الرجل الذي
ينتظر أجله
في شهر رمضان
المبارك وعلى أبواب عيد الفطر ، أصاب القرية مرض فتاك نشر الرعب بين أفرادها
، فمات العديد من الرجال والنساء والأطفال
بسببه ،كان البلاء على أشده ، وكان مشهد الموت يتكرر في كل يوم قتل المرض جميع أفراد
أسرته من الرجال ، مات أبوه وبعد أيام
قلائل مات عمه ثم أخوه الأكبر ، لم يبق من العائلة سواه وأخوه الأصغر .
أصابه المرض
، أيقن الفتى الصغير ( علي ) الذي لم يبلغ الحلم بعد ، أنه ميت لا محالة ،إن
المصائب التي نزلت بأسرته اكبر من أن يحتملها هذا الفتى الصغير ، فهده المرض ، كانت
أمه تبكي عليه كثيرا وهي تقول له متى تقف على قدميك وتستطيع الاعتماد عليهما في
المسير إنها تخشى عليه من الموت .
دخل داره
رجلان يلبسان لباساً أبيض اللون وعلى محياهم سيما الصلاح وهو لا يعرفهما ، قال في
نفسه إنهما رسولا ربي لأخذ روحي ، أسرع ( علي ) بفرش سجادة أمه وأخذ يصلي بغير طهر
وكان لايعرف كيف يصلي لأنه لم يسجد لله مرة واحدة ، أطال قيام صلاته وركوعها
وسجودها خوفاً منهما، ولم يسلم بين كل ركعتين بل صلى أكثر من عشرين ركعة بلا
تسليمة ، فقالا له : أخرج من الصلاة عندنا كلام معك ولكنه رفض الخروج ورفع لهما
كتفيه ، علامة على رفضه .
كان يرقبهما
ويختلس النظر إليهما بين حين وآخر مخافة أن يهجما عليه ، وكان يخشى أحدهما حين رأى
فيه غلظة فإذا وقع نظره عليه اقشعر جلده وقف شعر رأسه ، غضب أحدهما وقال للآخر :
لننصرف ، دعه الآن إنه مريض مسكين ، فإذا تشافى من مرضه عدنا إليه من جديد ، ولكن
صاحبه ( الذي يخشاه علي ) رفض ذلك بل أصرَّ على البقاء وبعد فترة قالا له : لو بقيت
تصلي خمسين سنة فنحن قادمان لأخذ روحك كما فعلنا بأبيك وعمك وأخيك ، خرج عن صمته المعهود وقال لهما: سأبقى أصلى
خمسين سنة ولن تستطيعا أخذ روحي في صلاتي
.
قال أحدهما :
أبق صل ستين سنة ، ثم انصرفا خارج الدار .
فقال علي :
ياالله لو أخذا روحي كيف كان حالي ، كنت أموت عاصياً لله سبحانه وتعالى وسيكون
مصيري جهنم ، إنهما سيعودان عمّا قريب واني لاحق بابي وعمي وأخي ، أخذ يصلي ،
متمسكاً بصلاته ، وتعلم القرآن وأصبح إماماً وخطيباً للقرية ، فكان يترك فراشه
الدافيء في الشتاء ويسير في أرض موحلة وربما يسقط على الأرض ، ليؤذن في مسجد القرية الصغير لصلاة الفجر ، فكان
يؤذن ويصلي وحده إلا نادراً لسنوات طوال .
تزوج من ابنة
عمه التي تكبره بعشر سنين ، فتكاثرت عليه النعم ، فإذا مرض وعاده أحد أفراد القرية
كان دائماً يقول : لن أموت الآن لم أبلغ الخمسين سنة ، بعد مرضي ذاك ، إني أعرف
أجلي ، فلما بلغ الخمسين بعد تلك الحادثة استعد للقاء الملكين الكريمين ، وهو يقول
: أنا انتظر رسل ربي مرحباً بهم متى قدموا إليَّ أنا بانتظارهم ، لذلك كان يبقى
دائماً على طهر .
صلى صلاة
الجمعة في مسجد القرية ، حمل إبريق الماء وأخذ يتوضأ لصلاة العصر ، فلما أكمل
وضوءه ، سقط على الأرض أمام أنظار أسرته ، هرعوا إليه أخذوا بتقليبه ولكن لا حراك
له ، كان مشيراً بسبابته كأنه تلفظ بكلمة التوحيد قبل وفاته ، فارق الحياة ذهبت
روحه إلى بارئها بعد انتظار لأجله ورسل ربه لستين عاماً لقد تحقق اللقاء الذي دام
طويلاً ، لقد كان يردد هذه الحكاية على مسامعنا كثيراً في كل مجلس عزاء ، ثم يردف
ذلك ويقول : أنا انتظرهما .
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق