السبت، 26 مايو 2012


أديب إبراهيم محمود الجلبي
( 1948ـ 2007)

      أديب بن إبراهيم محمود بن عبدالرحمن بن الحاج إسماعيل بن الجاج ذي النون بن الحاج حسن بن الحاج احمد بن الحاج حسن الجلبي وهو أول من عرف من آل الجلبي في الموصل ، من أسرة عربية أموية كانت قبل مائتين وخمسين سنة في الشام قدم جدهم الأعلى إلى تكريت بصفته ( متسلم ) ـ نائب الحاكم ـ في سنجق ـ لواء ـ تكريت ، وبعد عدة سنوات تخلى عن منصبه بصفة وقدم إلى الموصل بجميع أفراد عائلته واستوطنوا الحي الذي يسكن به جماعة من أهل تكريت في المحلة التي يطلق عليها اليوم محلة باب جديد وأنشأت هذه العائلة الكريمة مسجداً عرف باسم ( مسجد التكارته ) وزاول أفراد هذه الأسرة مهنة التجارة واشتهروا بآل الجلبي .
      في هذه المنطقة ـ باب الجديد ـ وفي آخر يوم من شهر آب سنة 1948 ولد الابن الأصغر للصحفي الموصلي المعروف إبراهيم محمود المقلب بالجلبي, وقد اختار له والده اسماً من رحم البيئة التي ترعرع فيها فيما بعد فسماه أديب ، نال الابن حظاً وافراً من الاهتمام والرعاية من الوالدين والأخوة وسار على خطا والده وأخواته فعمل صحفياً منذ المرحلة الإعدادية في جريدة فتى العراق التي أفنى والده عمره فيها ، وتميز بعموده الذي كرسه لخدمة الدعوة الإسلامية التي احتضنته وهو في المرحلة المتوسطة فسخر قلمه لنشر الفكرة الإسلامية الصافية في ظل الأفكار المتلاطمة الوافدة من الغرب والشرق , إلى جانب النشاط الدعوي الدؤوب بين زملائه في مراحل الدراسة المختلفة حيث أكرمه الله عز وجل بأن هدى على يديه عدد من الإخوة الذي كان لهم فيما بعد دوراً في نشر الدعوة الإسلامية في ربوع الموصل الحدباء .
دراسته  :
      التحق الشهيد بالدراسة في كلية الطب في جامعة الموصل سنة 1967 فكان مسؤولاً عن تنظيم الإخوان المسلمين في الكلية , حيث مارس الدعوة مع زملائه وأساتذته  دون أن يخشى في قول الحق لومة لائم , ودون أن يبالي بصد الآخرين له عن دعوته من أصحاب الدعوات الوافدة , وكان له دور  في دعوة عدد من الطالبات ساعياً لتكوين أسر إخوانية منهن .
      تخرج الشهيد من كلية الطب سنة 1973م الموافق 1393هـ منتقلاً إلى العاصمة بغداد لإكمال الإقامة الطبية في المستشفيات : الكرخ والنعمان والثورة , حيث التحق بتنظيم الإخوان في بغداد ومارس عمله الدعوي مع عدد من الإخوة الأفاضل مثل الدكتور زياد الراوي الذي كان مسؤولاً مباشراً عن الشهيد والدكتور عبد المجيد السامرائي والدكتور عصام الكاتب  وآخرين , وفي سنة 1975 التحق الشهيد للخدمة في الجيش العراقي ضمن قاطع القوة الجوية سنة 1976 .
زواجه :
      في سنة  1976م تقدم  الشهيد بطلب يد السيدة يسار البنت الصغرى للمفكر الإسلامي  الدكتور وجيه زين العابدين, وقد أتم الله عز وجل هذا القران المبارك بذرية طيبة أفنى الشهيد عمره من  اجل تنشئتها على طاعة الله عز وجل والعمل لهذا الدين . إذ رزقه الله عز وجل بأربعة من البنين وأربع من البنات  وهم حارث ، و إبراهيم ، وصفية وهمام وسمية وعثمان و رقية  ونعماء ’ اهتم بتربيتهم  على الصلاة وحسن الخلق وحفظ كتاب الله والعمل به , فكان يحرص اصطحاب أبناءه معه إلى المسجد وهم لم يتجاوزوا السنة السادسة من العمر , وكان يوقظهم ويصطحبهم معه إلى صلاة الفجر وهم في سن العاشرة , كما حرص على تعليمهم كتاب الله عز وجل من خلال جلب المدرسين لتحفيظهم القرآن وتعليمهم التلاوة , وإرسالهم إلى المساجد لتعلم كتاب الله عز وجل ومبادئ الإسلام وجانب من العلوم الشرعية في الدورات والحلقات المسجدية وقد أكرمه الله عز وجل بحفظ أحد أبنائه  واثنتين من بناته كتاب الله عز وجل كاملاً وكذلك زوجته .
      عاد الشهيد إلى مهد صباه الموصل الحدباء ليستقر فيها بعد سنوات من الترحال بين محافظات القطر (بغداد ، وصلاح الدين ، وذي قار) وسكن حي النور مؤسساً دار الأرقم لتلم شمل شباب الإخوان (وأحياناً شيوخهم) الذين طالما اتخذوها مقراً يخططون ويؤسسون حركتهم التغيرية الشاملة في زمن القمع والاضطهاد لكل من يحمل فكر الإخوان فضلاً عن من يدعو لهذا الفكر , فتح داره للفارين من قمع السلطة وويلات الحروب , وكانت مضيفاً للمسافرين من الإخوان من بغداد وسامراء ، والفلوجة ، وبيجي ، وديالى .
      لبى الشهيد نداء أبيه إبراهيم الخليل سنة 1992 )وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ( وهي السنة التي اشتهرت بشدة المعاناة والصعوبات التي واجهها الحجاج بسب مخلفات حرب الخليج الثانية وقد شهد له رفاق الحج برقي الخلق والحلم على الجاهلين وخدمة الحجاج وإيثارهم والرد على الإساءة بالصبر والإحسان .
      رابط الشهيد بدعوته بالقول والعمل في مسجده ومستشفاه وعيادته يعطي مع بطاقة الدواء بطاقة دعوية تدعو المريض إلى  علاج علاقته مع الله )وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ @ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (.
      آمن الشهيد بان يد الله مع الجماعة)وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ( فسعى لتجميع الطاقات الخيرة في إطار العمل الجماعي المنظم من خلال مساهمته في تأسيس عدد من الجمعيات الخيرية والدعوية أهمها :
1-الجمعية الطبية الخيرية في حي النور سنة 1991 والعديد من الجمعيات الطبية الخيرية في مدينة الموصل الحدباء .
2- إعادة تأسيس جمعية البر الإسلامية بعد سنة 2003
3- الجمعية الطبية الإسلامية بعد سنة 2003
4- جمعية الموصل الخيرية بعد سنة 2003
5- مكتب حقوق الإنسان في الحزب الإسلامي العراقي _ مركز نينوى .
      مارس الشهيد دوره في هذه الموسسة بجندية متجردة لله عز وجل متعففاً عن أي حظ من وجاهة أو منصب أو  مكسب مادي حتى اختاره الله إلى جواره يوم السبت الموافق 12/5/2007 حين طالته يد الغدر الآثمة بطلقات نار أصابته وهو عائد من عيادته إلى داره فنسال الله عز وجل ان يمنحه الرحمة والمغفرة وان يكون مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .

جانب من أخلاق الشهيد :
      كان حسن الخلق, لم يعرف الشهيد بعلمه أو بلاغة لسانه , لكنه ملك قلوب كثير من إخوته وأهله بعمله وحسن خلقه ولعل أهم مايذكر الشهيد من خصال هي:
صلة الرحم :
      إذ ما انفك يزور إخوته وأخواته  الذي يكبرونه بأعوام يتفقد صحتهم يسأل عن أولادهم وأحفادهم, حتى انه اضطر في إحدى المرات أن يركب دراجة هوائية من حي النور ـ في الجانب الأيسر من المدينة ـ إلى حي الطيران ـ في الجانب الأيمن من المدينة ـ كي يسأل عن ابن أخيه الأكبر الذي كان جندياً مكلفاً في حرب الخليج الثانية , ضل يتفقد خالاته وأخواله  كما يتفقد الابن أبواه , بل تميز بالسؤال عن أقاربه البعيدين وانشغل في متابعة أخبارهم والسؤال عنهم في داخل القطر وخارجه , وكثيراً ما كان يقيم الولائم لجمع أهله ولم شملهم وإصلاح ذات بينهم .
الوفاء :
      عرف عن الشهيد وفاءه لأساتذته ومربيه وإخوانه في الدرب , فكان كثير الزيارة لهم والسؤال عنهم , يسارع أليهم إذا الم بهم مرض أو نزلت بهم نازلة , يجلب لهم الدواء ويخفف عنهم مصابهم ويسعى إلى عونهم بكل ما أوتي من سعة في المال أو نفوذ .
السعي في خدمة الآخرين بوقته وجهده :
      كان يسعى لخدمة إخوانه والسعي في حاجتهم , يقف في الطوابير كي ينجز معاملة لهم في مؤسسة رسمية , يتوسط لكي ذي حاجة من إخوانه  , يبحث عمن يقله بسيارته في طريقه إلى عمله أو إلى السوق . يسعى لجلب الدواء النادر لمصاب بمرض عضال , أو استحصال كرسي لأحد المقعدين , زائراً المعتقلين ومدافعاً عن قضياهم
التواضع :
      أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين كان دأب الشهيد الذي لم يمنعه مركزه الاجتماعي من خدمة أهله وإخوانه , كان يرى الآخرين اعلم منه وافقه منه , لم يبحث يوماً عن منصب إداري أو مركز تنظيمي , كثير اً ما كان يستأذن أولاده أن يجلس مع ضيف يزورهم في داره أو ينتظر الأذان منهم أن أقاموا وليمة في داره كي يدعو إليها , في المقابل لم يكن يخشى في قول الحق لومة لائم فكثيراً ما واجه جنرالات المحتل الأمريكي بجرائمهم عندما يلتقيهم بصفته صحفياً في جريدة فتى العراق بعد إعادة صدورها سنة 2003 ، أو مسؤولاً عن مكتب حقوق الإنسان في الحزب الإسلامي العراقي ـ مركز نينوى .

إحدى وصايا الشهيد لأولاده
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين الموصل في 20/ ذو القعدة / 1412هـ الموافق 27/ أيار/1992م .
      زوجتي العزيزة : يسار وجيه حفظها الله ورعاها ... أولادي الأحبة : حارث وإبراهيم وصفية وهمام وسمية وعثمان و رقية  ونعماء حفظكم الله وحرسكم , وأنبتكم نباتاً حسنا وخلفنا فيكم طيلة سفرنا وبعد مماتنا فهو نعم المولى ونعم النصير وهو الذي لاتضيع ودائعه ...
      أحمد الله أولاً وآخراً أن رزقني زوجة صالحة وأولاداً أتقياء بررة تشفعون لي يوم القيامة إن شاء الله فان الذنوب قد أثقلتـني خاصة أنني لم اعش  في بيت إسلامي في مقتبل عمري كالذي انعم الله به عليكم فكنتم لي ذكراً طيباً يعيني إذا أصبت ويقومني إذا أخطأت ويذكرني إن نسيت فجزاكم الله عني خيراً وجمعني وإياكم  في فردوسه الأعلى بعد طول حياة في طاعته .
آل بيتي الكرام :
      وان طالت غفلتي عن كتاب الله يشدني أن أذكركم بدوام صلتكم بالله وكتابه وسنة رسوله المصطفى (صلى الله عليه وسلم ) وبذل الغالي والنفيس لنشر دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة , فالدين دين الله وهو فطرته التي فطر الناس عليها فأحسنوا تبينها للناس حنى يقبلوا ولا يدبروا ..  ولا تلتفتوا إلى تثبيط المثبطين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسبون صنعاً .. بحجة الدراسة والمستقبل والأمان .
      وكونوا فيها بينكم جسداً واحداً يعطف كبيركم على صغيركم ويوقر صغيركم كبيركم .. ولا تنسوني من الدعاء .. أن حضرت جنازتي بين أيديكم فيصلي على إماماً اعلم الحاضرين بكتاب الله وسنة ورسوله ولأدفن لحداً .. ولا أرضى بما يخالف دين الله من مظاهر المغالاة في الحزن  والنحيب ولا تقام الفاتحة ولا تلهيكم أقاويل الناس عن الاستمرار في تطبيق سنة الله ورسوله والدعوة إليهما .
      أولادي الأحبة...الزموا جماعة المسلمين وإمامهم فان لم يكن هناك جماعة ولا إمام كما هو حالنا الآن فالزموا المساجد واحرصوا على أن تكون كل الفرائض في المسجد وعمروها بالتلاوة والتدريس ,, ومتى ما قامت للمسلمين جماعة فانصروها والتزموا منهجها ما دام يطابق منهج القران ... وخير جماعة عملت للإسلام والتزمت بمنهجه هو جماعة الإخوان المسلمين  فمتى سمعتم بقيامها فالتزموها بدقة وأعطوا الميثاق لأميرها  ومرشدها .
      واعملوا أن أعداء الإسلام  لايزالون افتراءاتهم وأكاذيبهم لتشويه سمعة هذه الجماعة ورجالاتها .. فلا يثبط هذا الفعل عزائمكم واسألوا الله الثبات على صراط المستقيم وعاهدوا على نصرة شريعته وان تتمنوا الشهادة دفاعاً عن الإسلام وأهله . 
هذا مالديَّ وأستطيع تذكره ألان واستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه وأرجو أبراء ذمتي مما قصرت تجاهكم وان تشفعوا لي عند الله بحفظكم القرآن  الكريم وعملكم به ...
والسلام  عليكم ورحمة  الله وبركاته ...
                                      والدكم
أديب إبراهيم الجلبي    






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق