الخميس، 7 يونيو 2012

كفن الحاج ساير


كفن الحاج ساير
نشا يتيماً في مجتمع بدوي اعتاد على السلب والنهب وقطع الطريق ومن لم يفعل ذلك يوصف بأوصاف عديدة من أهمها الجبن وعدم الشجاعة والإقدام وعدم الاتصاف بصفات الرجال كان  يعاني مع والدته وأخويه فقراً مدقعاً رغم مواساة أبناء عمه له في بعض الأحيان  .
 قرر أن  يخرج معهم لغرض الغزو ( هو أن  يقوموا بسرقة المواشي من القرى المجاورة ) ولكن أبناء عمه رفضوا ذلك وذلك لصغره سنة حيث لم يتجاوز الخامسة عشر سنة ولكن نتيجة إصراره وخروج معهم لكنهم جعلوه في الخلف وعندما قاموا بسرقة عدد من الأغنام تنبه صاحب الغنم فهجم عليهم فهربوا .
ولكن الفتى ساير بقي في مكانه ليس لديه سلاح سوى عصا يحملها بيده فنظر إلى الأرض فرأى فيها حجراً متوسط الحجم فالتقطه ، وبقي في مكانه ساكناً دون حراك واقتربت الأغنام منه كثيراً فجاء صاحب الدار يركض خلفهم ويطلق عليهم النار فضربه ساير بحجره فطرحه أرضاً مغمى عليه ، وأخذ سلاحه ـ بندقية ومسدس وخنجر ـ فضلا عن حزامهما ( الذي يوضع فيه الاطلاقات النارية ) وساق الأغنام أمامه ولحق  بقومه .
أراد أهل القرية أللحاق بهم فقال لهم صاحب الأغنام : إن  عددهم كثير وهم منتشرون في الأودية انظروا ماحدث لي من رجل منهم كان  مختبئاً والحمد لله لم يقم بقتلي ،أخشى أن  تصابوا بأذى دعوها ، نخسر بعض الأغنام خيراً من خسارة بعض الرجال فعادوا أدراجهم .
كان  هذا أول يوم له في الغزو ، وعندما وزعوا الغنائم أرادوا منه السلاح فرفض قال هذا نصيبي وحدي أنا الذي أنقذتكم وأنا الذي فدت ـ أي كسبت المال ـ ولكني أشاطركم الغنيمة لان  العرف كذلك إلا السلاح ، فانه ليس لدي سلاح ولم تعطوني سلاحاً فأقروه على ما في يده، وفرحوا كثيراً بشجاعته الفائقة وأخذوا يقدموه في الصف الأول في كل مرة يقومون بغزو قبيلة فيها واستمرت حياة ساير هكذا فترة طويلة إلى أن  قيض الله له زوجة صالحة فلما أنجب ولداً مات ، والثاني كذلك قال لزوجته : هذا إنذار من الله لي أن لا أطعمكم إلا حلالاً لذا فاني توقفت عن أعمالي وعن السرقات من القبائل الأخرى واني أتوب إلى الله واخذوا يضحكون عليه ويلقبوه بالمطوع ـ أي من اتخذ الدين منهجاً له ـ  .
ترك كل الأعمال والبطولات المزعومة واتجه إلى الزراعة وأخذ يعمل لدى أحد الإقطاعيين الكبار فأخذ يشرف على الزراعة مع حراسة الحقول في عدة قرى متباعدة مقابل حصوله على بعض المال جراء إشرافه على حقوله الزراعية.
استمر بعمله هذا سنوات طوالاً فكثر رزقه وخيراته وأصبح من أغنياء المنطقة الذين يشار لهم بالبنان  رغم عدم ظهور هذا الغنى على هذا الرجل لتواضعه ، فأخذ يقرض الناس المال وصبر على عدم السداد وفي بعض الأحيان  يحط من دينه لهم .
أراد الحج ولكنه لم يحج من ماله وقال لعل فيه دعوة مظلوم أو غير ذلك فحج من مال ابن أخيه وزوج ابنته الذي كان  يعمل موظفاً في إحدى الدوائر ، فاخذ بحمل كمية كبيرة من القماش وهو يؤدي مناسك الحج فكلما سئل عن ذلك قال : لي به حاجة فلما عاد من حجه عاد بملابس الإحرام معه وقال لزوجتيه وبناته إذا مت فكفنوني بها ، وأما هذا القماش فهو لبناتي وأحفادي إذا مات أحدهم كفن به .
فكان  ينام والكفن ـ ملابس الإحرام والقماش ـ تحت وسادته واستمر على هذا الأمر لسنوات طوال ، مرض صديقه وأرسل إليه في نزعات الموت وطلب منه أن  يكفنه بكفنه الذي جاء به من الحج وان  يقوم بالإشراف على غسله ودفنه ونفذ وصية صديقه واشترى له كفناً آخر ، ثم مات شخص آخر في القرية فأعطاه له واستمر على هذا العمل لأربعين سنة متوالية دفع فيها خمسة وأربعين كفناً إلى أبناء القرية والقرى المجاورة.
توفي الحاج ساير وكفن بكفنه بعد أربعين سنة اذ بلغ عمره ( 105 ) سنة قضى أربعين سنة منها منتظراً أجله الذي تأخر عليه كثيراً كما كان يقول .
أصبح كفن الحاج ساير مثلا ًيضرب به بين أبناء القرية والمنطقة فكان احدهم يقول للآخر الذي انغمس في جمع المال : لا تتعب كثيراً في جمعه فانك سوف لا تكفن به بل سيكون كفنك من الحاج ساير ، رحم الله الحاج رحمة واسعة وتغمده برحمته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق