السبت، 26 مايو 2012


عمر محمود عبدالله الصيدلي
(1941ــ 2005م)

ولد الشهيد (عمر الصيدلي) سنة (1360هـ / 1941م) في محلة باب البيض , والده المرحوم (الحاج محمود عبد الله ) المعروف (بالأطرش) لكونه كان فاقد السمع , امتهن مهنة (الجمّال) وكان يرافق القوافل التجارية بين الموصل وحلب , ثم عمل بمهنة أخرى من المهن الموصلية القديمة . وهي (جّبال) بناء ، وترعرع في كنف والده.
فدخل المدارس الرسمية في الموصل وتخرج في الإعدادية .... ثم قبوله في الكلية الصيدلية في بغداد . على نفقة وزارة الدفاع وتخرج منها سنة (1385هـ/ 1965م) ... وكان متفوقاً على أقرانه .. ومنح رتبة ملازم في الجيش العراقي ... وتم تعينه صيدلياً ، وتنقل في عدة وحدات عسكرية خلال عمله في سلك الجيش بهذه المهنة حتى تقاعد منها سنة (1409هـ/ 1988م) .
نشأته الدينية :
كان ـ رحمة الله ـ شغوفاً في تعلم الدين وحفظ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة , منذ أن كان طالباً في الابتدائية في المدرسة (ابن الأثير) وكان متفوقاً في الدراسة في جميع المراحل الدراسية . طالع العديد من الكتب الدينية والتاريخية والأدبية, ثم قرأ أمهات المجامع والمصادر المهمة ثم مال في البحوث الفكرية والعقائدية والفلسفة ، ونمت عنده الروح الإسلامية ......... وأخذ يطالع العديد من كتب بعض القادة الإسلاميين في هذا المجال ، فوجد ضالته في كتب الشيخ (حسن البنا ) والشيخ ( سيد قطب) ـ رحمهما الله ـ حيث اقترنت روحه بآرائهما وتوسعت مداركه السياسية والثقافية والفكرية , فتفتح وعيه ونضج فكره بتبني المفاهيم والطروحات التي رآها ملائمة لفكره الديني .. أخذ يتعمق في دراستها , وجعلها محور اهتماماته في المطالعة , هذه الحالة برزت عنده وهو في المراحل الأولى قبل دخوله إلى كلية الصيدلية . وهكذا أصبح الشهيد (عمر) رجلاً من رجال الدعوة والإصلاح  , وكان متوازياً في طروحاته عرف مفاهيم الإسلام على حقيقتها فسار في طريق الوسطية ، تفهم الواقع وعرف الحال , من خلال ذلك تعامل مع الحياة ، وسار في طريق النجاة لم يكن متعصباً لأحد ،  أحب الكل, فأحبه الجميع ، سما في أخلاقه وعمله فارتفع عنده محبيه .
في خضم نشاطه الديني وجد نفسه في جماعة الإخوان المسلمين في الموصل , ومن خلال عمله كان له موقع واضح بين هذه الجماعة ، رغم خطورة الموقع والوضع السياسي آنذاك . وحسب على هذه الجماعة بل كان من قيادتها .
دراسته الدينية :
رغم مطالعته للعديد من الكتب والمصادر الدينية إلى أنَّ ذلك لم يمنعه من التواصل مع العديد من العلماء الأفاضل في الموصل ومنهم الشيخ محمد محمود الصواف رحمه الله  والشيخ ذنون  البدراني ـ رحمه الله ـ والأستاذ  المربي غانم حمودات نهل منهم الكثير من العلوم الدينية والشرعية .
درس البلاغة والفقه والتفسير والبيان فأصبح من رجال الدعوة الإسلامية في هذه المدينة ، وأصبح من كودارها القيادية والتنظيمية ، وكان توجهه هذا وضحاً عندما كان طالباً في كلية الصيدلية .
وأصبح مسؤولاً عن تنظيم هذه الجماعة في تلك الكلية ... وبعد إحالته على التقاعد , تحرر الشهيد عمر ـ رحمه الله ـ من عبودية العمل الوظيفي , انصرف إلى الدعوة والإرشاد واخذ ينشر المبادئ الإسلامية في كل منطقة يزورها , وأصبح خطيباً في جوامع عدة , وألقى العديد من المحاضرات الدينية في العديد من الجوامع والمساجد والقرى في هذه المحافظة .
ساهم في تركيز العمل السري لجماعة الإخوان في الموصل , وأسس بعضاً من القواعد التنظيمية في المدينة ... وكثيراً ما تم استدعاؤه إلى الأمن في المرحلة السابقة للتحقيق معه في نشاطه السياسي آنذاك , لكن حجه إقناعه كانت لا تدع في صدورهم شك إلى كونه يعمل في السياسة .
في سنة (1994م) اعتقل مع العديد من رجال الدين والدعاة من قبل امن المدينة لمدة (42)  يوماً ورغم التحقيقات لم تثبت عليهم التهم الموجبة إليهم , فأطلق صراحة مع زملائه . ومنهم الدكتور محمد شاكر الغنام , والشيخ صالح خليل حمودي ، والشيخ طارق حمدون وغيرهم , وبقي المرحوم على سابق عهده داعيا إلى الله ورسوله .
عمله الصيدلي :
ساهم الشهيد عمر ـ رحمه الله ـ من خلال عمله في صيدليته في الجهة المقابلة للجامع النبي يونس , بتوفير الدواء إلى المرضى من أبناء الموصل خلال فترة الحصار الاقتصادي على العراق ، وانعدام الدواء اللازم في المذاخر في الوحدات الصحية والمستشفيات ، فكان يجلب الدواء اللازم بعد طرق ويوفره لهؤلاء المرضى وبأسعار معتدلة , يساهم بعض الوقت في جزء من هذه الأسعار للفقراء ، كما ساهم في فتح عيادات طبية وصيدليات في بعض الأحياء السكنية لتوفير الأطباء للفقراء وللمحتاجين والعلاج الطبي ، نجاحا لهؤلاء الشريحة المعمدة في أبناء المدينة .

            
مواقفه في ظل الاحتلال :
 بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وما حدث من خلال الأحداث والكوراث وحالات الاقتتال بين الشعب الواحد وهجرة العديد من المواطنين من أماكن سكانهم ، ولا سيما في أحداث الفلوجة وتلعفر تبرع بأطنان من الأدوية والعلاجات والمستلزمات الطبية للمواطنين في هاتين المدينتين . ورصد مبالغ شهرية من ماله إلى العشرات من العوائل الفقيرة في مدينة الموصل وتكفل بالإنفاق على بعض اليتامى من أبناء بعض العوائل التي فقدت معيلها , وكان مثابراً على زيارة عوائل بعض الفقراء والمعتقلين والمسجونين الأبرياء . ويقدم لهم المساعدات المالية والعينية وكان من أوائل من طالب بإلغاء ( قانون اجتثاث البعث ) لأسباب إنسانية تتعلق بحياة عوائل المشمولين به .
مواقفه :
عندما تمَّ احتلال العراق سنة ( 2003م ) كان الشهيد عمر ممن عارض الاحتلال علناً وبكل وضوح من مهاجماته وانتقاده لهذا الاحتلال ، من خلال الصحف والتلفزيون والندوات واللقاءات والاجتماعات  ، مطالباً بالتحرير والخروج المحتل من أرض الوطن .ولم يهادن القوى التي باركت لهذا الاحتلال او يلقي بها , نشر عدة مقالات في هذه الجانب في جريدة الشورى التي كان يصدرها الحزب الإسلامي في الموصل في بداية الاحتلال ’كما طالب بإجراء زيارات للمعتقلين في السجون وضرورة إطلاق سراح الأبرياء منهم , وعارض قضايا الدهم والتفتيش وضرورة مراعاة حرمة العائلة الموصلية , وحرمة المساكن السكنية .
مؤلفاته:
اكتسب الشهيد عمر ـ رحمه الله ـ ثقافة واسعة في مجالات كافة من خلال قراءته للعديد من الكتب والمؤلفات حتى أصبح كاتباً مميزاً في هذا الجانب , لذا تراه من الأوائل الذين سخروا القصة والأدب للدعوة  والإرشاد ..ونشر تعاليم الإسلام والتسامح والوحدة الوطنية , وكتب العديد من هذه الكتب .. وكان أول كتاب أصدره وحمل قيمة علمية ودينية مهمة هو كتاب ( الطب الوقائي في الإسلام ) , ثم توالت بعد كتبه الأخرى وهي ( السؤال الصعب ) و ( لماذا نصلي ) و ( حقيقة العبادة ) و ( رحلة النور ) و ( التوحيد في الولاء والبراء ) و ( فتى حلب ) و ( التوحيد ومنهج الحياة ) و ( ظاهرة الوحي ) و( النصر لمحمد صلى الله عليه وسلم ) و( حوار في سوق السنك ) و ( الإسلام هو الحل ) و( امرأتان تختصمان ) و ( امرأة من الشيشان ) و( الإسلام وعلم الغيب ) و ( وأدب الحوار ) و ( رؤية قرآنية للأحداث ) و ( من اجل ابنتي ) و ( تطوير العقل المسلم ) و ( إيمان الشباب ) و ( وفي الطريق إلى الإيمان) و ( نجاة والشيخ ) و( نزغ الشيطان ) و ( من أين تبدأ ) و( نحن قادة الحضارة ) و ( عائشة بنت الجبل ) و ( سر بكائي ) و ( جيل الردع ) و ( حواء مع الدكتورة هدى ) و ( الهاجس المر ) و ( حرية في رحاب الإيمان ) و ( الندم ) و ( شباب الجامعة ) و ( أسير في قصر هرقل ) و ( البناء الحضاري للأمة ) و ( لواء البحر ) و ( المسار ) و ( اليوم عبدت الله تعالى ) و ( رسالة إلى الأجيال ) و ( امرأة وثلاث رجال ) و ( القوي الأمين ) و ( أسئلة الزهرة الجريئة ) و ( أيام في صحبة الأستاذ) و ( حقيقة الإنسان بين الإسلام والفكر الغربي ) و ( فتى من الموصل ) و ( فتى من مكحول ) و ( ليلة الخوف ) و ( حوارات قدسية) و ( فتح الموصل ) و ( أدبتني امرأة ) و ( يا ولدي ) و ( المنطق ) و ( المختار ) و ( اليد العليا ) و ( في الطريق إلى محمد ) و ( سعيد بين المسيب ) و ( الوصية ) و ( القلادة ) و ( فقه مع أبي الأنبياء ) و ( الصبح المبين ) و ( نشيد الفجر ) و ( عناق الحب والإيمان ) و ( قبل الصلاة ) و ( أبا بصير ) و ( رحلة إلى الصحابة ) و ( لا يا ابنتي ) و ( موسى بن أبي الغسان ) و ( أصول فهم الإسلام ) و ( الخطيئة ) و ( القوى الخفية ) و ( القرآن كلمة الله ) و ( البدوي ) حيث بلغت أكثر من سبعين كتاباً .
كان أسلوبه سهلاً وسلساً , غلب علية الطابع الأدبي السردي القصصي حيث أوقع هذا الأسلوب تأثيراً واضحاً وكبيراً في نفوس الشباب الذين كانوا ينتظرون كتبه بلهفة وشوق للاغتراف من معانيها والنهل من مشاريعها الفكرية والدينية والأخلاقية , وكان رحمه الله يتبرع بريع هذه الكتب في سبيل الله لإعمال البر والصدقات .
علاقاته الإنسانية :
كان الشهيد الشيخ عمر ـ رحمه الله ـ مدرسة إنسانية , كانت مادتها التواصل والمحبة , والتسامح والتعاون لخلق مجتمع فاضل خال من الانحراف والرذيلة , وكان يدعوا لمساعدة الأرامل ممن فقدن أزواجهن من خلال الحروب التي سادت في فترة الثمانينات حتى الاحتلال الأمريكي , وكان يدعو الأزواج حول إمكانية التزوج من تلك الأرامل لانتشالهن من الضيق  والعوز والفقر  , ولصون كرامتهن وعادتهن إلى عجلة الحياة كما دعا إلى مساعده من يرغب بالزواج بهذه الأرامل , هذه نظرة إنسانية لها أبعادها الوطنية ومنافعها الاجتماعية قلما انتبه إليها أصحاب الرأي والشأن ولتكون دعوته هذه الصادقة بادر هو نفسه بالزواج من إحدى الأرامل لصون كرامتها ورعايتها .. كما كان يقدم هدية مليون دينار لمن يتزوج أرملة من حسابه الخاص .
ولم يقف عند هذا الحد بل ساهم في بناء مسجدين للصلاة في بعض المناطق الغربية من الموصل لعدم وجود مسجد فيهما فأراد أن يرتفع اسم الله عالياً في هذه المناطق.
استشهاده :
        في الرابع من كانون الأول الثاني من سنة ( 2005م ) سقط الدكتور عمر شهيداً على أرض مدينته بعد أن قضى نحبه وكانت مشيئة الله أن تختار هذا الرجل إلى جنات الخلد ) وَمَا تَشَاءُونَ الَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (  [ التكوير : 29] وهكذا الدنيا والأعمار أخذ وعطاء وتنوعت الأسباب والموت واحد كما قال الشاعر :
حكم المنية في البرية جار
 

وما هذه الدنيا لنا بدار قرار

بينما يرى الإنسان فيها مخيرا
 

حتى يرى خبرا من الأخبار

فرحم الله الشهيد واسكنه فسيح جناته ([1]).        





[1] - ينظر ترجمته : موسوعة علماء الموصل ، عبدالجبار محمد جرجيس ، ص 289ـ294.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أحب أن أصحح وأصوب بعض أسماء الكتب المؤلفة للسيد عمر الصيدلي رحمه الله:
    من أين تبدأ (من أين نبدأ)
    حرية في رحاب الإيمان (الحرية في رحاب الإيمان)
    امرأة وثلاث رجال (امرأة وثلاثة رجال)
    أسئلة الزهرة الجريئة (اسئلة زهراء الجريئة)
    المنطق (المنطلق)
    فقه مع أبي الأنبياء (وقفة من أبي الأنبياء) أو (وقفات مع أبي الأنبياء) حيث وردت التسمية في واجهة الكتاب (وقفة) وداخل الكتاب (وقفات)
    أبا بصير (أبو بصير)
    رحلة إلى الصحابة (رحلة إلى جيل الصحابة)
    القوى الخفية (القوة الخفية)
    الأسماء التي وضعتها بين قوسين هي التسميات الصحيحة للكتب .. وشكرا..
    للتواصل إن أحببت 07701804181

    ردحذف