خيانة زوجة
كان أبو أحمد يتمتع بالوجاهة فضلاً عن الجمال في الخَلقِ والخُلق والكلمة المسموعة بين أبناء عَمّه الذين يرون فيه صرح عزهم وعنوان فخرهم وشرفهم ، ليس في القرية بل في أرجاء المنطقة كلها لذلك التفوا حوله وآزروه رغم كونه شاباً يافعاً لم يتجاوز الثلاثين من عمره .
شعر المتنفذون من كبار السن بخطر هذا الشاب الجامح وأفزعهم طموحه ، وأرادوا إيقافه بكل سبيل وحاولوا أن يضعوه كما قيل تحت عبائتهم إلا إنهم لم ينجحوا لأن أبا أحمد أراد أن يبني له عزاً بعيداً عن هؤلاء ، فقرروا الخلاص منه بأي طريقة كانت على أن تكون ناجحة ومأمونة العواقب ، حرك الشيطان حبائله وشارك في وضع الخطة مع النفوس الدنيئة الخبيثة ، قام أبو عبدالله ـ أحد الوجهاء أولئك وصاحب المكان المرموق فيهم ـ بأعتراض زوجة أبي أحمد حين كانت ذاهبة إلى حَلبِ أغنام زوجها مع بعض قريباتها فسلم عليها ، وقال : كيف حالك ياشيخة إنني أحسد أبا أحمد عليك كثيراً ودائماً أذكرك في مضيف الشيخ بكل خير وأشيد بجمالك وأخلاقك وأصلك الطيب وانصرف .
كانت هذه الرسالة الأولى التي أرسلها ولكن بصورة غير مباشرة ليوقعها في شباكه اللعينة ، ثم قام وبعث لصديقاتها وحدثهنَّ عن حُبه وهيامه بأم أحمد وانه لايستطيع أن ينام الليل من حُبه إياها فإذا ما طلقها أبو أحمد فانه سوف يتزوجها معطياً إياهاً مهراً كذا ، ويعطيها كذا ويكرمها ويرفع من شأنها ، وطلب من اثنين منهن إيصال رسالته هذه إلى أم أحمد ، بعد أن أغدق عليهما العطايا.
ففعلت تلك الصديقتان الغادرتان وأخذتا بإغراء أم أحمد ولكن دون جدوى لحبها لزوجها وابن عمها الذي أحبته منذ الصغر وكانت تفتخر بحبه لها أمام فتيات القرية كما إنها متعلقة بابنها الوحيد ، ثم أن أبا عبدالله رجل كبير السن وهو بعمر والدها .
فلم يكتف أبو عبدالله بمحاولته تلك، بل استمر بالمحاولة الواحدة تلو الأخرى ، واستطاع استمالتها إليه بعد إغراء الصديقات لها ، مثل هذه الأخبار لا تخفي في مثل هذا المجتمع الريفي فأشاع أبو عبدالله الخبر بين النسوة عن طريق صديقتاها .
فأرسل أبو عبدالله زوجته كي تتشاجر مع أم أحمد وتتهمها أمام نساء القرية عند بئر الماء بأنها عاشقة لأبي عبدالله وان فعلها هذا فعل مشين كيف تعشق رجلاً بسن أبيها ، وهي على ذمة رجل آخر يتمتع بالوجاهة والنجابة بين أفراد قريته .
أرسل أبو عبدالله إليها لغرض اللقاء وتحقق له ما أراد فقال لها: اطلبي من أبي أحمد الطلاق وإذا لم يوافق خذي هذا الُسمَّ ودُسيه له في الطعام واقتليه ، كي يتحقق لنا مانريد وكي لا يبقى حائلاً دون تحقيق هدفنا .
أخذت أم أحمد السُمَّ وعادت به إلى بيتها ورأى أبو أحمد منها صداً له دون مبرر.
قال أبو أحمد : يا أم أحمد كثرت في الآونة الأخيرة بعض الإشعاعات هنا وهناك بأنك مرتبطة بعلاقة مع أبي عبدالله ولم تتضح لي نوع هذه العلاقة لأني لم استطع أن أحصل على دليل واحد عن تلك العلاقة فهل هذا الكلام صحيح أريد منك إجابة في الحال ؟.
قالت له أم أحمد : نعم إني أحبُّ أبا عبدالله فهو أكثر مالاً ووجاهة منك في القرية واني أريد الطلاق منك كي أتزوج منه وان لم تفعل لأضعنَّ لك السُمَّ في الطعام وأقتلك ثُمَّ اقتل نفسي خلفك .
فأبى أبو أحمد وقال : بعد ماشاع ماشاع من علاقتك بهذا الماكر ، لن أقوم بطلاقك لتحققي ماتريدين ، وبذلك يكون مرغ أنفي هذا الغادر بالتراب ، والله لن تحصلي على مرادك ولولا أن يقال عليك انك كنت زانية وأنا على يقين أنّ هذا الأمر لم يحصل لقمت بقتلك بيديَّ هاتين ، فما كان من أم أحمد إلا أن قامت بتهديدها ووضعت لأبي أحمد السُّمَّ في الطعام فاردته قتيلاً في الحال ، انتشر الخبر في القرية أن زوجة أبي أحمد قامت بسمّ زوجها من أجل محبوبها أبي عبدالله .
فأراد أحد أشقائها أن يقتلها لفعلتها الشنيعة فأوقفه أبوه وعمه وأشقاء أبي أحمد ، فقد أجمعوا على عدم قتلها ، فإذا قتلوها أصبح الخبر الذي شاع صحيحاً وبذلك يلحقهم العار جميعاً ويشاع عنهم أن نسائهم يتخذن أخداناً لهنَّ من خلف أزواجهنَّ بل يجب عليهم أن يتكتموا على الأمر وان يقوموا بتكذيب الخبر ، وأشاعوا أن أبا أحمد مات نتيجة غصة بلقمة طعام ولا ماء إلى جنبه فمات وليس من أثر السُّم .
بعد فترة من الزمن طلبت أم أحمد من أبي عبدالله الوفاء بوعده والزواج منها فماطل أولاً بلطف وتودد ، مدعياً أن المدة لازالت ليس بعيدة عن موت زوجها وعليها أن تقضي سنة حتى يستطيع أن يتقدم إليها ـ أي بعد الذكرى السنوية لموت أبي أحمد ـ ثم مرت الذكرى الأولى والثانية دون جدوى هنا أرسلت إليه وحددت موعداً للقاء ضاربة عرض الحائط كل الأقاويل التي نُسجت عنها وعن أبي عبدالله فلما تحقق اللقاء ذكرته بوعده وبتضحيتها الكبيرة من قتل ابن عمها وزوجها أبي أحمد وتحملها من الأقاويل ماتحملت فضلاً عن عداء الأسرة والعشيرة لها .
قال لها أبو عبدالله : إني أردت أن أتخلص من أبي أحمد أولاً وان أظفر بزوجته ثانياً ، فتحقق لي الأول دون الثاني ، وأنا لا أستطيع الزواج بك بعدما شاع من خبرك ماشاع فإذا ما تقدمت للزواج منك سوف اقتل في الحال وأثبت على نفسي اني كنت شريكاً لك في هذا الأمر ، واني من قام على تحريضك على قتل ابن عمك وزوجك ، وكيف اطمئن لك بعد أن تناسيتِ كل صلات القربى التي كانت تربطك مع زوجك فالتي تقتل زوجها وابن عمها سوف تقوم بقتلي أيضاً لا ترسلي لي مرة أخرى وإلا فضحت أمرك في المضيف وجعلت أشقائك يقوموا بقتلك .
أنهى أبو عبدالله كلامه وقفل عائداً من الغابة ، فعادت أم أحمد إلى بيت أبيها وهي تجر خلفها العار والذل والخسران وكيف قامت بكل ماقمت به أكل هذا من أجل نزوة عابرة لم تتحقق في يوم من الأيام أقدمت على فعلتها الشنيعة وخسرت زوجها وسمعتها ولم تظفر بما أرادت ، وخسرت الاخرة وحضيت بغضب الله عليها ، بقيت أم أحمد تعيش في بيت أبيها ومن ثم بيت أخيها ولم يطلبها أحد للزواج بل أثرت على سمعت شقيقاتها وبنات عمها وخالاتها وعماتها مخافة أن يكون العرق دساس في ذريتهم .
نسي أبو عبدالله فعلته تلك وانه تسبب في قتل رجل بريء دون ذنب إلا حسداً من عند نفسه ، خرج في يوم العيد راكباً فرسه متقلداً بندقيته على كتفه وواضعاً مسدسه بجنبه ومتوشحاً بعبائته وهو يسير بين أبنائه وأبناء عمومته قاصداً مضيف أحد الشيوخ في قرية مجاورة ملبياً لدعوته.
وبعد أن تناول طعام الغداء وأخذوا يتحدثون كان أبو عبدالله يحرك البندقية ويضعها أسفل حنكه وهو يتحدث ، فقال له الشيخ: ياأبا عبدالله أراك اليوم كثيراً ما تضع فوهة البندقية على لوزتك مابك ؟ هل تريد أن تموت فاني أرى الموت بين عينيك ؟
أخذ أبو عبدالله يضحك ويقول : لاتخف ياشيخ إنها مُؤمَّنة حرك أبو عبدالله الزناد انطلقت رصاصة من بندقيته هشمت له جميع رأسه واردته قتيلاً في الحال طلقة أطلقها على لوزته التي حاكت مؤامرة القتل الدنيئة لتأخذ بثأر أبي أحمد وتقتص من كل ظالم غادر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق