( 1929- 2012)
غانم سعدالله
عبدالله حمودات من مواليد مدينة الموصل سنة 1930، وقد نشأ في بيت محافظ كان والده
رحمه الله قارئاً للقرآن غيوراً على الدين وعمه من حفظة القرآن القلائل في الموصل
آنذاك وقد ختم غانم حمودات القرآن في أحد المساجد قبل أن يدخل المدرسة الابتدائية
، تلقى تعليمه في مدارس الموصل وتخرج في الثانوية وأنتسب إلى دار المعلمين العالية
ببغداد ( كلية التربية منذ 1958) وحصل على شهادة الليسانس في اللغة العربية فيها
بمرتبة الشرف سنة 1953.
وقد كان منذ تتلمذه
متديناً وبعد أن دَرّسَ اللغة العربية فترة من الزمن طلب التفرغ لتدريس الدين وراح
ينتقل من مدرسة إلى أخرى لبث التعاليم الدينية بين الطلاب وكان يقيم لهم سرادقات
(شاروق) ، ضمن أنشطة جمعية الإخوة الإسلامية لتمرينهم على السباحة وإعطائهم دروساً
دينية ، وانتقل إلى الإعدادية المركزية ثم إلى الإعدادية الشرقية المعروفة برصانتها
العلمية .
كان الأستاذ غانم
حمودات من ابرز المربين في الموصل ، وأكثرهم حيوية واستقامة تتلمذت على يديه أجيال
عديدة من الطلبة الذين لايزالون يفخرون به وبعلمه وماتعلموه منه من فضائل وخلق ،
ولم يكن غانم حمودات بعيداً عن مايجري حوله .. فلقد كان واحدا من الطلبة الذين
هزتهم أحداث فلسطين الدامية واغتصاب اليهود لها وإقامتهم دولة على أرضها .. في
نيسان 1948 اعتصم طلبة الإعدادية المركزية وهي المدرسة التي درس فيها ، وأعلنوا الإضراب
وطالبوا بإرسال الجيش العراقي إلى فلسطين ، وتشير الوثائق المتداولة أن غانم
حمودات هو الذي دعا الطلاب إلى الاعتصام والإضراب ، كما كان وراء مقترح لإنشاء
صندوق لفلسطين يتبرع فيه الطلاب كل أسبوع ، وقد نشرت جريدة النضال خبر تأسيس هذا
الصندوق وأهابت بطلبة العراق جميعاً أن يحذوا حذو طلبة الموصل .
كانت لغانم حمودات
علاقة بجماعة الإخوان المسلمين وقد ابتدأت هذه العلاقة سنة 1947، وتوثقت أيام كان
طالباً في دار المعلمين العالية حتى انه صار مسؤولاً عن ( الاخوانيين ) في كليات
بغداد وممثلاً لهم في اللجنة المركزية وكثيراً ماوقف خطيباً باسمهم ونيابة عن
زملائه من الطلبة .
وبعد نجاح ثورة 14
تموز 1958 ، وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق وتفاقم المد الشيوعي ،
وتشكيل ( التجمع الديني القومي في الموصل ) لمواجهة ذلك ، كان الأستاذ غانم حمودات
ممثلاً للإخوان المسلمين في هذا التجمع ، وبلغ به الأمر انه كان يعد الخطب
المناوئة للفكر الشيوعي وإرسال شباب الإخوان المسلمين لإلقائها في الجوامع بعد
الانتهاء من صلاة الجمعة .
وبعد إخفاق ثورة
الموصل المعروفة بثورة العقيد الركن عبدالوهاب الشواف في آذار 1959 اعتقل الأستاذ
غانم حمودات مع عدد كبير من شباب الموصل وسفر إلى بغداد وأعيد إلى موقف شرطة
السراي في الموصل وأفرج عنه بعدئذ وعوقب بسحب يده من الوظيفة واستمر الأمر أحد عشر
شهرا وأعيد إلى التدريس ونقل من متوسطة الحدباء إلى الإعدادية الشرقية في شباط
1960ومكث في هذه المدرسة حتى أواخر سنة 2004 أي انه مارس التدريس قرابة خمسين عاما
وبضعة أشهر .
يقول عن الفترة
الطويلة التي مارس فيها التدريس (( لازلت أحن إلى التدريس ، ولولا عوائق من اعتلال
الصحة وسواه لبقيت في هذه المهنة العظيمة ))، والمعروف أن الأستاذ غانم حمودات قد
أحال نفسه على التقاعد في 30 حزيران 1993 ولكنه أعيد إلى التدريس وعمل محاضراً
لحاجة الإعدادية الشرقية إلى خبرته الطويلة في حقل اختصاصه وهو التربية الإسلامية
واللغة العربية .
يقول الأستاذ غانم
حمودات في رسالته المؤرخة في 28 ذو القعدة 1426هـ الموافق لليوم 30 من كانون الأول
2005 والموجهة إلى زملينا العزيز الأستاذ احمد سامي الجلبي رئيس تحرير جريدة فتى
العراق الغراء : (( واني لأذكر من باب التحديث بالنعمة ، حرصي الشديد على التدريس
، والا تفوتني حصة واحدة ، واني في ذلك الحرص والنشاط أتفوق على زملاء كرام في
المدرسة منهم من سبق أن درستهم على رغم تقدم السن ، واعتلال الصحة ، ومما وفقني
الله عزوجل إليه إقامة ليلة القدر الشريفة في الإعدادية الشرقية أكثر من عشر سنين
، وقد جاوز عدد التلاميذ المقيمين لليلة الشريفة (170) تلميذا في بعض السنين ، ثم
شرعنا نقيمها بعد ذلك في الجوامع ، كما وفق الله سبحانه وتعالى ، فكان لنا السبق
في بناء مسجد المدرسة ، وما أسعدني وقد كنت أرى التلاميذ يتسابقون إلى الوضوء في
البرد القارس ، ويؤدون الصلاة فرادى وجماعة في المسجد ، وما أسعدني وأنا أرى
الوفاء من أبنائي التلاميذ واسمع ذكرهم لما كنت أهديهم إليه وأحثهم عليه .. )) .
في الوثائق الرسمية
وملفات المديرية العامة للتربية في محافظة نينوى وخاصة الملف الشخصي للأستاذ غانم
حمودات ، الكثير من تقارير مدراء التربية ، والمفتشين ( المشرفين ) التربويين عن
نشاط وجهود هذا الرائد الكبير من رواد حركة التربية والتعليم في العراق ، ولا يتسع
المجال هنا لسرد ماتتضمنه تلك التقارير ، فعلى سبيل المثال كتب مدير معارف ( تربية ) لواء الموصل نعمان بكر التكريتي
(1955-1956) تقريراً في 14 آب 1955 عن الأستاذ غانم حمودات عندما كان مدرساً في
متوسطة الحدباء التي عُيِّنَ فيها لأول مرة (13 تشرين الأول 1953م ) يقول: إن الأستاذ
غانم حمودات (( على جانب من كرم الخلق وحسن السيرة ، هاديء الطبع ، قوي الشخصية ،
رجل علم وعمل ، وصاحب دين وعقيدة ، غزير المادة ، واسع الاطلاع ، يحسن مهنة
التعليم ويفتخر بها ، يعمل متفانياً في غرس الفضيلة والعلم في نفوس النشىء ممتزج
مع إدارة المدرسة وهيئتها التدريسية ويحمل له الجميع الحب والاحترام والتقدير ،
شديد الحرص على أداء واجباته ، ويعمل جهده في ميدان النشاط اللاصفي ، بعيد عن الآراء
السياسية نرجو إبقاءه ... )) . وقد أيد الأستاذ صلاح الدين النوري مدير متوسطة
الحدباء آراء المشرف التربوي وأعاد تأكيدها في تقريره خاص به مع اقتراح إضافة وهو
(( ضرورة تقديم الشكر والتقدير له ليكون مثلا صالحا يقتدى به )) جميع أعضاء الهيئة
التدريسية .
وفي 25 من نيسان
كتب 1954 كتب الأستاذ عوني بكر صدقي مدير معارف لواء الموصل تقريرا عن الأستاذ غانم
حمودات والذي كان عمره آنذاك يتجاوز الـ ( 24 ) سنة ، أي انه كان في بداية ممارسته
التعليم جاء فيه (( شاب مثالي ، ذو خلق متين وسلوك حسن ، شخصية جيدة ، ومعلوماته
غزيرة ، يحسن مهنة التعليم ويعتز بها ، قابلياته ممتازة ، كثير المطالعة والتتبع ،
يعمل واجباته بكل حرص وإخلاص ، ويساهم كثيراً في مجال النشاط اللاصفي في كثير من
اللجان ، محبوب جداً ، ومحترم من الجميع ، ممتزج مع إدارة المدرسة وهيئتها
التدريسية بالرغم من حداثته في سلك التعليم إلا انه اثبت جدارته وكفاءته لهذا
العمل بنجاح )). وغيرها من التقارير من مدراء المعارف (التربية ) أو المشرفين أو
مدراء المدارس التي عمل بها .
وحصل على العديد من كتب الشكر والتقدير من
المديرية العامة لتربية نينوى .
وكتب الدكتور
عبدالله فتحي الظاهر قصيدة بعنوان إلى سيدي غانم حمودات :
|
فاح الصَّباح لذكركم
أطيابا
|
|
وَأتى القلوب ففتَّحَت
أبوابا
|
|
ياسيداً عَلماً
مُرَبِّيَ قادةٍ
|
|
شيخَ الرجال أرومة
وَنِصابا
|
|
جاوزتَ للعليا ربّى
وشِعابا
|
|
وَعَجَمتَ عُودَ الضَّعف
جُزتَ صِعابا
|
|
وَسَلكتَ لا تلوي
السبيلَ مُعزَّزا
|
|
وَمَضيتَ مَهَّدتَ
العُلا أسبابا
|
|
وَهَوَيتَ للأيام تسحقُ
صلبَها
|
|
وتجوزُ ما استعصى حَشى
وإهابا
|
|
ماهان مِنكَ العزمُ
يوماً إنما
|
|
عَلتِ العزيمةُ هِمَّة
ورغابا
|
|
قد طالما خبَّ المَطِيُّ
بكيدهم
|
|
فغدَت مكائدهم هَوى
وخرابا
|
|
يا غانمَ الخير العميم
تحية
|
|
ما خابَ وصفكَ غانماً ما
خابا
|
|
كم ذا وهبتَ الغانمات
تكرُّماً
|
|
وَقدَحتَ - تهدي المُدلِجينَ
- شهابا
|
|
فاهنأ فهذا قِطفُ غرسِكَ
سيدي
|
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق