الأحد، 3 يونيو 2012

عبدالله بن أحمد بن حسن المدرس الربتكي


عبدالله بن أحمد بن حسن
المدرس الربتكي
(1060ـ1159هـ /1650 ـ 1746م)
هو عبد الله بن أحمد بن حسن بن  أحمد الزيزي الربتكي.                                               ، المدرس ، العباسي ، الشافعي ، رئيس العلماء، ولد الشيخ عبد الله الربتكي سنة( 1060 هـ / 1650م )، وذهب الأستاذ قصي حسين آل فرج إلى انه ولد في سنة( 1069 هـ /1658م) في قرية ربتك التابعة لقضاء الشيخان ، وهو عباسي النسب هذا ما ذكره المؤرخ ياسين العمري فقال : وذكر ولده الفاضل ملا ياسين : إن لهم نسبة إلى العباس) t ( وكان عندهم نسب فاحترقت قرية ( ربتك ) واحترق النسب في أيام جد([1])المترجم ،وهم من عشيرة البيكات ( العباسية ) فخذ المدرس وهم أسرة علمية موزعة في الموصل وبعض قرى بهدينان ومنها قرية ربتكي.وبعد مقدمه إلى مدينة الموصل ، أخذ يدرس في عدة مدارس منها مسجد المدرس في محلة عمو البقال، وكان هذا المسجد يجاور داره فكان يدرس به وغلب لقبه على المسجد فصار يعرف بمسجد المدرس  ، وكان من مساجد الموصل المعدودة وتخرج منه عدة علماء على يد الشيخ الربتكي
قرأ على شيوخ أجلاء من علماء الأكراد ورحل في طلب العلم إلى أن جمع أشتات الفضائل وشوارد المحاسن حتى صار شيخ وقته وإمام عصره وفريد دهره ثم قدم الموصل ولم تذكر لنا المصادر التاريخية سنة مقدمه ، ذهب الأستاذ المرحوم سعيد الديوه جي فقال : إنه جاء بأمر من الجليليين، وأما الأستاذ بسام الجلبي فقد ذكر انه قدم لإستكمال علومه على يد علماء المدينة ، وكل واحد من الرأيين مقبول عقلياً ومنطقياً ولايمكن الجزم بواحد منهما وربما كان السببان مجتمعين معاً في آن واحد .
وبعد أن توطن الموصل اشتغل عليه الناس وانتفع به العوام والخواص، ورحل إلى القسطنطينية فاظهر علماً جزيلاً وفضلاً طائلاً وصادف قبولاً ثم عاد إلى الموصل. وحج إلى بيت الله الحرام سنة (1147هـ/ 1734م) وكان لا يأخذ جوائز الملوك ولا يقبل صلاتهم ولا يأكل ولا يشرب عندهم ولا يأكل إلا حلالاً ،وكان الحكام يخطبون وده ،عاش مائة سنة على مورد مطحنة،يشغلها بنفسه .
وذكر ياسين العمري انه : كان رفيع الجاه عالي القدر عند الملوك والأكابر متعففاً عما في أيديهم غنياً عما لديهم لا يأخذ جوائزهم ولا يقبل صلاتهم ...وكانت الهدايا تأتيه من النواحي والأطراف فلا يقبل منها إلا ما يغلب على فكره انه حلال خالص وكان إذا حضر عند الملوك لضرورة حوائج الناس يكون صائماً لكيلا يأكل أو يشرب عندهم لذلك كان مجاب الدعوة ما خرج في استسقاء إلا سقوا ولا دعا على ظالم إلا قصم.
 فمن إجابة دعائه:ذكر ياسين العمري في حوادث سنة               ( 1155هـ/1742م ) فقال:وفيها اشتد القحط في الموصل فخرج والي الموصل بالناس للاستسقاء ثلاثة أيام وخطبهم العلامة ملا عبد الله المدرس ولما خطب رفع رأسه إلى السماء وقبض على شيبته وقال إلهي هؤلاء عبادك يظنون بي خيراً فلا تخزني وبكى فما أتمَّ حتى غيمت السماء وجاءت الأمطار كأفواه القرب.
ومن دعائه على من ظلمه: يقول ياسين العمري : إن مراد باشا بن حسين باشا الجليلي: استدعى العلامة حبر العلوم المشهور له بالولاية ملا عبد الله الربتكي المدرس سنة(1159هـ /1749م ).
وكان له أراضي للزراعة  وارمان([2])قد تملكه مراد باشا فأرسل إليه يدعوه فلما دخل عليه تكلم بما لا يليق فخرج ملا عبد الله ودعا عليه وقال:
ألا قولوا لشخص قد تعدا


على شخص ولم يخشَ رقيبه

خبأت له سهاما في الليالي


وأرجو أن تكون له مصيبة

فما مضى عليه أسبوع حتى مات ودفن في مقبرتهم خارج أسوار الموصل. ويقول محمد أمين العمري : وكان عمره يوم وفاته اثنتين وثلاثين سنة  .
وذكر ياسين العمري في حوادث سنة( 1150 هـ/1737م ) فقال  : وفيها حدث بالموصل الطاعون الكبير ومات فيه من العالم خلق كثير فانطق الله بلطفه وكرمه علامة العلوم مركز دائرة الفضل والفهوم مولانا ملا عبد الله الربتكي الشهير بالمدرس فقال لوالي الموصل الحاج حسين باشا الجليلي إذا أمرت بتنظيف الجامع الكبير من القذارات وفرشته بالحصوات وأقيمت فيه الجمعة رفع الله عن خلقه شدة الطاعون فأمر الوالي أن ينادى المنادي في الموصل بتنظيف الجامع المذكور فحضر الخاص والعام وحملوا الزبل والتراب منه وعمروه على ما هو عليه وفرشوه بالحصران وأقيمت فيه الجمعة فخفف الله عن الناس الطاعون وانقطع  . وعلى هذا فقد رمم الجامع بعد أن نظف مما كان فيه وأعيدت الصلاة والتدريس به وكان بإرشاد الشيخ عبد الله الربتكي المدرس واهتمام الحاج حسين باشا الجليلي ، ويتضح من بعض الكتابات التي كانت في مصلى الجامع، أن الترميم الذي قام به الحاج حسين باشا الجليلي كان سنة( 1151هـ/1738م) وفي هذه السنة كان الحاج حسين باشا والياً في الموصل للمرة الرابعة.
 وان الشيخ عبد الله الربتكي كان يدرس في الجامع وأخذ عنه طلاب عديدون وتخرج على يده أكثر علماء تلك الفترة وهكذا عاد التدريس في الجامع بفضل الحاج حسين باشا الجليلي.
قال عنه محمد أمين العمري: كان شيخ وقته وإمام عصره وفريد دهره زهدا وورعا وعفة وديانة وفطانة وتأليفاً وترصيفاً .
وذكره ياسين العمري فقال : الشيخ الربتكي حبر العلوم المشهور له بالولاية . وقال عنه المرادي: شيخ الموصل بلا مدافع ولا ممانع الشيخ الفاضل العامل ... حتى صار آية من آيات الله بالعلم والعمل وأخذ عنه أكثر علماء الموصل وفضله أشهر من أن يذكر . وقال عنه محمد الغلامي : النور الممجد ووارث محمد صلى الله عليه وسلم اشتهاره بالعلم يغني عن الإطناب في مدحه وزناد صيته وذكائه كل منهما يغني عن قدحه.وقال عنه عصام الدين العمري: احد الفحول المعول عليه في الفروع والأصول فهو إمام المتورعين ومرجع المتشرعين ورع الزمان عماد المعارف والإذعان ذو الفنون الغريبة والآثار المطربة العجيبة .
أخذ العلم عن عديدين إلا أنه لم أستطع التعرف عليهم سوى الشيخ يوسف النائب.
وتتلمذ عليه العديد من الطلاب أهمهم :عبد الغفور بن الشيخ عبد الله الربتكي  ، حمد الجميلي ،  موسى الحدادي بن السيد جعفر ، محمد مصطفى الغلامي  ، يحيى بن فخر الدين  المفتي الأعرجي ، عبد الله بن فخر الدين ، حسن بن إبراهيم بن إسماعيل المفتي،ياسين بن الشيخ عبد الله الربتكي .
لقد ترك الربتكي من الآثار العلمية ما يدل على سعة مداركه وثقافته وأنه كان ذا باع طويل في الفلسفة والمنطق والأدب والشعر والنحو وعلوم الاجتماع والأخلاق فضلا عن تأليفه في الفقه والحديث والعقائد و كان له إطلاع واسع  في علم القراءات ، كما يدل دلالة قاطعة على ثقافة واسعة حصل عليها عن طريق دراسته في كردستان العراق على مشيخة الأكراد وفي مدينة الموصل وكان له أسلوب عجيب وابتكار في التأليف يشهد له ما ألفه من كتب ، والحق إن من يقرأ مؤلفاته يجدها في شتى علوم عصره فيقف متحيراً أمام شخصية هذا العالم النحرير الجامع بين المعقول والمنقول .
كان عالماً فاضلاً وأديباً كاملاً ومدرساً قديراً قضى معظم حياته في التدريس فاشتهر بالمدرس وتخرج عليه علماء كثيرون في علوم شتى ومنها القراءات فان سلسلة قراء الموصل بأجمعهم وكثير من قراء بغداد تتصل بهذا العالم الجليل وقد تتبعت سلسلة إسناد قراء المدينة فوجدت معظمها ينتهي إلى عبدالغفور بن عبدالله الربتكي عن الشيخ سلطان الجبوري والشيخ عمر بن حسين الجبوري والشيخ إبراهيم بن مصطفى الموصلي . 
وكان في آخر حياته يؤثر التفسير والحديث والفقه والقراءات على علوم الحكمة والمنطق على انه لم يكن مقصراً في علوم الحكمة والمنطق بل يرجع إليه بها كما ألف في بعضها ودرس هذه العلوم في أول حياته ولكنه اعرض عنها في الأخير، طلب إليه تلميذه الشيخ موسى الحدادي أن يقرأ عليه شرح الهداية وهي من كتب الحكمة لأنه لم يجد من يحسن شرح غوامضها مثل الشيخ الربتكي ، فقال له الشيخ الربتكي رحمه الله : يا بني قد ذهب العمر في هذه الفنون وأرى أن أكف عنها فإن قولي:  قال رسول الله ) r ( كذا أولى وأجدر بي من أن أقول قال أرسطو كذا فاذهب فاقرأه على من شئت فقرا الشيخ موسى الحدادي على صبغة الله الحيدري، وعلى عبد الغفور بن الشيخ الربتكي.
وكان صوفياً عالماً بالتصوف ويدرسه لطلابه هذا ما ذكره سليم النعيمي في ترجمتة لمحمد الغلامي فقال : فانصرف إلى التصوف يدرسه على الشيخ العالم الزاهد عبدالله الربتكي .. وراح يتعمق في دراسة التصوف حتى أنه ألف كتاباً في شرح الكبريت الأحمر للشيخ محيي الدين بن العربي سماه نثر الجوهر شرح الكبريت الأحمر للشيخ الأكبر.ونرجح انه كان خليفة للطريقة القادرية لان الذي يدرس السلوك لابد أن يكون مجازاً به .
كان يجيد ثلاث لغات أو أكثر وهي الكردية والعربية والتركية ، كان الشيخ الربتكي يقرض الشعر وما وقفنا عليه من شعره فهو على قلته يدل على تمكنه في النظم ومن ذلك ما قاله عند ما قرب احتضاره يظهر فيه زهده في الدنيا وما فيها ، راغباً في التوجه إلى رب كريم لا ئذاً به متضرعا إليه أن يتلطف به عند موته وان يحسن لقاءه ولا  يحرمه من رضاه قال صاحب الشمامة أنشدنا ولده قال ارتجل لنفسه آخر عمره وقال:
لقاؤك كل الخير فاسمح بحبه


وطهر فؤادي أن يحب سواكا

فمالي وللدنيا واني مفارق


وخير رفيق عند ذاك رضاكا

فياراحم الأكوان لطفا ومنة


ورفقا وإحسانا بدفع جفاكا

فحاشا يخيب اللائذون ببابكم


وان عظمت أوزارهم بهناكا

الهي بعجزي بافتقاري بشيبتي


وضعف بنائي بابتغاء حماكا

الهي بجاه المرسلين جميعهم


وسيدهم طه ونور سناكا

تلطف بحالي عند موتي وضيقتي


بامن وإيمان وحسن رضاكا

ونطق بتوحيد وتصديق أحمد


ورفع مقام فيه جل عطاكا

وجد بصلاة دائم فيض نورها


عليهم ومن والاهم بولاكا

ونظم الشعر التعليمي فمن ذلك منظومته التي سماها ضابطة الأشكال وقد سماها غيره بنظم الأشكال و منظومة الأشكال الأربعة و منظومة الأشكال المنطقية .
المدارس التي درس بها الشيخ الربتكي :
        مدرسة المدرس : وتقع في جامع المدرس الذي كان يجاور داره فكان يدرس به وغلب لقبه على المسجد فصار يعرف بمسجد المدرس ـ ولم يزل يعرف بهذا الاسم ـ وكان من مدارس الموصل المعدودة وتخرج منه عدة علماء على يد الشيخ الربتكي و دَرَّسَ فيه بعده ابنه ياسين واشتهر المسجد به ـ بعد أبيه ـ فعرف بمسجد ملا ياسين .
 المدرسة النورية : تقع في الجامع النوري  ، وأيضاً دَرَّسَ في داره الواقعة في محلة عمو البقال .
مؤلفاته وآثاره العلمية :
        المنهاج في بيان أحكام العشر والخراج ، زبدة القواعد الفقهية في ضبط الأحكام الشرعية وقع من الفراغ من تأليفه ضحوة يوم الأحد 25ـ  جمادي الآخرة سنة (1137هـ / 1724م) ، رسالة ما لابد منه من معرفة عقائد الإسلام وضعها لعبد الرحمن بيك بن زبير بيك وتشمل على ثلاثة أبواب انتهى منها في 19 ـ جمادي الأخر سنة( 1148هـ / 1735م) .رسالة في بيان أحوال الرافضة، زواهر الزواجر : وهو مختصر كتاب الزواجر لابن حجر الهيتمي ، في خزانة المدرسة الرضوانية .ونسخة منه في خزانة الجامع النوري في الموصل في ( 140 ) ورقة قطع الربع في الصفحة الواحدة ( 21) سطراً.نسخة ثالثة في المكتبة المركزية أوقاف بغداد انتهى من تأليفه بمكة المكرمة سنة( 954هـ/  1547م) وتم الفراغ من نسخه في 25ـ محرم (1177هـ /1763م)، هدي الحكم إلى خير الحكم وهي مختصر كتابه هداية  الحكام إلى خير الأحكام رتبه على مقدمة ومقالة وخاتمة أما المقدمة ففيها بحثان الأول في بيان الخلافة ونصب الخليفة في الأرض والثاني في بيان بعض ما ورد من الآيات والأخبار في بيان وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.وأما المقالة له ففي بيان ما ورد منها أيضا في وجوب العدل وحرمة الظلم وما يتعلق بذلك من المباحث فرغ من تأليفه سنة (1119هـ /1707م) نسخة منه في خزانة الدكتور داود الجلبي .ونسخة منه في مكتبة الجامع النوري مؤرخة سنة( 1141هـ /1728م ) رسالة في خلق الأعمال نسخة منها في المدرسة الحسنية في الموصل ، كتاب نهج المنهج في فقه الشافعية  ، ومنظومة الأشكال ونسخة أخرى في الروض النضر وذكرها المرادي باسم منظومة في الأشكال الأربعة وفي المنظومة يسميها ضابطة الأشكال  ونسخة رابعة في خزانة الأستاذ سعيد الديوه جي برقم ( 218 ) ، رسالة تبحث في قتل المؤمن عمداً وغصب ماله تمَّ الفراغ من تأليفه سنة(1141هـ /1728م) نسخة منها في خزانة الجامع النوري  ، رسالة في العبادات تم الفراغ من تأليفه سنة( 1141هـ /1728م)  نسخة منها في خزانة الرضواني . الزاجر بعدّ الكبائر توجد نسخة منه في مكتبة الأوقاف المركزية في بغداد تحت رقم 1/1328 مجاميع في 12 ورقة كتبها عبدالله بن أحمد العمري سنة( 1163 هـ /1749م) ، رسالة في أصول الدين توجد نسخة منها في مكتبة الأوقاف المركزية في بغداد تحت رقم 6/3754 مجاميع كتبت سنة( 1141هـ /1728م) وكان قد أصابه المرض وأقعده في داره عن التدريس .
توفي الشيخ عبد الله الربتكي سنة( 1159 هـ / 1746 م) في الموصل ودفن رحمه الله بمقبرة النبي جرجيس عليه السلام الشرقية . وكان قبره يزار يقصده المرضى بين مدرستيه. وبعد لقائي بأحفاد الشيخ الربتكي كلاً من رياض وسعد المدرس في 22/6/2009م أخبراني إن قبر الشيخ الربتكي  نقل مع قبور آل المدرس الأخرى إلى مقبرة وادي عقاب سنة 1982م بعد توسيع جامع النبي جرجيس([3]).


([1])  ملا أحمد بن حسن بن أحمد الربتكي ، والد الشيخ عبدالله ، ولا نعلم سبباً لاحتراق القرية ، أهو بسبب حادث عرضي أم بسبب إحدى الحروب التي نشبت في المنطقة ، وهل على اثر هذا الحادث انتقل الشيخ الربتكي إلى الموصل أو لا ؟ 
([2]) لفظة تركية بمعنى ( غابة ) ، غاية المرام /324 
([3]) تراجم قراء القراءات القرآنية ، ص 99 ؛ شمامة العنبر ص 191 ؛ الشيخ عبد الله الربتكي ،الديوه جي ص 232؛ موسوعة أعلام الموصل ، 2/  379-380

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق