الجمعة، 8 يونيو 2012

حكايات من القرية : الرجل البخيل


الرجل البخيل
نشا يتيماً في بيت زوج أمه لم يشعر يوماً بحنان الأب ولا عطفه أخذ يبتعد كثيراً عن أمه بسبب تفضيلها أولادها الصغار عليه فكلما تحرك حركة كان يؤنب عليها لم يعد يعرف الصواب من الخطأ فلما بلغ الثالثة عشر من عمره خرج للعمل عند أحد الأغنياء كي يتخلص من ضغط أمه وهروبا من زوجها الذي كان يؤذيه كثيراً ، كان  يرسل النقود إليهما بل هما يستلمانها من رب العمل في كثير من الأحيان .
التحق بالخدمة العسكرية بعد أن بلغ الثامنة عشر ليتطوع بالجيش العراقي كي يعيل نفسه، نقل إلى محافظة بغداد .
رأى أنه تخلص من أمه وزوجها وإخوته الذين لم يطرق حبهم قلبه يوماً ما .
سكن في بغداد وتزوج واستقر فيها لسنوات طوال أخذت أمه تبحث عنه عرفت مصيره ووضعه فاطمأنت لحاله ولكنها حاولت جاهدة ان يعود اليها ولكن دون جدوى ، توفيت أمه ولم يحضر مجلس عزائها .
وبعد سنوات من زواجه لم يرزقه الله بأطفال من زوجته حتى توفيت فتزوج أخرى فأنجبت له بنتين .
بلغ السن القانوني وأحيل على التقاعد رأى انه في مكان غريب فقرر أن  يعود إلى أقربائه بعد أن  قاموا بإغوائه بعد وفاة زوجته الثانية إذ وعدوه في حال عودته إلى قريته أن  يقوموا بتزويجه من إحدى بناتهم وهي أصغر من بناته مدعين لعلها تنجب له الولد الذي يحمل اسمه ، وتزوج من ابنة عمه وزوج ابنتيه لهما أنجبت له بنتين  وسبعة أولاد وقد بلغ عمره الثمانين سنة ولكنه يتمتع بصحة جيدة .
جاء الحصار ولم يعد يكفي راتبه التقاعدي ليسد نفقات عائلته عمل مع زوجته وأطفاله كرعاة لأبقار القرية يخرج معهم الى المرعى ويجلس وهم من يقومون برعاية الأبقار بتوجيه منه . 
انتقل من قريته إلى مدينة الموصل وسكن في حديقة عامة في أحد أحيائها الراقية ، أخذ الناس من أبناء الحي يحسنون إليه وفروا له فرصة عمل مع ابنه الأكبر في مشروع سد بادوش كسائق حادلة كان  كثيراً ماينام أثناء قيادتها وأنجاه الله أكثر من مرة من السقوط من مكان مرتفع .
بدأ بعض الأشخاص من أقربائه من أبناء المدينة يحثونه على بيع داره التي في القرية لغرض شراء  دار له في مدينة الموصل بثمنها وزينوا له الأمر كثيراً ، وكان لايعرف الأسعار الحقيقية للدور في هذه المدينة باع داره وقبض ثمنها ووضع نقودها في كيس لصغر العملة النقدية في زمن الحصار ، أخذ يبحث له عن دار بثمنها ولكنه لم يستطع الحصول عليها وبعد أن يئس من الأمر ، قال له الذين نصحوه بعدم بيع داره لأنها لا تأتي له بدار في المدينة : احرص على نقودك إنا نخشى عليك  من أن ينصب لك احد المحتالين فخاً فيأخذها منك ، أو أن  تسرق .
اخذ يخشى على نقوده ففي كل أسبوع بعد عودته من صلاة الجمعة يقوم بعدها رزمة رزمة .
 كان  يعاني من ارتفاع ضغط الدم ولكنه كان لايتناول الدواء وذلك لارتفاع ثمنه ومايحصل عليه من دفتره للأمراض المزمنة يقوم ببيعه في السوق ليضع ثمنه على النقود التي لديه وكان إذا ارتفع ضغطه يضرب على رأسه ويتناول عدداً من حبات الثوم وما يهدى له من قبل أبناء المنطقة ولاسيما من أطبائها إذ كان دائماً مايشتكي من ارتفاع الضغط فيحسنون إليه وهم لايعلمون أنه يبيع حصته من الدواء وربما حتى بعض الأدوية التي يقوم الناس بإهدائها إليه .
كان  لايستقبل أحداً في داره من أزواج بناته متعللاً بقلة ذات اليد ،  وكان البنت إذا زارته أكثر من يوم يبدأ بالصراخ عليها فتعود إلى بيت زوجها وهي محبطة من تصرف أبيها هذا.
 كان دائماً يقول لبناته : زوجتكنَّ كي أتخلص والان ترون ان استقبلكن، فكانت بناته ينظرن إلى هذا التصرف كأنه كره لهنَّ ولذلك دائماً يصرحنَّ إن  أباهن لا يحبهنَّ فلذلك كنَّ لا يزرنه إلا مرة واحدة في كل سنة وربما كل سنتين .
ورغم تحذير الكثيرين له بدأ يقرض بعض الاقرباء ، ظانا منه انهم ناصحون له ، فكانوا يقترضون منه بين فترة وأخرى مبلغاً من المال ليشتروا سيارة أو بضاعة وهو يراهم انه يربحونه ربحاً وافراً فكانت هذه تهيئة نفسية لأمر خطير نصب له.
 فكان دائما يقول : إنهم تجار ماهرون وإنهم أمناء وإنهم ... جاءوا إليه وطلبوا منه مبلغاً كبيرا يصل إلى ثلاثة أرباع ماله .
فقال لهم : إنه مال الأولاد الصغار وأخشى أن أموت ولا اترك لهم داراً للسكن فأنا حريص على هذا المال كحرصي على حياتي بل أشد حرصاً.
فقالوا : إنا لا نريد خداعك لماذا لا تشاركنا في هذه البضاعة فإذا ربحنا فلك النصف ولنا النصف ولاخسارة عليك لان  البضاعة لنا . اطمئن العم فالح إلى قولهم بعد إقناع زوجته الشابة له دفع المال إليهم .
وبعد أسبوع جاءوا إليه وقالوا : لقد ربحت ياعم فالح وربحك كان  وفيراً ، هل تسمح لنا بالشراء مرة أخرى ؟ .
قال العم فالح : لا ، أريد مالي وتمَّ إقناعه أيضاً وبعد أسبوع حدث كما حدث في الأسبوع الأول .
قال العم فالح : أريد مالي .
فرأى مماطلة منهم .
قال : أريد مالي ولا أريد الإرباح إني اتركها لكم ، كان هذا الإصرار من العم فالح على استعادة نقوده نتيجة إلحاح بعض الأصدقاء عليه مكررين التحذير له ، ولكن زوجته الشابة في كل مرة كانت له بالمرصاد .
تقول: ربحنا مالا وفيراً ماذا تريد ؟
قال العم فالح : أين الربح نحن لم نره ولم نعرف مقداره فضلاً عن نقودنا خرجت من أيدينا أيتها المرأة يقال عنهم أنهم نصابون .
وبقي على هذا الحال لأكثر من تسعة اشهر يعدوه دون أن  يقبض وبلغت الإرباح حسب ادعاءهم 000ر750 ديناراً .
وفي أحد الأيام جاءوا إليه وقالوا : إن المخازن تمت سرقتها ولا نعلم من السارق ؟
فقال لهم العم فالح : ليس لي شان  بهذا أريد مالي ؟
فقال الأخ الأكبر : إننا شاركناك على الربح والخسارة ويجب إن  تتحمل الخسارة معنا وإذا به يصبح مديوناً بعد أن كان دائناً لهم .
 أصاب العم فالح الذهول ولا يعرف ماذا يفعل إلى والدهم واخبره القصة كاملة .
فقال له الوالد : الم أنهك عن إقراضهم ولكنك لم تلتزم بما قلته لك ؟
فقام الأب بإجبارهم على إعطاءه مبلغ  000ر350 ديناراً أي نصف قيمة الإرباح ورأس المال ضاع .
مرض الرجل وهده هذا الأمر وبعد مراجعة للطبيب تبين انه مصاب بسرطان الرئتين وبحالة متقدمة ، لم يعش طويلاً إلا ثلاثة أشهر .
جاء أهل الزوجة فأخذوه ـ وهو في أشد حالات مرضه ـ مع زوجته وأولادها إلى قريته وبعد أقل من شهر وافاه الآجل هناك .
 بعد انتهاء مجلس عزائه اشتروا لهم داراً صغيرة تتكون من غرفة ومطبخ صغير لاتتجاوز 100 متراً وسكنتها العائلة بدل الدار الكبيرة التي كانت لهم .
فأضاع العم فالح نقوده ولم يكسب شيئاً منها ، وحرم نفسه وعياله منها وأصبحت في جيب أناس آخرين يعيشون على استغلال الناس ونصب الحيل لهم .
بقيت تلك المرأة الصابرة تعاني وأطفالها الصغار العوز في ظل الحصار الظالم فتركوا مدارسهم وأخذوا يعملون في مختلف الأعمال فأحدهم  يبيع السكائر والآخر يبيع قناني الغاز والثالث يعمل لدى سائق سيارة حتى كبروا وشقوا طريقهم في الحياة بصعوبة شديدة. 

***


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق