الخميس، 7 يونيو 2012

الصديق الخائن


الصديق الخائن
اعتادت قريتنا في فترة الثمانينات في القرن الماضي أن  تستأجر راعياً لأبقار القرية ( جوال ) ولعدم وجوده من العراقيين بسبب الحرب العراقية الإيرانية التي أخذت معظم الرجال مابين سن (18-45) سنة.
كان  جوال قريتنا من المصريين فكانت تقدم لهم التسهيلات من مأكل ومسكن فكان  في الصباح يذهب أهل القرية بالإفطار مع الغداء إلى بيت هؤلاء الجوالين وفي المساء يكون العشاء في بيت أحد أفراد القرية وكانت هذه عادة سائدة في القرية ، فضلا عن مرتبه الشهري الذي يتقاضاه : عن كل بقرة دينار وكان  عدد أبقار قريتنا (350) بقرة وبذلك يكون الراتب الشهري لراعي الأبقار هو ( 350) ديناراً وكانت تكون مناصفة بين اثنين إذ أن  شخصاً واحداً لايستطيع أن  يرعى الأبقار وان  يسيطر عليها وذلك لمرورها بجوار عدد من المزارع ، كان أهل القرية من الرجال والنساء يقومون بإيصال البقر مع الجوال إلى المرعى ويقومون بإعادته من مرعاه إلى القرية .
كان  خميس ومحمد هما (جوالا) ـ إي رعاة البقر ـ  قريتنا وقد أمضى خميس فيها أكثر من أربع سنوات فتوطدت علاقته مع أبنائها فأحبه الجميع .
قرر (خميس) العودة إلى مصر بعد أن طلب منه أهله ذلك ، لغرض الزواج من ابنة عمه .
طلب أهل القرية من خميس أن يأتي لهم برجل لا تثار حوله الشبهات ـ مثله ومثل محمد ـ فجاء برجل كبير السن اسمه ناجي ليكون مساعداً لمحمد الشاب الذي كان في قريتنا منذ سنتين تميز محمد بحسن الخلق وطيب المعشر فأحبه الرجال والنساء والأطفال على السواء وبقي (خميس) يرعى البقر معه لمدة أسبوع وأوضح له عادات القرية وتقاليدها ثم سافر إلى مصر وأهل القرية حزينون على فراقه لأنه أصبح واحداً منهم .
ولم يمض إلا شهر واحد فقط على مغادرة خميس للقرية وذهابه إلى جمهورية مصر العربية ، حتى وجد أطفال القرية ـ الذين كانوا يلعبون قرب سكن المصريين ـ دماءً خارجة من بيت الجوال إلى بئر متروك خلف غرفتهم الصغيرة فاخبروا الناس وكانت مداركهم قليلة فأشاعوا الخبر بين الناس أن  جوال القرية قام بذبح بقرة وألقى ما تبقى منها في البئر .
فجاء كبار أهل القرية من الشيوخ فرأوا آثار الدماء وآثار سحب الجثة على الأرض فاقتنعوا أنهم ذبحوا بقرة والقوها في البئر .
ولكن نساء القرية وبعض رجالاتها ممن أوصلوا أبقارهم إلى مكان  اجتماع أبقار القرية ومن هناك انطلق بها الجوال إلى المرعى ، قالوا : إننا اليوم لم نرَ محمداً ووجدنا فقط ناجي ، الذي لم يكن يحبه أحد من أبنائها لسبب غير معروف.
فقالوا: لعل ناجي قتل محمداً لأن  محمداً وخميس من قبله اعتادوا إذا أراد أحدهم الخروج من القرية لا يخرج إلا بعد أن  يبلغ الأهالي بخروجه كي يرسلوا من يقوم بمساعدة الآخر المتبقي في رعاية الأبقار، ويقوم أبناء القرية بإيصالهم إلى المكان  الذي يرغبون فيه .
وأُشيع إن ناجي سوف يهرب من المرعى وتلقى التهمة على أبناء القرية فارسوا ثلاثة من شبابهم من كانت له علاقة مع محمد وكان ناجي يراهم يزورونه دائماً في بيته كي يبقوا مع ناجي ليقطعوا عنه فرصة الهرب ويعودوا به  في المساء ويتبين الأمر لعلهم يكونون مخطئين .
وفي المساء عاد ناجي فلما أرادوا معرفة مكان محمد أخبرهم أنه ذهب إلى الموصل لغرض إرسال النقود لأهله .
شك أهل القرية به إذ لم يرَ أحد محمداً راكباً في أيّ سيارة من سيارتها ولم يره أحد واقفاً على الطريق فارتابوا في أمره .
 جاء والدي وتكلم مع ناجي وانتبه إلى آثار خدوش من أظافر في رقبته ووجهه ، فاستفسر والدي عن مصدر هذه الخدوش التي على رقبته وصدره فلم يستطع (ناجي) أن  يوضح الأمر فأخذ يقول كلاماً متناقضاً .
 فقال والدي : إن  هذا الرجل قاتل وهذه الدماء هي دماء إنسان  لا حيوان، أنا أعرفها لكثرة ما رأيتها في الحرب فأصبحتُ أميّز دم الإنسان  عن غيره ، دعونا ننظر ماذا في البئر ونقطع الشك باليقين .
ربط والدي نفسه بثلاثة حبال ونزل رويداً رويداً إلى البئر فلما وصل إلى قاعه وخرج أخبرهم : أن محمداً قد ضرب في عنقه بسكين والدماء تضرج صدره وثوبه وقد فارق الحياة .
قام رجال القرية بحمل (ناجي) إلى مركز الشرطة وسلموه هناك مخافة أن  يهرب أو أن  يتهور أحد أبناء القرية فيقتله وفي الصباح جاءت الشرطة إلى مكان  الحادث ومعها ناجي فبين لهم كيف قام بقتل محمد.
 كان  محمد يريد أن  يذهب إلى الموصل بعد أن  يستلم راتبه ويرسل نقوده إلى أهله التي جمعها خلال سنة وكانت تبلغ( 1950 ) ديناراً زائداً على ( 175)  ديناراً راتبه الشهري .
طمع ناجي بهذا المبلغ وقرر أن  يقتله ويستولي على نقوده ويستلم الراتب الشهري ويهرب بعيداً عن القرية .
كان محمدٌ نائماً فقام ناجي بضربه بسكين في رقبته ، شعر محمد بتلك الضربة فامسك بناجي من رقبته وأراد خنقه ، لكن ناجي ألحقه بضرب ثانية وثالثة في بطنه فأرداه في الحال صريعاً فسقط على الأرض ، قام ناجي بسحب محمد وهو على قيد الحياة وألقاه في البئر وهو يئن من الألم .
وفي الصباح ذهب ناجي إلى البئر ونظر فيه فوجد محمد قد فارق الحياة واطمئن وذهب إلى مكان  جمع الأبقار وأخذ الأبقار إلى المرعى .
أخرجت الشرطة الجثة بعد أن  قامت بتصوير الحادث ووضعت (محمداً ) ـ رحمه الله ـ في مؤخرة السيارة وألقته على وجهه لأن أرجله انطوت إلى الخلف ، ووضعت فوق الجثة بطانية فإذا تحركت السيارة تحركت قدما محمد إلى الإمام والى الخلف .
هذا الموقف جعل القرية تقف على قدم وساق ولم يتناول بعض أبناءها الطعام لأكثر من يوم حزناً منهم على محمد وعلى هذه الخيانة من رجل كبير طاعن في السن ، فأصبح أبناء القرية إذا ظهر فيهم خائن لقّبوه بـ ( ناجي) .
فأصبح ناجي يضرب به المثل على الخيانة والغدر بالصاحب ، وكانت الأمهات كثيراً ما تخيف أبنائها الذين لاينامون مبكرين بقولها سوف أنادي لك ناجي فينام الطفل من فوره خوفاً وفزعاً لما رآه من فعل ناجي القبيح. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق