الخميس، 7 يونيو 2012

القفة بوعد الله


الثقة بوعد الله
اعتاد الحاج فرحان إخراج زكاة ماله  فإذا قام بحصاد محصوله من الحنطة والشعير أخرج الزكاة في الحقل من كل عشرة أكياس من المحصول كيس على جنب وكان  لايتخلف عن أدائها ولا عن تأخيرها أبداً .
باشر أهل القرية حصاد محاصيلهم وكان  الأمر يسير على أحسن ما يرام لأنه أخذ بالتدرج من أرض إلى أخرى وكانت الحاصدات تقوم بحصاد زرع أخيه .
ذهب الحاج فرحان إلى بيته وأخلد إلى النوم في فترة القيلولة كان  بيته وبيت أخيه البيتين الوحيدين في القرية اللذين  يوجد فيهما كهرباء لوجود مولد لهما .
خرجت شرارة نار من الحاصدة ، وأحرقت الأرض التي تم حصادها وسارت النار فيها ، هرع الناس لإطفائها من أهل القرية ومن القرى المجاورة ولكنهم لم يستطيعوا  إخمادها ، وذلك لارتفاع سناها نتيجة سرعة الرياح ـ كانت رياح غربية ـ ساقت النار باتجاه زرع الحاج فرحان دون أن  تؤذي زرع أخيه وهي سائرة في الأرض التي تم حصادها .
هرع العاملون إلى الحاج فرحان واخبروه إن النار انتشرت في الأرض التي تم حصادها من أرض أخيه وهي متجهة الآن  إلى زرعه والريح قوية وهي سائرة باتجاهه .
 قال الحاج  فرحان : أيّ زرع ؟ ، قالوا : زرعك .  قال الحاج فرحان : أنا لا يوجد زرع لديّ ، قالوا : كيف وهذه ( 3000) دونم التي زرعتها بمحصول الحنطة .
قال: أنا في كل سنة أخرج زكاة مالي وفي هذه السنة لم أخرجها بعد ، المال ليس مالي ، المال معي فيه شريك . قالوا : من هو شريكك لنخبره .
قال الحاج فرحان : إنهم الفقراء أليست الزكاة لهم فهم شركائي بهذا المال، وإذا أراد الله أن يمنعهم نصيبهم في هذا المال ويحرمني معهم أنا راضٍ بقضائه وقدره أعدّوا لي شاياً لأشربه .
وأرادوا منه الذهاب إلى الحقل ولكنه رفض الذهاب قبل أن يشرب الشاي ، فلما سار ووصل وجد الناس يسيرون خلف النار لإطفائها ولا أحد يستطيع أن  يتقدم أمامها لارتفاع سناها وشدة حرارتها .
كلهم يحاول الإطفاء إلا رجل واحد فرش مصلاه على جنب وأخذ يصلي ورفع يداه بعد كل ركعتين وتوجه إلى الله بالدعاء ويداه ممتدتان  نحو السماء إنه الحاج محمود إمام وخطيب جامع القرية .
بلغت القلوب الحناجر وكأنه اسقط بأيدي الناس وأخذوا لا يتحركون ينتظرين مايحدث وهم ينظرون إلى الحاج فرحان ماذا يفعل والنار بدأت بدخول أرضه وهو يقول يصرخ بهم : إن  النار لاتحرق زرعي .
  كيف لاتحرقه وهي باشرت بحرقه انه اليقين بوعد الله اخذ الحاج فرحان يصرخ بهم لا تيئسوا من روح الله استمروا أن  النار لاتحرق زرعي إنه مال مزكى .
وسارت النار في زرع الحاج فرحان لأمتار عدة ، وأخذ الحاج فرحان يتمتم بكلمات غير مفهومات لانخفاض صوته رافعاً يديه وبصره إلى السماء فما هي إلا لحظات قلائل ، وإذا بالريح قد تغير اتجاهها فأصبحت الآن  شمالية بعد أن  كانت غربية وأخذت تسير في الأرض مع طولها داخلة فيها لمسافة عشرة أمتار فقط إلى أن  وصلت إلى نهاية أرض الحاج فرحان ، ولكن صاحب الأرض المجاورة أخذ يصرخ ويستنجد لأن  النار قادمة إلى أرضه ، فتغير اتجاه الريح مرة أخرى فأصبح اتجاهها شرقي فعادت إلى الأرض التي تم حرقها من قبل وانطفأت من جديد إن المساحة التي تمَّ حرقها من أرض الحاج فرحان كانت عشرة أمتار عرضاً وطولاً لمسافة مائة متر .
التفت الحاج فرحان إلى العاملين عنده ، وقال : إنكم سُراق، أخذ الناس يهدئون من روعه وهم يحمدون الله أن  أرضه لم تحترق وإلا احترقت أراض المنطقة كلها .
فقال الحاج فرحان: إن  الأرض المحروقة هي بمقدار الزكاة التي لم تخرج من العام الماضي التي قام بسرقتها هؤلاء ، إن  في زكاتي خلل لماذا لم تخرجوا الزكاة بصورة صحيحة .
ياله من إيمان  راسخ كالجبال وثقة برب السماء نار تحرق كل شيء في طريقها أرعبت منطقة بأكملها ، واخذ الناس بالهرب ومواشيهم لأنها قادمة إليهم وقرى دخلت إنذار منها ، وهو يقف ويصرخ بالناس : إنها لا تحرق زرعي إنها لا تحرق زرعي انه مال مزكى ، وهذا لم أخرج زكاته بعد .
سأل الناس الحاج فرحان عن تلك الكلمات التي تكلمهنَّ بصوت خافت غير مسموع ، وهو يرفع بصره ويديه إلى السماء وتكرر عليه السؤال في مجلسه لسنوات .
فاستجاب لهم ذات يوم فقال : قلت يارب انه زرعك وليس زرعي إن  أحرقته النار فبعدلك وان  أنجيته فبرحمتك واني لست أهلاً لذلك ولكن لأجل الفقراء الذين ينتظرون في بيتي منذ أيام كي أحصد واخرج الزكاة لهم لأجل هؤلاء لاتحرقه يارب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق