عقوق الوالدة بعد موتها
مات الحاج
محمد وترك اثني عشر ولداً من ثلاث زوجات ، واخذوا بتقسيم التركة بينهم فكان أبناء
وبنات كل زوجة يقسم لهم جزء من الأرض على حده وحسب قسمة الشرع ولم يحدث بينهم شقاق
أو منافرة على الأرض لأنهم كانوا يعرفون الله ويحكمون شرعه بينهم فأخذ الأبناء
نصيبهم وأعطوا شقيقاتهم نصيبهنَّ.
أخذ الحاج نجم نصيبه ونصيب أخته من أمه وأبيه من
إرث أبيه فأعطى أخته نصيبها من الأرض ولكنها رفضت ذلك لشدة حبها لأخيها وحبه لها ،
هذا حال كثير من بنات القرية اللآتي لم يقمن بأخذ ارثهن من ذويهن حياءاً ... لم
يقم الحاج نجم بإجراء نقل الملكية ولم
يحصل على التنازل الرسمي بل ترك ذلك لأنه لا يريد أن يمتلك تلك الأرض بل يريد أن يترك نصيب أخته لها .
كان يتمتع بصحة جيدة ولكنه أصيب بجلطةٍ في الدماغ أرقدته
في المستشفى لعدة أيام فهرع الإخوة والأخوات لزيارته وللاطمئنان على صحته وكانوا لا
يغادرون المستشفى إلا عند النوم لدى عوائلهم ، ثم يعودون في الصباح الباكر أمر الحاج
نجم بان توضع له وسادة خلف ظهره ليتكئ عليها وأمر إخوته وأبنائهم أن يجلسوا أمامه لان لديه وصية يجب أن يوصي بها تحلق إخوته وأبناؤهم من خلفهم وهم يراقبون
ماذا سيقول الحاج نجم في الوصية وبأي شيءٍ سوف يوصي فتوجه بالكلام إلى زوجته والى أبنائه
الصغار والى أشقائه وشقيقاته مخاطباً إياهم قائلا لهم : إنكم جميعاً تعلمون أن الأرض
التي تقع في جنوب القرية هي نصيب أختي فاطمة من ارث أبيها وأظنها كانت ترفض الحصول
عليها حياءًا مني وإيثاراً لي على نفسها ، وأنا
أشهدكم أن الأرض لها تأخذها متى شاءت ذلك في حياتي وبعد مماتي .
أخذت فاطمة
تبكي والدموع تنزل من عينيها وهي تقول له: أمد الله في عمرك ياأخي وجعلك الله ذخراً لي وسنداً
ألتجئ إليه في وقت الملمات فقد رعيتنا حق الرعاية وأحسنت إليَّ والى زوجي وأولادي أيما
إحسان ووقفت لنا وإلى جانبنا في أشد حاجتنا
حتى فرج الله عنا وفتح علينا وأصبحنا من أكثر الناس مالاً وغنىً ، فما الذي نحن
فيه إلا من إحسانك وجودك وكرمك لزوجي وأبنائي فقد وهبتنا من مالك لنبدأ به مشروعاً
أو نسدد به ديناً أو نزوج به أعزباً من أبنائي فالأرض أرضك وأرض أبيك وأرض أبنائك
من بعدك فلا حاجة لي بها لاني أخذت منك أكثر من ثمنها .
فلم تمضِ الأيام
حتى فمات الحاج نجم وترك خلفه ذرية ضعافاً ، فبكت عليه الأخت وأخذت تندبه في مجلس العزاء
واصفة إياه بالسند والعزوة والبقية الباقية لها من رائحة ألام حيث لم يكن لها أخ ،
أو أخت سواه من أمها ، فما إن انتهى مجلس العزاء وأرادت الحاجة فاطمة العودة إلى
زوجها وأبنائها وأحفادها ، وقفت زوجة الحاج نجم لتقول لها على مرأى ومسمع من أهل القرية
جميعاً : يا حاجة فاطمة إن الأرض التي في جنوب القرية هي لك وهي وصية أخيك .
بكت الحاجة
فاطمة ثم أردفت تقول: لا بل هي لأخي وأبناءه من بعده إني تنازلت عنها في حياته وأنا
أكرر ذلك بعد مماته وفاءًا مني لأخي وإحسانه وطيب عشرته معي وأبنائي وزوجي .
بعد عدة سنواتٍ
توفت الحاجة فاطمة وقبل وفاتها أوصت أبناءها أن
يصلوا أبناء خالهم وزوجته وأن يحسنوا
إليهم كما كان يفعل خالهم الحاج نجم معهم
من قبل .
أصبحت القرية
ضيقة على أهلها لكثرة ما فيها من العوائل التي يحويها البيت الواحد ، قرر أحفاد الحاج
محمد أن يخرجوا خارج القرية وان ينشئوا قرية لهم ملاصقة لقريتهم ، وان يتوسعوا في بنيانهم فذهبوا إلى أبناء الحاجة فاطمة
وقالوا لهم : إن الأرض التي في جنوب القرية هي ملككم رسمياً في الدولة ونحن نريد
شراءها منكم فهل تبيعونها لنا كي نبني فيها دوراً أخرى .
فقال أبناء الحاجة
فاطمة : إن الأرض أرض خالنا نجم.
قالوا : بل هي لكم وهي نصيب أمكم من إرث أبيها وأخذوا
يزورونهم ويستعطفونهم ويستنهضون فيهم كل مروءةٍ لديهم .
جاء أبناء الحاجة
فاطمة إلى زوجة خالهم مطالبين بنصيب أمهم
من إرث أبيها .
فقالت لهم
زوجة الخال نجم : إن أمكم قد تنازلت عن الأرض لأخيها الحاج نجم في حياته وكررت ذلك
بعد موته على مرأى ومسمع من أهل القرية .
فقالوا لها :
إن الأرض مازالت رسمياً لنا ولم تتنازل أمي عنها لأحد والأفضل وتجنباً للمشاكل أن تعطينا هذه الأرض وتتنازلي عنها .
جرت الإجراءات
كما هو مقرر لها وتم حصولهم على الأرض رسمياً منها فقاموا ببيعها إلى أبناء أخوالهم الآخرين غير أبناء
الحاج نجم وقسمت العارض عليهم بالسوية وكان ثمنها زهيداً جداً .
اسشتاطت زوجة الحاج نجم وأبناؤها غضباً لما فعله أبناء الحاجة فاطمة لأنهم باعوها إلى
غيرهم كانوا هم أحق بها وذلك لأنها ارض ملاصقة لأرضهم ولأنهم عرضوا على أبناء الحاجة
فاطمة شراءها ولكنهم رفضوا بيعها مدعين أنهم
يريدون أن يبنون لهم سكناً في القرية لأنهم من أصحاب المدينة .
قامت زوجة الحاج
نجم برفع دعوى قضائية لغرض استبدال نصيهم من الأرض بأرض أخرى فبدأ الخصام بين أحفاد
الحاج صالح مع أبناء عمهم الحاج نجم حول الأرض وذات يوم تشاجر الابن الأكبر للحاج نجم
مع عددٍ منهم فقاموا بضربه وإيذائه لان ليس لديه إلا أخ واحد فقرر (عزيز) الانتقام
من أبناء عمومته فالتقى بأحدهم فقام بضربه بحذائه على إحدى عينيه فأصابها بورمٍ ، قاموا
برفع دعوى قضائية ضده وأودع السجن خلال ذلك دارت حوارات بين أبناء العم من المؤيدين
لعزيز مع الآخرين من أبناء عمومتهم مع أبناء القرية المحبين لعزيز.
قال البعض منهم : إن سعيداً لم يفقد جزءاً من
بصره بسبب الضربة التي نالها من عزيز إنما كان يعاني من ضعف فيها منذ طفولته حين
رفسه حماره على عينه .
شهدوا عليه
زوراً فأودع عزيز السجن فخمدت جذوة روحه وشل تفكيره وضاق عليه كل شيء حتى قميصه الذي
يلبسه.
شاب لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره كان يعيش في
قرية وفي حقولها الغناء وإذا به بين جدران سجنٍ ضيق في وسط عدد من المجرمين.
اخذ يعاني الآم
فراق الأم والأخ والأخوات ويقاسي أشد أنواع العذاب من بعض المجرمين الذين يتواجدون
معه في السجن فقام أحدهم بضربه ضرباً مبرحاً حتى كسر يده فأحجم عزيز عن الطعام والشراب
وكره تناوله وأصبح لا يشتهيه فهجم عليه المرض وأفسد عليه عقله وحطم جسمه وأصابه الأرق
خوفاً على نفسه من سطوة المجرمين ، فخارت قواه وشحب وجهه وغارت عيناه ، فجن الشاب
وأخذ يتعالج من مرضه العقلي وأخذ البعض ممن في السجن يواسيه ويمد له يد العون والرعاية
والحماية .
فهجمت على
نفسه الهموم وملأت القلب وخالطت كل ذرةٍ من ذرات لحمه وعظامه وكان يعد الساعات والدقائق
بل حتى الثواني ، ويدعو الله أن يخرجه من زنزانته كي ينتقم ممن ظلمه وأي ظلم كان أليس
هو من أبناء العم فقضى في سجنه أكثر من سنة ونصف .
خرج بعفو قبل
الاحتلال الأمريكي بأيام فنزل من السيارة التي استأجرها في أطراف القرية فتردد في
دخولها مخافة أن يتهم مرة أخرى بجناية لم يرتكبها فيودع السجن مرة ثانية .
فلم يجد بداً
من دخولها أخذ الناس يهنئون أمه وأخذ يستقبل الناس وهو مضطرب مشوش الفكر .
فقال الناس لامه
يجب أن تتركي هذه الخصومة مع أبناء عمومتكم لأنكم لا تستطيعوا أن تواجهوا هؤلاء
فهم ثلث القرية بل يزيدون وتم الصلح بينهم على طي صفحة الماضي ونسيانه .
أصبح عزيز
لايريد أن يرى أحداً منهم لكثرة ما كان يحمل من ضغينة وحقد لقرابته ، وهل كل ما
جرى له إلا من فعل أيديهم كانت رياح الحقد وأشواكه تزرع على طريقه وتعبث فيه
وتزلزل كيانه وتعبث في وجدانه فكأنه يعيش في سحابة ترابية كانت تغطي كل شيء فلا
يبصر الحقيقة من الوهم وكان لا يميز بين كذبهم وصدقهم ، والتفوا حوله مرة أخرى وأزالوا
مافي قلبه من حقد وبغضاء ولكنهم يخفون أمراً آخراً، فلا يرتاح لهم بال ولا يهدأ لهم خاطر حتى ينتقموا
منه ، ويودعوه السجن مرة أخرى فبدؤوا يتلاعبون به ويحرضونه على أمه وأخيه وأصبح يرى
الأم العدو الأول والأخ كأنه حجرة تعيقه عن شق طريقه في الحياة ، فهما كانا لا يريدان أن يبيع الأرض ويبدأ بمشاريع أخرى .
دخل معهم في
أكثر من مرة في شجار ، فقاموا بشراء بندقية له ، وفي إحدى المرات أطلق النار على
أخيه فارداه صريعاً في الحال وولى هارباً ، ألقت الشرطة عليه القبض وأودع السجن
فلم يتحمل مرارته فأقدم على حرق نفسه ندماً على مافعله بأخيه .
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق