاً كبيراً في السن قوراً
، سيما الصلاح والغنى باديان على محياه ومظهره الخارجي .
لم يأتِ
لاستردادها إنما جاء لاسترداد ماله الذي سرقته فقد طلقها بعد السرقة بأيام ، فقال
لأبي سليم وقد أخفى خبر طلاقها عليه : إنها زوجتي ولم أطلقها فكيف تتزوج من امرأة
متزوجة من زوج أخر ، اني لا أريدها بعد أن هربت ومرغت أنفي بالتراب ، دعها لك ،
ولكني أريد مالي الذي قامت بسرقته ، وبعد أن تدخل أهل القرية وفي احد مجالسها ،
تـَمَّ الصلح بينهما ، وقام أبو سليم بدفع المال الذي سرقته من زوجها الأول ، وقام
الزوج الأول بتطليقها أمام الجميع لإصرار أبي سليم على ذلك برغم قول الزوج الأول
انه طلقها منذ هروبها ، ولكنه قال كلمات على مرأى ومسمع من أهل القرية : إنها لن
تبقى عندك طويلاً ، وسوف تهرب منك أيضاً لتـتزوج من زوج آخر ، لأنها خدعتني
وتزوجتني وهي بعصمة زوجها الأول ، وتزوجتك وهي بعصمتي ، ولا نعلم من كان قبلنا ولا
من سيكون بعدنا ، فخذ حذرك منها إنها امرأة ماكرة غادرة خائنة .
خرج إلى
عمله فوجدها على الطريق تريد الهرب من البيت مدعية أنها تريد زيارة أختها في مدينة
الموصل ، وتكرر الهرب منها ، ولكن لا أحد من أبناء القرية يجرؤ على حملها في سيارته بعدما قال زوجها الأول
ماقال مخافة أن يتهم انه هو الذي قام بتهريبها من زوجها أبي سليم لغرض في نفسه
شدد أبو
سليم الحراسة والمراقبة عليها ليس من أبنائه وأقربائه بل من جميع أفراد القرية ،
لا يستقبلها أحد في داره مخافة السُبّـة التي سوف تلحقه من فعلها .
ضاق عليها
الخناق ولم تستطع الهرب ، ولم يسمح لها أبو سليم بزيارة أحد من أقربائها لأنه
مُـكذب لها ولا يثق بتصرفاتها ، فقامت في أحد الأيام بصب الوقود (البنزين) على
ثيابها وقامت بإحراق نفسها ، ولكن سليم قام بإطفائها فنجت من موت محقق ، وبعد حوار
طويل وجدل وخصام بين أبي سليم وإخوته ، قام بتطليقها ، لم يمض على زواجهما أكثر من
ستة أشهر ، وبذلك خسر سمعته والكثير من ماله فداءاً لها ، وأصبح حديث المجالس لعدة
أشهر في القرية .
* * *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق