الأحد، 17 يوليو 2016

رجل يعمل بصمت


رجل يعمل بصمت
هناك من الرجال من يعمل بصمت بعيداً عن الاضواء وبعيداً عن بهرج السمعة ، وغرور المال ، رجال المال في يدهم وليس في قلبهم ، وللفقير نصيب في مالهم ، يبحث عن صلة الرحم ، وكفالة اليتيم ورعاية الارملة والمسكين ، واضعين نصب أعينهم سيرة السلف الصالح في أعمال البر والاحسان ، ولا يعرف موتهم إلا بعد ان يتوقف إحسانهم من هذا الذي طرق الباب أمي هذا حالب الشاة نعم حالب الشاه آه  أيتها الصبية لو تعريف من هو صاحب الشاة هذه انه خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أبو بكر الصديق .
تعرفت على الحاج ... عن طريق أحد المصلين الذين يصلون في جامع الحي وكان عاملاً في مطعم الحاج في المجموعة الثقافية ، حدثه عني وعن رعايتي (48) أسرة من أيتام الحي ، فأرسل إليَّ وتناقشنا حول كثرة عدد الأرامل والايتام في حينا ، وقدمت له احصائية كنت أضعها في جيبي لأرقام دورهم وعدد أفراد أسرتهم وأرقام هاتفهم وأكبرهم سناً ، وسكنهم هل يملكون داراً أم لا ؟ فقال الحاج: إن للفقير واليتيم نصيب في مالي وعاهدت الله ان الفقير عامل في هذا المال ، لذلك قررت أن أصرف له رتباً شهرياً ، واتفقت مع عدد من أصحاب المطاعم والتجار أن نجعل للأيتام نصيب في مالنا وفرضت لليتيم  راتب شهري(500 ) ألف دينار في كل شهر أشتري به سلة غذائية أوزعها على الأيتام ، فقال : أنا ساتكفل برعاية عشر أسر من أسر الايتام الذين عندك ،  سأقوم بتزويدهم في كل شهر بسلة عذائية و( 50 ) الف لكل أسرة وكسوة العيدين والصيف والشتاء لجميع أفراد الأسرة ، وكسوة طلاب المدارس في بداية العام الدراسي مع لوازم المدرسة من قرطاسية وحقائب وأحذية ، وأتكفل بمصاريف العلاج للمرضى منهم وطلب مني أن لا أخبر أحداً بصنيعه هذا ، عملت معه الى لمدة سنتين ، الى أن توفاه الله تعالى ،
من الطرائف التي حدثت لي معه ، تم ترشيح ولده للانتخابات وقام بإعطائي بطانيات وأشياء أخرى وطلب من  بإصالها الى العشر عوائل التي تكفل برعايتها ، وقال : لا تطلب منهم انتخاب ابني لكي لايشعروا اننا كنا نرعاهم من أجل مصلحة دنيوية ، هم هؤلاء السياسيون يوزعون مالهم على الذين يستحقونه والذين لا يستحقونه من أجل الفوز بالدنيا ، أما نحن فنوزع المال من أجل الفوز بالآخرة ، هم يعمرون الدور ونحن نعمر القبور ،  وبعد ان استلمت هذه المواد لأذهب بها الى تلك العوائل وجدتُ عليها شعارات انتخابية واسم المرشح وكتلته ورقمه الانتخابي ورقم قائمته فعدت أدراجي اليه ، وقلت : ياحاج ، هذه عليها شعارات انتخابية ، هل أمزقها ؟ .
قال : لا ، هذه أمانة ، أنا اخذتها من ولدي ، قلت له أنا أوزعها لك انت تعمل دعاية وأنا واثق كثير من الذين سوف تصلهم هذه المواد سوف لن ينتخبوك ، أيتامنا أولى بها فأخذتها منه لتوزيعها على الأيتام ، أخبرهم هم أحرار بين انتخاب ولدنا أو لا ، وأعلمهم أنها ليست مني بل من المرشح ولدنا ، وعملنا سوف يتواصل معهم لا ينقطع سواء انتخبوه أم لا ؟.
أوصلت تلك المواد الى تلك الأسر التي  كان الحاج يرعاه وأخبرتهم بما قال وزدت عليه قلت : لهم إن من كان يتفقدكم ويرعاكم دون أن يعرف من أنتم ، وينفق ماله في رعاية أسركم لهو أولى بالانتخاب من بياع الكلام فقط الذي ترونه وقت الانتخابات فقط .
بدأت الانتخابات ووقفت على باب المركز الانتخابي في حينا ، أعمل دعاية لبعض المرشحين وكان كثيراً من الداخلين والخارجين يسلمون علي ويسألوني عن رأيي بالمرشحين ومن هو الأصلح منهم ، فخرجت إحدى العجائز من الأسر التي يتكفل برعايتها الحاج ، تحمل في يدها هوية الناخب وهي فرحة بما قامت به ، وقلت : لها ها ، أم فلان انتخبتي ؟ ، قالت:  نعم ، انتخبت الشريف ابن الشريف ، فوقع في قلبي أن الشريف ابن الشريف سوف يكون ولد الحاج ، فسألتها من هذا الشريف ابن الشريف ؟ وكان في نيتي أن أعمل له دعاية انتخابية .
قالت بصوت مرتفع وزهو عالٍ : إنه فلان ، لشخص آخر ، فضحكت بصوت مرتفع، وقلت: هذا هو الشريف ابن الشريف ، والذي تكفل برعاية أسرتك لمدة سنتين وينفق سلة غذائية كل شهر و(150 ) الف دينار مصروف لأبنائك وابناء ابنك ، وكسوتهم الصيفية والشتوية ، وكسوة العيدين ، وكسوة المدرسة للتلاميذ منهم ، ولوازمهم الدراسية في بداية العام الدراسي وتكفله بالحالات المرضية لأفراد العائلة  ، شنهو هذا ..... ؟.
وإني لاتعجب من  موقف  تلك المرآة التي لم تميز بين الناس ولم تميز بين الأفعال والاقوال واتبعت الإعلام وانقصمت بعيداً عن واقعها وانتخبت  بياع الكلام فقط ،  ضاربة  وجاحدة للإحسان الذي كان يقدم اليها ولازال خلال تلك السنين عرض الحائط .
 سمع الحاج بما جرى بيني وبينها فعاتبني بشدة على ماقلته لتلك المرأة ، قال : كان ولازال عملنا لوجهه الكريمة لا من أجل دنيا زائلة فانية ، وسأتواصل معها عن طريق غيرك لكي يوصل مانستطيع تقديمه لها من مساعدة عينية أو مالية ، كي أرفع الحرج عنها ، وأحفظ ماء وجهها ، لأنها سوف تتذكر موقفها السلبي مع ولدنا كلما رأتك .
جاءتني بعد سنتين لتقول لي : لماذا انقطع الراتب الشهري والسلة الغذائية لمدة ثلاثة أشهر عني وعن أيتامي ؟، قلت مات حالب الشاة ياخالة ، فقالت : من مات ؟ ، قلت : الحاج انتقل الى رحمة الله ، فصرخت بأعلى صوتها وأخذت تضرب على خديها ورأسها ، قالت : الآن يُتمَ أطفالي ، فهرع الجيران ليروا ماهذا الصوت في بيتي ، فقلت لهم مات الذي كان يرعى أيتامها ، وهم يرونها تبكي وانا أبكي على بكائها وأخذوا بالبكاء على بكائنا.

إن هذه المواقف وهذا الانفاق والتغاضي عن أخطاء الآخرين دون الالتفاف الى صنيعهم ، لايكون إلا من قوم صفاتهم كصفات الملائكة ، قلوبهم نقية صافية محبة للإسلام والمسلمين مستشعرين بالآلام الاخرين ومعاناتهم  شعارهم دائماً ، إن لم يكونوا أهلاً للإحسان فنحن أهل له ، والله ان الانسان لبستصغر نفسه في بعض الأحيان أمام هذه الجبال والقمم الشامخة الباسقة رجال استعملهم الله لعمل الخير ، واختصهم به لخدمة عباده فقاموا بها حق القيام ، منهم الحاج .... رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق