بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة إلى والدتي الحبيبة
إن هذه الرسالة لها حكاية ، أدخلت أمي المستشفى بعد آلام ألمَّت بها وخرجت لعدم السماح لي بالمبيت في المستشفى ، وكتب هذه الرسالة بعد صلاة الفجر وألقيتها في خطبة عيد الفطر في جامع الهدى سنة 2007 وابتدأتها رسالة من عاق لأمه وكثير منكم أيها الشباب مثلي فبروا أمهاتكم في هذا اليوم .
والدتي العزيزة :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
في اليوم الذي أدخلتك فيه المستشفى ورأيت عينيك ذابلتين وقدميك لاتستطيعان حملك ، ولم أرقد معك تذكرت يوم أن مرضتُ وحملتيني وأدخلتيني المستشفى وسهرت لأجل مرضي الليالي الطوال حتى شفيتُ وخرجت من المستشفى ، وعندما أدخلتك المستشفى وضعتك على كرسي متحرك أدفعك فيه ووضعتك على سريرك وخرجت من المستشفى عائداً إلى بيتي دون أن أرقد معك فشتان مابين حامل ودافع وساهر ونائم ومقيم ومغادر ، وفي طريق عودتي تذكرت قصة قرأتها يوماً عن رجل ألقى أمه في وادي الذئاب ، فالوادي اليوم ياأمي قد تغير فالعيش في هذه الحياة وسط هذه البشرية كأنها ذاك الوادي ، ولكن ذئاب اليوم هي ذئاب بشرية ، وأنا فعلت كما فعل لكن بصورة أخرى تركتك ياأمي في القرية تعانين شظف عيشها وقسوتها ، وانتقلت بسكني بعيداً عنك وانشغلت عنك بالزوجة والأولاد ومشاغل الحياة ، وتركتك تعانين ألم الفراق والمرض والعوز والحاجة ، ولكن عذري يا أمي إني لم أهجرك بمليء إرادتي وإنما أُخرجتُ رغماً عني فقد أخرجني الغرباء وأبعدوني بعيداً عنك .
وإليك القصة يا أمي : حملَ رجلٌ أمَهُ وألقاها في وادي الذئاب لتأكلها لأنها تشاجرت مع زوجته وسار بعيداً عنها ، وهناك وقف وقفة متأمل فحاسبته نفسه على فعله ولسان حالها يقول له : إن الزوجة إذا ما متّ تبحث عن زوج آخر ولكن أمك سوف تبكي عليك السنوات الطوال ،أمك حملتك في بطنها وهناً على وهن ، وعانت آلآلام المخاض ، وأرضعتك من صدرها لبناً دافئاً لمدة سنتين ، وغسلت بيديها العذرة عنك ، وسهرت عليك الليالي الطوال من أثر الحمى ، ويكون هذا الجزاء لها منك والله أن هذا ليس بعدل ، فعاد أدراجه متنكراً إليها ، قائلاً لها: من وضعك هنا ياخالة ؟
قالت : ياولدي إذهب بهذا الطريق إن ولدي سار فيه وأخاف أن تأكله الذئاب ، ياالله ياالله ياقلب أمي ، مارحمك بي ، ماأعظمك يا أمي . ماأحنك عليّ .
كم تركتك يا أمي تعانين الآلام على الأسرة البيضاء في المستشفيات دون أن أرعاك ؟ كم تركتك يا أمي عارية ممزقة الثياب دون أن أمد يدي إليك كي أكسوك ؟
كم تنعمتُ بالخيرات والملذات وأنت تعانين الحاجة والعوز ولم أكن يوماً بمالي أواسيك .
كم تنعمت بأجهزة التكييف وأنت تعانين البرد في الشتاء والحر في الصيف دون أن اخفف من معاناتك .
يا أمي : يامن يرحمني الله في الدنيا لأجل عينيها ، فلماذا أنا بأفعال القباح أُُوذيك .ضميني إلى صدرك يا أمي ، ودعيني بدموعي أغسل قدميك ، كم اشتاق إليك يا أمي وأدعو الله من قلبي أن يشفيك ، احبك يا أمي ([1]).
ولدك جاسم
2/8/2007
[1] - وبعد خروجها من المستشفى قالت : تقدّم شاب لخطبة فتاة ولكن كان شرطها أن لاتعيش مع أمه فردّ عليها في هذه الأبيات:
سمعت ملهوف الحشى مرسلن لي *** رساله تجعلني أسرع بفرقاه
إن كان قصدك يالغالي التغلي *** مابيك والمغرور ما أشفق بلاماه
أمي لو شافت خيالي تهلي *** ولا الغضي لاشافت غيري تحلاه
ثلاث سنين وديدها سقمتن لي *** أنقز على المتنين وأصيح يُماه
وأمي مالها عن الشمس ضلي *** ولا الغضي لادوّر الظل يلقاه
ينظر : منتدى الحياة الموصلية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق