الجمعة، 8 يونيو 2012

حكايات من القرية : الرجل الذي ينتظر أجله


الرجل الذي ينتظر أجله
في شهر رمضان المبارك وعلى أبواب عيد الفطر ، أصاب القرية مرض فتاك نشر الرعب بين أفرادها ،  فمات العديد من الرجال والنساء والأطفال بسببه ،كان البلاء على أشده ، وكان مشهد الموت يتكرر في كل يوم قتل المرض جميع أفراد أسرته من الرجال ،  مات أبوه وبعد أيام قلائل مات عمه ثم أخوه الأكبر ، لم يبق من العائلة سواه وأخوه الأصغر .
أصابه المرض ، أيقن الفتى الصغير ( علي ) الذي لم يبلغ الحلم بعد ، أنه ميت لا محالة ،إن المصائب التي نزلت بأسرته اكبر من أن يحتملها هذا الفتى الصغير ، فهده المرض ، كانت أمه تبكي عليه كثيرا وهي تقول له متى تقف على قدميك وتستطيع الاعتماد عليهما في المسير إنها تخشى عليه من الموت .
دخل داره رجلان يلبسان لباساً أبيض اللون وعلى محياهم سيما الصلاح وهو لا يعرفهما ، قال في نفسه إنهما رسولا ربي لأخذ روحي ، أسرع ( علي ) بفرش سجادة أمه وأخذ يصلي بغير طهر وكان لايعرف كيف يصلي لأنه لم يسجد لله مرة واحدة ، أطال قيام صلاته وركوعها وسجودها خوفاً منهما، ولم يسلم بين كل ركعتين بل صلى أكثر من عشرين ركعة بلا تسليمة ، فقالا له : أخرج من الصلاة عندنا كلام معك ولكنه رفض الخروج ورفع لهما كتفيه ، علامة على رفضه .
كان يرقبهما ويختلس النظر إليهما بين حين وآخر مخافة أن يهجما عليه ، وكان يخشى أحدهما حين رأى فيه غلظة فإذا وقع نظره عليه اقشعر جلده وقف شعر رأسه ، غضب أحدهما وقال للآخر : لننصرف ، دعه الآن إنه مريض مسكين ، فإذا تشافى من مرضه عدنا إليه من جديد ، ولكن صاحبه ( الذي يخشاه علي ) رفض ذلك بل أصرَّ على البقاء وبعد فترة قالا له : لو بقيت تصلي خمسين سنة فنحن قادمان لأخذ روحك كما فعلنا بأبيك وعمك وأخيك  ، خرج عن صمته المعهود وقال لهما: سأبقى أصلى خمسين سنة ولن  تستطيعا أخذ روحي في صلاتي .
قال أحدهما : أبق صل ستين سنة ، ثم انصرفا خارج الدار .
فقال علي : ياالله لو أخذا روحي كيف كان حالي ، كنت أموت عاصياً لله سبحانه وتعالى وسيكون مصيري جهنم ، إنهما سيعودان عمّا قريب واني لاحق بابي وعمي وأخي ، أخذ يصلي ، متمسكاً بصلاته ، وتعلم القرآن وأصبح إماماً وخطيباً للقرية ، فكان يترك فراشه الدافيء في الشتاء ويسير في أرض موحلة وربما يسقط على الأرض ،  ليؤذن في مسجد القرية الصغير لصلاة الفجر ، فكان يؤذن ويصلي وحده إلا نادراً لسنوات طوال .
تزوج من ابنة عمه التي تكبره بعشر سنين ، فتكاثرت عليه النعم ، فإذا مرض وعاده أحد أفراد القرية كان دائماً يقول : لن أموت الآن لم أبلغ الخمسين سنة ، بعد مرضي ذاك ، إني أعرف أجلي ، فلما بلغ الخمسين بعد تلك الحادثة استعد للقاء الملكين الكريمين ، وهو يقول : أنا انتظر رسل ربي مرحباً بهم متى قدموا إليَّ أنا بانتظارهم ، لذلك كان يبقى دائماً على طهر .
صلى صلاة الجمعة في مسجد القرية ، حمل إبريق الماء وأخذ يتوضأ لصلاة العصر ، فلما أكمل وضوءه ، سقط على الأرض أمام أنظار أسرته ، هرعوا إليه أخذوا بتقليبه ولكن لا حراك له ، كان مشيراً بسبابته كأنه تلفظ بكلمة التوحيد قبل وفاته ، فارق الحياة ذهبت روحه إلى بارئها بعد انتظار لأجله ورسل ربه لستين عاماً لقد تحقق اللقاء الذي دام طويلاً ، لقد كان يردد هذه الحكاية على مسامعنا كثيراً في كل مجلس عزاء ، ثم يردف ذلك ويقول : أنا انتظرهما .
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق