اليمين الكاذبة
كان أبو إبراهيم معلماً في القرية وكان يعطف على أبي حسين لأنه كان فقيراً معدماً فأخذه إلى أحد الأصدقاء الذين كانت لديهم علاقات مع المسؤولين في الدولة ، فقال له ياحاج أحمد : إن أبا حسين رجل فقير معدم وأريد منك أن تقدم له يد العون من خلال إيجاد فرصة عمل له كي يعيل عياله السبعة .
قام الحاج أحمد بالتوسط له وتم تعيينه في حماية المنشأت كحارس لأحد مشاريع المياه وأخذت زوجته تدعو لأبي إبراهيم على ماقام به من عمل فقد انتشلها وأطفالها السبعة من حالة العوز والحرمان .
حدثت مشكلة بين عائلة أبي إبراهيم وعائلة أبي حردان وتطور الأمر حتى وصل القضاء وأودع أحد أفراد عائلة أبي حردان السجن وذلك لجناية ارتكبها بحق عائلة أبي إبراهيم .
أرادت عائلة أبي حردان أن تخرج ولدها المجرم من السجن ففكرت في طريقة لمساعدة أبي حسين واثنين آخرين كي يقوم أبو إبراهيم بالتنازل عن حق عائلته .
وقف أبو حسين أمام القاضي مع اثنين آخرين من أبناء القرية من أقرباء أبي حردان ، ليشهدوا أن أبا إبراهيم أراد قتل أبي حردان وعندما تسلق الجدار أخذنا منه المسدس وخرج مع الرجلين وهم مسرورون بشهادتهم الكاذبة .
أدرك القاضي أن القضية ملفقة تجاه هذا الرجل ، فلم يكتف بما سمع من شهادة الشهود ، وأصرَّ على التعمق في التحقيق ، فاتصل بآخرين من وجهاء المنطقة ليتحقق من صدق المدعي ومن صدق شهوده ، فتبين له أنهم جميعاً كاذبون في دعواهم ، ولاسيما انه تلقى العديد من الاتصالات من أبناء المنطقة تؤكد كذب أبي حردان بدعواه .
فقال القاضي لأبي إبراهيم : انك رجل فاضل هذا ماعرفته عنك من خلال أهل المنطقة ولكن أمامي شهادة ولا أستطيع أن أردها ساودعك السجن لمدة خمسة أيام ثم تخرج فإذا خرجت فقم بإنهاء هذه القضية لأن هؤلاء الناس سيأتون غداً والدماء تسيل منهم بأثر طلق نار أو غيره مع الشهود ليقولوا انك من قام بهذا العمل وانك نجحت في هذه المرة بعد أن فشلت في المرة السابقة فمثل هذا النوع من البشر تمرس على الإجرام فأنت لاتستطيع الوقوف بوجه هؤلاء .
فلما عاد إخوة أبي إبراهيم إلى القرية في المساء اجتمع الناس حولهم ليفهموا ماذا حدث لأبي إبراهيم فلما اخبروهم ماحدث وان مثل هذه الحادثة لا تخفى على أحد وأهل القرية يعرفون كذب المدعي ويعرفون الهدف من هذه القضية .
ولم يكد يصل أبو حسين إلى القرية إلا واخذ الناس يلومونه على شهادته الكاذبة مع الآخرين .
أنكر أبو حسين ذهابه للقاضي وان هؤلاء القوم يتهمونه زوراً وبهتاناً وأخذ يصرخ في الشارع ويقسم لهم انه لم يخرج من القرية ، ويقسم بطلاق زوجته أنه لم يصل إلى مركز الشرطة أو المحكمة ولم يشهد لأحد أبداً .
أصبح أشقاء أبي إبراهيم في وضع حرج لأن الناس قد صدقوا أبا حسين وكذبوهم ، واتهموهم بالكذب وأنهم يتجنون عليه وهو يصرخ في أعلى صوته في ذلك المساء .
باتت القرية حزينة لما جرى لأبي إبراهيم لما كان يتمع به من استقامة ومكانة اجتماعية فهو إمام وخطيب جامع القرية ومعلم التربية الإسلامية في مدرستها ، وباتت بعض العوائل دون عشاء حزناً لما جرى لأنهم يعرفون أن هذا الرجل أودع السجن ظلماً وعدواناً ، وبقيت كثير من العوائل في الشارع الى ساعة متأخرة من الليل تناقش ماحدث في ذلك اليوم ، وبعد أن أمضى أبو إبراهيم المدة المقررة خرج من سنجه بكفالة فتوافد أبناء القرية لزيارته .
تحرك أقرباء أبي حسين ليفهموا خبر اتهام أشقاء أبي إبراهيم لقريبهم ، عرض أبو إبراهيم عليهم عريضة الدعوى وشهادة الشهود مع ذكر أسمائهم وتواقيعهم أمام القاضي ، فثبت على أبي حسين المشاركة في هذا الافتراء ، فهاجموه وعنفوه على شهادته الكاذبة وبعدها قامت أخته ( الحاجة هكشة ) بالبصاق بوجهه وضربه على فعلته القبيحة مذكرة إياه من هو الذي انتشله من فقره وعوزه أليس هو أبو إبراهيم ؟ ثم أردفت قائلة : هل هذا جزاء الإحسان الذي صنعه لك فتكون مجازاته منك بشهادة كاذبة ماذا فعل لك ؟ وليس لك عداوة معه ثم ختمت حديثها معه صدق القائل : اتق شر من أحسنت إليه .
هاج أبو حسين وأخذ يصرخ بوجه الحاضرين من أقربائه والله والله لن ادعه في حاله حتى أودعه السجن واقطع راتبه واجعله مشرداً يتسول من الناس كي يعيش.
قال الحاضرون: إعلم إن الله لك بالمرصاد وسوف تقع بشر أعمالك ونرجوا من الله أن تكون العقوبة التي يسلطها تقع عليك لا على أطفالك وزوجتك ، والحديث معك خسارة وخرجوا من داره ، لم يمض إلا اقل من سنة حتى فُصِلَ أبو حسين من عمله بسبب كبر سنه وأخذ يركض هنا وهناك لغرض إعادته إلى وظيفته السابقة لكن دون جدوى فلما يئس من عودته إلى وظيفته أخذ يبحث عن عمل آخر له دون جدوى فاضطر أن ينغمس في إحدى الأعمال لدى أحد الأحزاب فأصبح ممقوتاً من جميع أبناء القرية من جراء عمله هذا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق