الجمعة، 25 مايو 2012

عبدالباري إبراهيم مصطفى


عبدالباري إبراهيم مصطفى
( 1951ـ 2008)
ولد الأستاذ عبدالباري إبراهيم مصطفى في عام 1951 في محلة حسن كوي في قضاء تلعفر , أكمل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في مدارسها , ثم التحق بجامعة الموصل ، وتخرج من كلية العلوم ، قسم الكيمياء في عام 1974 , عمل في سلك التدريس فكان معلماً ناجحاً وأباً حنوناً لطلابه إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1993 ، ثم تفرغ للتجارة إذ عمل تاجراً للأقمشة , فكان نموذجاً للتاجر المسلم الصدوق مع ربه ومع الناس .
تزوج الشهيد ـ رحمه الله ـ في عام 1976 فكان ثمرة هذا الزواج ستة من الأبناء وإثنين من البنات , وأثناء مدة تدريسه وتجارته , كان الشهيد رحّالاً جوّالاً من بلد إلى آخر داخل العراق وخارجه , فقد زار معظم البلاد العربية وأدّى فريضة الحج سنة 1976 والتقى فيها بالشيخ عبدالله عزام ـ رحمه الله ـ  ومن خلال هذه الزيارات أطلع عن كثب على أحوال هذه البلاد السياسية والإقتصادية والاجتماعية والفكرية .
دخوله للدعوة :
انتمى الشهيد مبكراً إلى الدعوة الإسلامية ، وأصبح عضواً في جماعة الإخوان المسلمين  في عام 1966 ، وكان عمره آنذاك خمس عشرة سنة , وكان رائده ومرشده في هذه الفترة الأستاذ المربي ( حسين عبدالله ملاّ) أحد رواد الإخوان في تلعفر , فضلاً عن علاقته واتصالاته بالمربين الأعلام في الموصل كالأستاذ غانم حمودات والدكتور إدريس الحاج داود ـ رحمه الله ـ والشيخ إبراهيم النعمة .
وقدّر للشهيد أن يكون قائداً من قادة الفكر الإسلامي وعلماً من أعلامه , قاد التنظيم السري الطلابي في جامعة الموصل ، ثم في قضاء تلعفر , ولم يُبال بسطوة الحكام الطغاة وقسوة أجهزتهم القمعية , رغم كونه في مرمى نيرانهم دائماً .
مع الحزب الإسلامي :
مع دخول قوات الاحتلال العراق في عام 2003 كان الشهيد السعيد من الأوائل الذين أعلنوا انتمائه إلى الحزب الإسلامي بقوة وصراحة , فلم يكن مؤسس الحزب الإسلامي العراقي في تلعفـر فحسب , بل كان أبا ومعلماً ومربياً , واستطاع بقدراته القيادية وشخصيته القوية أن يقود الإخوة في فرع تلعفـر طيلة هذه السنوات التي تعد من أصعب السنوات التي تمر على العراق , رغم اتساع الرقعة الجغرافية للفرع والتي تشمل ثلاثة أقضية هي: قضاء تلعفـر قضاء سنجار وقضاء البعاج .
وتم اعتقاله من قبل القوات الأمريكية مع مجموعة من إخوته من أعضاء الفرع وتم اقتيادهم إلى مطار تلعفر وأفراج عنهم بعد يومين من الاعتقال .
دوره في محنة تلعـفـر :
عندما حلت النكبة بمدينة تلعفر عامي 2004 و 2005 كان الشهيد من أعلى الأصوات التي جهرت بالحق في وجه الاحتلال الأمريكي , كما كان من السابقين إلى غوث المفجوعين ومداواة جراحهم والتخفيف من آلامهم وتقديم  ما أمكن من معونات مالية أو غذائية أو عينية ... فوضع داره وأهل بيته في نفير عام طوال أيام المحنة حسبة لله تعالى وخدمة للصالح العام ومواساة لأهالي تلعفـر المغلوبين على أمرهم وجل أهل المدينة يشهدون له بذلك.


شجاعته :
كان ـ رحمه الله ـ من أفذاذ الرجال في الشجاعة والإقدام مع رجاحة العقل منذ أن شبّ عن الطوق , يذكر لنا إخوانه أنه كان في محاضر ثقافية في عام 1979 وأخذ المحاضر في تمجيد الطاغية وإسباغ الألقاب المعتادة عليه , وكان من جملة ما قاله المحاضر : ( إن السيد الرئيس صدام حسين قد أبدع في وصف الفقه الإسلامي بالفقه الجامد ) .
فما كان من الشهيد ـ رحمه الله ـ  إلا أن انقضَّ عليه كالليث قائلاً له على رؤوس الأشهاد : إن من يقول هذا الكلام لا يفهم شيئاً من أمور الدين أو الدنيا ، عندها توقف المحاضر عن الحديث ولم يستطع الاستمرار في محاضرته .
         وعندما كان أهله يحذرونه من غدر المجرمين ومخاطر الطرق التي كان يسلكها دون حراسة إلا حراسة الواحد الأحد وأنعم بها من حراسة , كان يبتسم بابتسامته المشرقة  ويقول : لكل إنسان يومه وساعته ..... مذكراً إياهم بالآية الكريمة : { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } [آل عمران / 154 ].
مساهمته في أعمال الخير :
لم يكن الشهيد ـ رحمه الله ـ ليأسره حب المال , لذلك كان كريماً مضيافاً سخياً بماله ساعياً لخدمة الأرامل والأيتام ومساهماً في المشاريع الخيرية , موطئاً أكنافه للمتعففين , فقد ساهم في بناء ( جامع التقوى ) في حي النور في تلعفـر , وبناء ( مدرسة المعرفة الابتدائية ) لاستيعاب التلاميذ المهجرين من مدينة تلعفـر إلى  أطرافها , وأسهم إسهامات فعّالة في بناء عدد آخر من المساجد في المدينة , كما كانت له مساهمات محمودة في تزويج كثير من شباب الدعوة ومساعدتهم في حمل أعباء الحياة عنهم .
علاقاته :
بنى الفقيد شبكة عملاقة من العلاقات السياسية والاجتماعية داخل الحزب الإسلامي العراقي وخارجه , فهو الأب والأخ والصديق ، لكل فرد فيهم , وهو مقصد الآمال ومطمح الرجال والبلسم الذي كان يداوي الجراح ويتصدّى لحل المعضلات هنا وهناك في عشيرته أو في غيرها ،  كما كانت شخصيته مؤثرة مشهود لها بالبنان في المحافل والمؤتمرات والندوات الجماهيرية التي يحضرها , محبوباً من الجميع الذين بكوا بحرقة لاستشهاده , فقد وجدوا فيها صمّام الأمان لاستقرار مدينة تلعفـر .
استشهاده :
إن الشهيد ـ رحمه الله ـ كان من أرقّ الناس أفئدة وأسرعهم في إرسال الدمعة من عينيه , رحمة وشفقة على إخوانه , فقد نكب بوفاة أستاذه الدكتور إدريس الحاج داود ـ رحمه الله ـ  ثـمَّ تألم كثيراً لاستشهاد الدكتور الصيدلي عمر محمود عبدالله والأستاذ خالد عثمان أحمد شيخ بزيني , وكانت فاجعته الكبرى باستشهاده رفيق دربه الأستاذ المربي إسماعيل محمد صالح   (أبو سنان ) ـ رحمهم الله جميعاً ـ حتى أذن الله أن يلتحق بهم ويجمعهم في مستقر رحمته جميعاً.
فقد أختاره الباري ـ عزّوجلّ ـ إلى جواره في خير يوم تُعرض فيه الأعمال , ملاقياً ربه مظلوماً شهيداً وهو صائم , إذ قامت عصابة مجرمة باستهدافه صباح يوم الاثنين الـ7/ تموز /2008  أمام داره الكائن في قرية الرحمة في ضواحي مدينة تلعفر , وقد أصابت الرصاصات رأسه ليفارق الحياة على الفور , ملتحقاً بمواكب الدعاة من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً..


نبأ سرى فأثار كامن مهجتي


وعزا فؤاداً لم يكن محتملا

إن النوائب في الحياة كثيرة
 

وأجلها فقد الحبيب معجلا

يا أبا معاذ والفضل فيك سجية
 

قد كنت في صفوف الدعاة منهلا

أسفاً عليك بكل عين أدمع
 

أسفاً على أدب رفيع قد جلا

ولقد عرفت بك الأخوة سمحة
 

بل كنت في دنيا الأخوة مشعلا

أبكي الشمائل والفضائل والنهى
 

أبكي الأخوة والوداد الأكملا
 
ما مات من ترك المآثر بعده


ما مات من كان الداعية الأمثلا([1])



([1]) ينظر : شهداء الدعوة والحركة الإسلامية في الموصل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق