سيد صالح والنار
نشأ الشاب السيد صالح بقريتنا التي تقع على ضفاف نهر الزاب الكبير وهي لا تبعد عنه سوى كيلو مترين ونصف وتمتاز بحقولها الجميلة وموقعها المرتفع المطل على هذه الأرض الخصبة وفي هذا المجتمع الريفي البسيط الذي يمتهن الزراعة مهنة وحرفة لهم نشأ هذا الشاب ورغم حرص والدته واخوته على تعليمه لكنه رفض أن يتعلم ولم يكمل إلا الدراسة الابتدائية فكان الوحيد من بين إخوته الذي لم يكمل دراسته .
فلما بلغ ثماني عشرة سنة وقد التحق بالخدمة العسكرية واستقر به الحال في إحدى الوحدات العسكرية في محافظة ديالى ،وهناك التقى برجل يدعى السيد عبود وكان نائب ضابط في الجيش فدعاه السيد صالح إلى أن ينتهج المنهج الصوفي وكانت جذور الشاب صالح صوفية بحكم انتماءه إلى عائلة يعود نسبها إلى آل البيت ، نشأ في هذا المحيط الذي يسمع فيه كثيراً عن كرامات الأولياء والصالحين ، ويرى بعض الدراويش في منطقته وما يقومون به من الأمور الخارقة من حمل النار أو ضرب الدرابيش أو إطلاق النار على الجسد ، فظنَّ أن الكرامة عطاء بيد الشيخ يهبه لمن يشاء من مريديه ناسياً ومتناسياً الكرامة لا تكتسب اكتساباً بل هي عطاء رباني يهبه الله لمن يشاء من عباده الصالحين .
هنا أراد الشاب صالح أن تكون له مثل هذه الأشياء لكي يتفاخر أو يتباهى بها بين أبناء القرية فأعطاه السيد عبود ( طريقة ) وبذلك انتسب إلى أحدى الطرق الصوفية المعروفة في العراق وأخذ يردد أورادهم ويدعي الولاية مع انه لم يسلك عندهم إلا عدة أشهر فقط .
وفي أحد الأيام قام أحد وجهاء القرية بعمل منقبة نبوية شريفة في بيته ودعا السيد صالح إليها.
قام السيد صالح إلى المدفئة التي كانت أمامه وحمل الحجر التي تشتعل به وسار به من أول المجلس إلى آخره ثم أعاده إلى مكانه، وجلس فيه ووضع إحدى كفيه على الأخرى ، وشعر الحاضرون أن كفيه لم تحترق وعلا هتاف الناس بالصلاة على رسول الله عليه وسلم ولاسيما من كبار السن الذين كانوا يقولون ماشاء الله ماشاء الله ... .
ثم أراد السيد صالح أن يضع عصا في بطنه فمنعه أحد الحاضرين وأخذ العصا من يده ، وبعد دقائق قليلة ، أخذت السيد صالح رعدت شديدة وأخذ يرتجف لان النار قد أحرقت يديه ولم يستطع السير وأخذه أحد الحاضرين إلى منزله .
فلما رآه إخوته سألوه عن حاله لكنه لم يجبهم فاخبرهم الشخص الذي جاء معه ماحدث .
ونادى صالح على والدته بان تضع له سريراً وتغطيه ببطانية واخذ يصرخ ويرتجف من الألم .
فقام أخوته بحمله إلى المستشفى ليتلقى العلاج هناك وبعد تلقيه العلاج ، عادوا به إلى القرية ، بقي عدة أسابيع لا يستطيع الأكل والشرب بيديه ، بل كان أخوته وأمه يطعمونه ويغسلون له وجهه حتى تماثل للشفاء ، ولكن إحدى أصابعه أصابها العطب لان العصب تقلص ، وأصبح الأصبع لايتحرك كبقية الأصابع بل أصبح أصغر منهنَّ .
هنا أدرك السيد صالح أن الكرامة لا تنال بالادعاء ولا بالانتساب وان هذه الأعمال إنما هي أعمال شعوذة فلما عاد إلى وحدته العسكرية قام برفع شكوى ضد السيد عبود وذلك لأنه غرر به فتسبب في إيذائه وكاد أن يودي بحياته ، وكاد أن يتسبب في إيذاء الكثيرين من أبناء قريته وغيرهم .
كان السيد صالح يحمل في جيبه صورة شيخه السيد عبود وكان يظن أن وجودها في جيبه هي مدد وعون له ، لذلك كان لا يقبل أن يأخذها أيّ إنسان بل يعتبرها من المقدسات التي لا يجوز المساس بها أو النيل منها بأيّ شيء حتى ولو كان بكلمة عابرة ، وبعد أن احترقت يدا السيد صالح قام بإخراج صورة شيخه وأحرقها وهو يشتم صاحبها لأنه غرر به وكان يقول له : ( شكك واني أخيط ) ـ أي افعل أي شيء وأنا سوف أدفع عنك الضرر ـ اعتقد هذا الشاب أن كلام السيد عبود كلام صحيح وانه سوف يفعل الأفاعيل أمام أبناء قريته ولكنه في لحظة أصبح أضحوكة لجميع أبناء القرية وأخذوا يسخرون منه ومن شيخه الذي ادعى الولاية وغرر به .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق