حفر قبره
بيده ودفن فيه
كثيرة هي
العبر التي تمر بنا ولكن القليل منها مايستقر في الوجدان تاركاً في النفس أثراً من
العسير نسيانه فمن العبر قصة ذلك الشاب الذي نشأ يتيماً فقامت أمه على تربيته فلما
شب أصبح يتمتع ببنية قوية وروح مرحة حب امرأة بعمره والدته ، كثر اللغط في أرجاء
القرية على هذه المرأة ، كيف تقوم بإغواء هذا الشاب حتى يقع في حبها .
أراد الزواج منها ولكن أمه رفضت مثل هذا الأمر،
حاول معها مراراً وتكراراً واصفاً حبه وعشقه لها ، واعلمها إنها المرأة التي ستقوم
على إسعاده ولكن الأم رفضت الأمر جملة وتفصيلاً كان عبود يهدد أمه بالانتحار إذا
لم تقم بتزويجه من حبيبته ، ولكن الأم تعد مثل هذا التهديد ماهو إلا من باب
السخرية والاستهزاء والضغط عليها لأجل الحصول على مباركة لهذا الزواج .
وذات ليلة
وضع عبود كرسياً تحت المروحة وقام بربط حبل بها ثم وضع هذا الحبل في عنقه ودفع
الكرسي من تحته ، شد الحبل عنق عبود وأخذ صراخه يعلو هرعت أخته الصغرى لتقف تحته
وتضع قدميه على كتفيها وأخذت بالصراخ وطلب النجدة ممن هم في البيت .
هرعت الأم
إليه ورأت ولدها معلقاً من عنقه في المروحة تكاد روحه تزهق وعيناه شاخصتان
منتفختان وأنفاسه تتصاعد أدركت الأم أنه ميت لامحالة ولكن الحبل قطع لم يستطع تحمل
هذا الجسد الثقيل فأنجاه الله من موت محقق .
استجابت الأم
لمناشدات أهل القرية فرضخت لمطلبه وقامت بتزويجه من حبيبته التي عشقها والذي كاد
حبه لها أن يودي بحياته .
بعد عدة أشهر
من زواجه توفيت امرأة في القرية وهرع أبناء القرية ليسهموا في حفر قبرها ودفنها
تجمع الناس فوق التل الذي يوجد في المقبرة وباشروا في عملية الحفر ، كان عبود هو
من يقوم ويشرف على حفر القبور في القرية وذلك لحبه لفعل الخير كثيراً ، ولكنه يحب
المزاح في مثل هذه المواطن التي لايجب فيها مثل هذا الأمر ، فلما أكملوا حفر القبر
نزل عبود إلى القبر وأخذ يقيسه وقال إن القبر يحتاج إلى توسعة بمقدار أربعة أصابع
، واستلقى فيه ، قالوا المرأة أصغر جسماً منك ولكن عبود أصر على التوسعة ليكون
القبر بحجم جسمه ، فلما أكملوا القبر نزل عبود إلى اللحد ، وأخذ بالصراخ النجدة
أدركوني إني أموت إني أموت وهو يمسك صدره بقوة .
هرع إليه من
في المقبرة وهم يصرخون عليه ، أخرج عبود ليس الوقت وقت مزاح الآن ـ عبود أنا نعرف حركاتك تلك ، ولكن عبود لا يأبه
لصراخهم وبقي مستلقياً في لحده دون حراك .
نزل إلى القبر أحدهم وحاول إخراجه من اللحد لكن
دون جدوى ، نزل الثاني فسحبا عبود إلى خارج اللحد وهما يقلبانه ولكن عبود لاحركة
له ، خرجوا من مكانهم على عجل وكثر الهمس في أرجاء المقبرة هل هو يكذب أم انه فارق
الحياة حقيقة ؟
نزل أحدهم كي
يتأكد من الأمر فوجد عبود ميتاً ، خرج مسرعاً وهو يقول مات عبود مات عبود أخذته
انفعالة وكأنه أصابته الهستيريا ، لم يصدق
الناس ماحدث انشغل الناس بعبود وتركوا تلك
المرأة مسجاة على الأرض ، فانطلقوا مسرعين بالرجل سريعاً إلى المستشفى في مدينة
الموصل وبعد جملة من الإجراءات في الطب العدلي عادوا به ليدفنوه في القبر الذي
أسهم في حفرة وفي اللحد الذي حفره بكلتا يديه ، كيف حدث ذلك؟ .
هال الأمر جميع من في المقبرة وفي القرية ، وذلك
لهول ما شاهدوه شاب قوي البنية كان قبل
قليل يقوم بحفر هذا القبر وهو الآن يوضع فيه ، كيف يكون مثل هذا الأمر إنها إرادة
الله تعالى وقدرته وانه الزائر الذي لا يوصد أمامه باب ولا يحول بينه جدار أو حرس
.
جيء به إلى البيت
ليصار إلى تغسيله ومن ثم الصلاة عليه تمهيداً لدفنه واجتمع الناس كما هو دأبهم
منهم الطالب للأجر ومنهم المستطلع للأمر الجلل فعم الحزن أرجاء القرية ليس على فقد
الفتاة ولكن على فقد هذا الشاب مستغربين ما حدث أمام أنظارهم جميعاً .
ليدفن بالقبر
الذي حفره بيديه ، ونسي الناس مصابهم بوفاة ابنتهم من هول ما رأوا من حدث جلل .
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق