الخميس، 7 يونيو 2012

سيد علي


سيد علي
ولد السيد علي في قرية مجاورة لقريته الحالية ، وهي قرية أبيه الأصلية وكان  من ملاكي الأراضي فيها إلا أنه  انتقل إلى قريتنا وسكن فيها لرعاية أرضه الزراعية فيها وكانت بيد (الحاج صباح )  يقوم بزراعتها مع إعطاء السيد علي بعض المال منها أي 10% من ناتج الأرض .
حاول السيد علي أن  يعطي الحاج صباح  جزءاً منها ولكن دون جدوى كان  (الحاج صباح ) يتمتع بالقوة وذلك لان  لديه ستة من الأبناء الأشداء فلا  يستطيع أحد أن  يعتدي عليه ، وإذا استولى على حق ليس له لا يستطيع صاحب الحق انتزاعه منه.
تحلّى السيد علي بالصبر بالتعامل معه فأخذ يزيد نسبته من إنتاج الأرض حتى أوصلها إلى ربع الناتج أي 25% واستمر الأمر إلى أكثر من( 30 ) سنة .
فلما أصبح (الحاج صباح)  كبيراً في السن ومريضاً ، وقد تزوج زوجة ثانية بعد وفاة زوجته الأولى والتحاق أبناؤه بالجيش على الملاك الدائم وسكن البعض منهم في مدينة الموصل والبعض الآخر في بغداد ، أدرك (الحاج صباح) أن  العكاز الذي كان  يتكأ عليه انكسر أو كاد أن  ينكسر .
فذهب إليه (السيد علي) قائلاً له: ياعم منذ أن  كنتُ طفلاً صغيراً والأرض بيدك وكأنك المالك الدائم لها وأنا الآن على وشك أن أبلغ الخمسين من عمري وأنت تدير أرضي وتزرعها نيابة عني إن كنت يتيماً فأنا جد لعدد من الأحفاد الآن ، فمتى تزول عني صفة اليتم  ياترى ؟ أريد أن  تعود لي أرضي على أن  أَهَب لك الأرض التي في أعلى القرية تزرعها مابقيت على الحياة ومن بعد وفاتك هي لأبنائك الصغار من زوجتك الثانية هذا عهد مني وأنا خير من يفي بهذا العهد إن  شاء الله .
استطاع ( السيد علي)  أن  يقنع الحاج صباح واسترد أرضه منه بعد سنوات طوال دون أن  يتسبب بأي مشكلة معه .
توفي (الحاج صباح) بعدها بسنوات قليلة وقام (السيد علي) بالوفاء بوعده وترك الأرض لأبنائه الأيتام الصغار لزراعتها مع والدتهم وأخواتهم إلى أن  قاموا بالانتقال إلى مدينة الموصل  فاسترد السيد علي أرضه .
هنا علمنا أن  الأرض للسيد علي وكنا نسحبها ملكاً للحاج صباح لأنا  منذ صغرنا ونحن نرى عائلة الحاج صباح تقوم بزراعتها .
وكذلك فعل مع أرض أخرى كان  المختار قد استولى عليها وبقيت لأكثر من خمسين سنة بيده وبيد أبنائه إلى أن  قاموا بتقسيم التركة بينهم هنا قال (السيد علي) : إن الأرض الفلانية أرضي لا تدخل بتقسيم التركة فاعترض أحفاد المختار على ذلك وبعد الاستقصاء من كبار السن علموا أن  الأرض للسيد علي فضلاً عن كونها مسجلة باسم أبيه .
تعامل السيد علي مع من استولى على أرضه بحكمة فائقة حتى استردها لأنه كان  لا يملك القوة لكونه لأنه وحيد في القرية لا عمومة له فيها.
كان  السيد علي يتمتع بالدهاء والحكمة الفائقة ، كان  كريم الخلق طيب المعشر نرى داره مأوى  للغرباء الذين يقدمون إلى  القرية للعمل أو لقضاء حاجة فيها .
وصفة أخرى كان  يتمع بها (السيد علي )هو الإصلاح بين الخصوم كان  إذا سمع باثنين  متخاصمين  أو كانت بينهما مشكلة كان  يبادر من تلقاء نفسه ويتوجه إليهما ويصلح  بينهما .
وكان  قادراً على إدارة المفاوضات بين الطرفين لما كان  يتمع به من الصبر وطول النفس في الحوار حتى يتمكن من إقناعهم بالصلح وان  طالت المدة في هذه المفاوضات .
ولذاك كان كثير التحرك بين القرى من أجل هذا الأمر فأعطاه مكانة فضلاً عن كونه من نسب طيب ومن كبار ملاكي المنطقة وكان له قدرة على الإقناع بين الخصوم وكان كثيراً ما ينجح في مسعاه هذا رغم ما يتعرض له في بعض الأحيان من الانتقاد من قبل الإطراف المتنازعة فترى أحد الطرفين  يتهمه بالتحيز للطرف الآخر .
وكان  عنده قدرة على الإصلاح بين العوائل المتخاصمة ولاسيما إذا كان  النزاع بين زوجين متخاصمين أو حالة طلاق قد وقعت فتراه في هذا الأمر أكثر نجاحاً من غيره لما يتمع به من مكانة وحب بين نساء القرية لكونه كبيراً في السن ويحسن التعامل معهن ولا سيما إذا تعلق الأمر بأرضه الزراعية فكان يرى كثيراً من دواب القرية توجد في زرعه وإذا خرج ووقف في أعلى الأرض هرعت النساء لإخراج مواشيها من زرعه فينادي إحداهنَّ ويقول لها : دعيها ترعى ولكن حدثيني عن زوجك كيف حاله معك أن  كان لا يتعامل معك بالحسنى فسوف أقوم بتوبيخه اشد التوبيخ ، وهي وتتوسل به : ياجدي دعني أخرج البقرة أو النعجة أو طيور الأوز من الزرع واستكمل الحوار معك لكنه يرفض، ويقول : الزرع زرعي دعيها ترعى فان الله سوف يعوضني بكل شتلة منها عشرة هذه الدابة لا تأكل شيئاً ، أنظري إلى أرضي الواسعة لا أستطيع ان  أسير بها على قدميَّ وأتفقد أحوالها كلها .
فتتعرض النسوة إلى إحراج من هذا الأمر لأنه يتسبب بضرر للمحصول المزروع ولكن السيد علي لا يبالي بهذا الأمر ويذكّر النسوة به بين الفترة والأخرى ولاسيما أثناء النزاع ، فإذا حدث نزاع وكانت النساء طرفاً فيه ، كان خير من يقوم بالإصلاح هو (السيد علي) الذي تجاوز التسعين عاماً لكل ماسبق فضلاً عن طريقة إدارته الحوار فترى المرأة وأمها متصلبة في موقفها إلى اللحظات الأخيرة فإذا أراد أن  ينصرف يقف على قدميه ويقوم برفع حزامه الجلدي العريض وتعديل (السيدية ) ـ عصابة خضراء يضعها على رأسه ـ  ويلبس عباءته ويقول : ياالله إلى بيت زوجك الآن  ولا كلمة ، المسكين الآن هو بالانتظار على أحرّ من الجمر ، غداً سوف يكون هو الطيب وسواه من الشياطين . فتقتنع المرأة وتعود إلى بيت زوجها أو تقبل بالزواج من رجل كانت في بادئ الأمر ترفض القبول به.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق