الرجل الغريب
جاءنا قادماً إلى قريتنا الصغيرة رجل اسمه
أحمد عجاج ويكنى بأبي نواف مع زوجته وولده نواف ، وكانوا من أكراد تركيا ولا يعرف إلى
الآن لماذا هجر الأهل والأقرباء والوطن
ورحل بعيداً عنهم ليستقر في قريتنا، وبعد سكنه بسنة أنجب له زوجته ولداً آخر .
قام برعي أبقار القرية وزاول في بعض الأحيان مهناً أخرى أحبه أهل القرية وعطفوا عليه كثيراً
.
كانت زوجته أم نواف تشتاق كثيراً إلى
وطنها وأهلها ، وكان دائماً مايحدث بينهما شجار لا يعرف سببه وتعلوا الأصوات فإذا
ما تدخل أحد أفراد القرية تهدئ الأجواء بينهما وكان لا يعرف سبب النزاع .
كان هذا الرجل مفتوناً بحب زوجته فهو يحبها حباً
لايصدق ويغار عليها حتى أنه كان يغلق عليها
الباب إذا ما خرج لقضاء عمل ما وكانت زوجته تضيق ذرعاً من تصرفاته وغيرته هذه غير
مبررة.
كان أحمد
عجاج ينشد في حبها الأبيات الشعرية ويتغني بها في الأعراس والأعياد وكذلك يرى في
ولده نواف الأهل والأقرباء والوطن فهو ماتبقى له من أهل وكان يحمله على كتفه
دائماً يسير به في أرجاء القرية .
وذات ليلة استيقظ أحمد عجاج فلم يجد
زوجته ولا ابنيه في بيته فهرع يبحث عنهم في القرية فلم يجد لهم أثراً ، هرعت
القرية على صراخه ماذا حدث يا أبا نواف ؟.
هربت زوجتي مع ولديَّ لعلها خطفت ؟.
خرج خلفها أهل القرية وهم يقصون الأثر
عرفوا أنها تحمل أحد ولديها ويسير الآخر
إلى جنبها ، وكلما تعبت جلسوا على الأرض ليستريحوا ثم يواصلوا المسير ، فتبين لأهل
القرية أنها رحلت مع ولديها إلى تركيا .
هنا جن جنون الرجل المحب الوله ، فاستغرق
بالبكاء على الأبناء والزوج فتراه يبكي
يوماً ويغني يوماً آخر ويوماً يسير هائماً على وجهه في البراري ، ويوماً آخر نائماً
في ظلال أحد دور القرية من شدة التعب .
بقي أحمد عجاج على هذه الحال لثلاث أو أربع سنوات
فاتجه إلى التصوف وأخذ يردد المدائح ويضرب في الدف ، ويسمع أهل القرية في وسط الليل
أو نهايته ، مدائحه التي كانت في حب الرسول وفي طلب العون من الله وفي حب الزوجة والأبناء
.
اختل عقل الرجل وأصبح مجنوناً وأخذ الناس
يتأسفون لحاله وماحدث له لماذا لم يلحق بزوجته وابنيه ؟ ولماذا جاء إلى هذه الديار
؟
هذا التساؤل لازال قائماً ، ولم يعرف أحد
سره ، ولم يبح به لهم يوماً ما حتى بعد أن
فقد عقله .
بقي وحيداً في كوخه الذي آل إلى السقوط
فبنته القرية له من جديد وأخذ أبناء القرية يجددون له بنائه ويديمونه في كل عام
وتكفلوا بإطعامه من طعامهم اليومي وإذا لم يرسل له أحد منهم كان يأتي ويطلب الطعام
من بعض البيوت التي كانت مشفقة عليه كثيراً وهي معروفة في القرية وإذا ما أقام أحد
وليمة ما كان يحضره مع المدعوين ويشارك أهل
القرية في أفراحها وأتراحها ، بقي أبو نواف على حاله وفي كوخه الذي أصبح بيت أحزانه
إلى أن وجد في أحد الأيام ميتاً على سريره
.
لقد عاش وحيداً ومات وحيداً غريباً ، فقام
أهل القرية بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقبرة القرية ودفن سره معه لقد أحبه
أهل القرية وأحبهم وحزن الجميع عليه وبكى الكثيرون ولا سيما أطفال القرية الذين كانوا
يحبونه كثيراً وكنت منهم .
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق